قبل الرحيل...... قصة الأيام الأخيرة في حياة حليم.....
بقلمي.....ومن أرشيفي الخاص
شتاء 1977.....
في الثاني عشر من يناير 1977، سافر حليم الى لندن لأجراء الفحوصات السنويه ولأجراء المنظار الألكتروني للمريء (حسب توصية د.تانر)،
لم يكن يعلم... أنها السفرة الأخيرة
لم يكن يعلم... أن الرحيل سيكون ف الغربة.... بعيداً عن مصر التي أحبها وأحبته
لم يكن يعلم... أن لندن التي جرحته يوماً ما... سيلفظ فيها أنفاسه الأخيرة... على سرير منفرد في الغرفه 117 في كينجز كوليج هوسبتال.
حليم لما سافر... كان تعبان صحياً... ومرهق أشد الأرهاق، فموسم 1976 كان يحمل معه سيل من الذكريات المؤلمه والمتعبه.... وسيل من الحفلات العامه والخاصة (يمكن سنة 1976 أكثر سنه من سنوات السبعينات عمل فيها حليم حفلات عامه وخاصة).... حفلات كتيرة جداً.... تخلى عن صفة المريض الملتزم.... أول مرة يتخلى عن هذه الصفة التي كان يرتاح أليها الدكتور ياسين عبد الغفار..... وكان دائماً يصرح أن حليم أكثر مريض ملتزم باوامر الأطباء....
(فلاش باك).... مرة سمير صبري قال لحليم (قبل حفل نادي الجزيرة الأول 4 يوليو 1976):- بلاش الحفل ده يحليم.. أنت تعبان وحالتك الصحيه مش عاجبه الدكاتره... اللي عايز يسمعك يجيلك.... يجيلك في مناسبه أخرى، رد حليم عليه وقالو... مش ممكن ياسمير...لازم أغني للناس.... مش ممكن متجيش لازم تيجي أنا عاوزك أنت تقدمني للجمهور ف الحفل ده... وتبوسني وابوسك ع المسرح زي ما كان يحصل زمان (على فكرة أخر مرة سمير صبري قدم حليم ع المسرح كانت ليلة شم النسيم 1973 حفل حاول تفتكرني).... وفعلاً سمير صبري قدم حليم على المسرح أجمل تقديم... وداعب حليم لما قال للجمهور حليم حيطلع ع المسرح حيقولكو أنا تعبان وحأغني اهواك واروح... متخلهوش يروح.... ويذكر سمير صبري أن هذا الحفل هو أحلى حفل غنى فيه عبد الحليم وأكتر حفل الجمهور تجاوب فيه مع عبد الحليم. (وهذا على لسان سمير صبري في لقاء مع اذاعة صوت العرب مساء 31 مارس 1977).
يمكن في هذا الحفل (الذي هو بعد حفل الشغب بشهرين ونص تقريباً) بدأت حالة حليم الصحيه في النازل... وآذنت بقرب الرحيل.......
وصل حليم الى لندن... في 12 يناير 1977، ليبدء فترة نقاهة يرتاح فيها من تعب الموسم... موسم كان متعباً جداً..حفلات عامه كتير...وحفلات خاصة أكتر...
في فترة النقاهة... حليم بدء بالسهر في الأماكن العامه يومياً... منذ وصوله ولغاية منتصف فبراير... ولما وصل الدكتور وليام روجرز الى لندن وعمل لحليم الفحوصات ومن ضمنها المنظار الألكتروني الذي يدخل الى البلعوم ومن ثم الى المريء والذي حدث فيه النزيف.... النزيف الذي جعل د.روجرز يضع حليم قرب غرفة الأنعاش تحسباً لأي مكروه يحصل، ولخطورة الموقف أتصل بالدكتور ياسين عبد الغفار ليطلعه على أخر المستجدات وليطلب منه أن يكون على أهبة الأستعداد للمجيء الى لندن (أذا أستدعى الأمر)(د.ياسين وصل لندن يوم 10 مارس)،
حليم طلب من مجدي العمروسي أن يأتي الى لندن بأسرع وقت (ليسلمه الوصيه فيما بعد، الله يرحمه كان حاسس أنها النهاية).... وفعلاً سافر مجدي يوم 25 فبراير ومين معاه (الدكتور الشاب شاكر سرور بديل الدكتور هشام عيسى والست نهلة القدسي).
تدهورت حالة حليم الصحيه في أواخر فبراير 1977، ولكن مثل كل مرة... يكتب له الله النجاة من الموت المحتوم.
في الأول من مارس 1977 تحسنت حالة حليم الصحيه.. وقال أنه حيرجع لمصر خلال عشرة أيام.. خصوصاً لو علمنا أن صديقه الأعلامي كمال الملاخ كان على أتصال يومي بحليم... لتتبع أخباره الصحيه، كذلك الأستاذ عبد الوهاب كان يتصل به يومياً ووجدي الحكيم..... مهو شم النسيم ع الأبواب... ومن غير ليه عايزه تخرج للناس بصوت العندليب...
وهو.... لاشيء يفكر فيه... سوى الحفل... من غير ليه.. وأحلى طريق ف دنيتي....
حليم كان عايز يقدم الغنوتين بشكل جديد... يختلف عن كل الحفلات السابقة... من يوم ما أصبح الربيع هو حليم... وحليم هو الربيع....
جهاز التسجيل أمامه في الغرفة 117، يسمع صوت استاذه عبد الوهاب... وهو يغني جايين الدنيا منعرف ليه... وحليم يغني وراه الكلمات التي عاشت معه... وعاش معها من يوم مسمعها من مرسي جميل عزيز وآصر على أن يغنيها في شم النسيم.
شم النسيم ع الأبواب.. فاضل شهر على ميعاد الحفل... هو ممنوع عليه يغادر المستشفى، أتصل مجدي العمروسي مع حسن أبو داود متعهد الحفل وابلغه أن حليم مش هيغني في شم النسيم... الأطباء نصحوه أن يمد أقامته ف لندن الى أواخر ابريل 1977، وقال له أن حليم حيغني الغنوتين في حفل أفتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الثاني 26 سبتمبر 1977، قبلها سيكون حليم على موعد مع اربع حفلات ف لندن أغسطس 1977.
طوال أقامة حليم في كينجز كوليج هوسبتال كانت تأتيه عشرات الآلآف من الرسائل من معجبيه في أنحاء الوطن العربي الكبير الأمر الذي جعل أدارة المستشفى تخصص عدة عاملين لتسليم الرسائل الى حليم
في 19 مارس 1977 كانت مكالمة وجدي الحكيم مع حليم ف (برنامج ألف سلام) مع الأعلامية عصمت فوزي ... هنا جاء صوت حليم... واهناً... ضعيفاً... مستسلماً لقضاء الله وقدره (وهو الأنسان المؤمن بقضاء الله عز وجل)... رغم الأمل الموجود في نبرات صوته... لكنه كان حاسس أنها النهاية...
زاره العديد من رجالات السياسة والأعلام والفن والصحافه في المستشفى للأطئنان على صحة العندليب...
أواخر مارس 1977 تحديداً الثلاثين منه... العاشرة مساءاً بتوقيت جرينش (الثانية عشر مساءاً بتوقيت القاهرة).....
التقرير الصادر من كينجز كوليج هوسبتال...
في هذه اللحظة... سكت الصوت الذي ملأ السماء العربيه... والأسماع العربية... بالشجن... والصدق... والحب
مات عبد الحليم علي شبانه.....
و....................
انتهى المشوار
بكل الحزن... وبكل الوفاء لحليم .... اصرخ بملء الفم.....
فينك ياعبد الحليم.....
فين أحنا ياعبد الحليم... دلوقت
مين اللي قتل الثاني فينا....
أحنا.... والا الوقت.....
الله يرحمك يحليم... بقدر ما أعطيت... وقد اعطيت الكثير.... طبت حياً..... وطبت ميتاً