عبدالحليم حافظ وحكاية دقوا الشماسي في صيف الإسكندرية
المصدر: مجلة نصف الدنيا
بقلم: مصطفى الضمرانى
"دقوا الشماسي ع البلاج دقوا الشماسي. دقوا الشماسي م الضحي لحد التماسي. يا أحلي شمس وأحلي رمل وأحلي مية. جايين علي نسمة أمل يا إسكندرية والحر زي الشوق نهار وليله قاسي. دقوا الشماسي. في البحر الأبيض وفي هداوة لونه الأزرق. تعبنا يهرب مننا وهمومنا تغرق."
لم يفكر عبدالحليم حافظ ولم يخطر بباله ذات يوم تقديم أغنية عن المصايف والمصطافين ولم يقتنع بهذه الفكرة رغم كثرة الأغاني التي كان يعرضها عليه كبار المؤلفين والملحنين الذين يتعامل معهم ولم تلفت نظره الإسكندرية وشواطئها الجميلة ورمالها الناعمة وجوها الساحر الجميل، ولم يشغل اهتمامه آلاف المصطافين القادمين من الدول العربية الشقيقة لقضاء فترة الصيف في الإسكندرية والاستمتاع بجوها الخلاب ونسائمها العطرة والمصريون وأسرهم وآلاف الشباب والشابات الذين تزدحم بهم شواطئ الإسكندرية الممتدة والمتعددة وذلك لعدم اقتناعه أساسا بفكرة إنتاج أغنية خاصة عن المصيف مكتفيا بروائعه الغنائية التي يقدمها في حفلات الربيع كل عام وينافس بها أغنيات فريد الأطرش في هذه الليلة حيث كان عبدالحليم يقدم حفله الساهر من سينما قصر النيل بينما يقدم فريد حفله من سينما ريفولي والاثنان يقدمان أغنيات جديدة تم تجهيزها مسبقا قبيل عيد الربيع بشهور والتي كتبها كبار الشعراء والملحنين ويتغني بها الشباب طوال فترة الصيف بعد أن تطبعها صوت الفن علي أسطوانات وأشرطة كاسيت لتكون في متناول المعجبين في اليوم الثاني لحفل الربيع.
ويتلقي عبدالحليم العديد من الرسائل والاتصالات الهاتفية من معجبي فنه يطلبون منه إنتاج أغنية عن صيف الإسكندرية مؤكدين له أنها ستصبح أغنية المصطافين كل عام ويتريث عبدالحليم بعض الوقت لحين وجود أغنية تعبر عن أماني الشباب في الصيف دون إسراع أو تعجل خصوصا أن هناك أغنيات كثيرة يتغني بها المطربون والمطربات عن الإسكندرية ولابد أن تكون الأغنية التي يقدمها لها مذاق خاص وجديدة في معاني كلماتها وكذلك اللحن أيضا، وينتظر عبدالحليم رغم كل هذه الرسائل والاتصالات من الشباب الذين يتوقعون بأن أغنيته الجديدة ستبتلع كل الأغنيات الأخري مثل عصا موسي التي ابتلعت كل الحيات، ويلعب القدر دورا مهما في تحقيق رغبة الشباب عندما يطلب إحسان عبدالقدوس من عبدالحليم مقابلته لأن عنده فيلما جديدا يصلح لأن يقوم ببطولته ويسعد عبدالحليم بهذا الخبر ويطلب من مجدي العمروسي مستشار صوت الفن حضور اجتماعه مع إحسان عبدالقدوس للاتفاق علي الفيلم والذي سيكون آخر أفلام عبدالحليم حافظ وهو فيلم ـ أبي فوق الشجرة ـ ويقرأ عبدالحليم قصة الفيلم وتعجبه جدا ويرشح لإخراجه المخرج الكبير حسين كمال باقتراح من مجدي العمروسي. ويقدم إحسان نسخة أخري من الفيلم لحسين كمال الذي قرأها كاملة خلال أسبوع وأبلغ عبدالحليم إعجابه بالفيلم وطلب من مجدي عقد جلسة لترشيح أبطال الفيلم واختيار الشعراء والملحنين الذين كلفوا بأغانيه، وفي مقابلة بين عبدالحليم وحسين كمال بفندق فلسطين بالإسكندرية يتم الاتفاق علي أن الفيلم غنائي ويضم مجموعة كبيرة من الأغاني ومن بينها أغنية عن الإسكندرية ومصايف الإسكندرية ويفرح عبدالحليم بهذه المفاجأة ويطلب من مجدي العمروسي الاتصال بالشاعر الكبير مرسي جميل عزيز لقراءة القصة والسيناريو وكتابة الأغنية ويفرح مرسي أيضا بهذا التكليف من عبدالحليم الذي تخصص في كتابة معظم أغاني عبدالحليم منذ بداية ظهوره كمطرب وطوال رحلته الغنائية ويسافر مرسي إلي الإسكندرية ويقضي بعض الوقت في فندق فلسطين ويتردد علي شاطئ عايدة مع عبدالحليم الذي انبهر بشاطئها الجميل ورماله الناعمة وشمسه الساطعة ونسائمه العطرة وتنبه عبدالحليم لمشهد الشماسي التي يقوم شباب المصطافين بدقها علي الشاطئ ليقول لمرسي أنا عايز أعنية يكون مطلعها دقوا الشماسي ويفرح مرسي بالاقتراح ويكتب الأغنية في يومين ويعود بها لعبدالحليم ومجدي العمروسي ويتفق الاثنان مع المخرج حسين كمال علي أن الذي يلحنها الموسيقار منير مراد الذي يقرأ نص الأغنية وينبهر به خصوصا المطلع الذي يقول: "دقوا الشماسي ع البلاج دقوا الشماسي. دقوا الشماسي م الضحي لحد التماسي. يا أحلي شمس وأحلي رمل وأحلي مية. واحنا وشبابنا وحبنا يا اسكندرية جايين علي موجة هوا نرتاح شوية والحر زي الشوق نهاره وليله قاسي. دقوا الشماسي. في البحر الأبيض وفي هداوة لونه الأزرق. تعبنا يهرب مننا وهمومنا تغرق."
اللحن الذي ينجزه في يومين ليتم تصوير الأغنية مع عبدالحليم والكورال علي شواطئ الإسكندرية لتكون أول أغنية يتم تصويرها في فيلم "أبي فوق الشجرة" قصة إحسان عبدالقدوس وبطولة عبدالحليم ونادية لطفي وعماد حمدي وميرفت أمين إخراج حسين كمال ويعرض الفيلم في سينما ديانا يوم 17 فبراير 69 ويحقق نجاحا مدويا ليكون آخر أفلام عبدالحليم حافظ الذي يضم مجموعة من الأغاني شارك فيها كبار الشعراء والملحنين ويقوم مجدي العمروسي بطبع أغاني الفيلم علي أشرطة كاسيت وأسطوانات وتباع في الأسواق ويتلقفها الشباب وتصبح أغنية دقوا الشماسي هي الأغنية المفضلة التي يتغني بها الشباب علي شواطئ الإسكندرية وتحقق أكبر مبيعات ويعتبرها منتجو الأغاني أغنية موسم الصيف والمصطافين ويحقق بها عبدالحليم رغبات ملايين الشباب الذين كثيرا ما طلبوا منه أغنية عن صيف الإسكندرية فكانت "دقوا الشماسي علي البلاج دقوا الشماسي. دقوا الشماسي م الضحي لحد التماسي."