رشدي اباظة واين عقلي
يقول المخرج الكبير الراحل عاطف سالم:- عندما بأدت في الاعداد لفيلم ( اين عقلي ) اخترت سعاد حسني للبطولة النسائية وأخذت افكر في بطل الفيلم, ووجدت سعاد تقترح ان نستعين "برشدي أباظة" ولكن أجر "رشدي" في الفيلم كان يمثل عقبة حقيقية لأن المنتج "عباس حلمي" لم يكن يستطيع ان يتحمل أجر هذا النجم الكبير .
رغم ان الاجور في ذلك الوقت لم تكن تتجاوز بضعة ألوف من الجنيهات قد لا تصل الى عشرة ألاف مثلا, ولكن مشكلة الاجر كانت هي حجر العثرة الذي يقف أمام رغبتنا في قيام "رشدي اباظة" ببطولة الفيلم .
وقالت لي "سعاد حسني" ان صداقة قوية تربطها برشدي وأنها سوف تحاول افناعه بتخفيض أجره, والمطلوب مني فقط ان اتصل به وأحدد ميعادا معه في منزله .
وأتصلت برشدي وأخبرته بأنني سوف امر عليه انا وسعاد حسني, فرحب على الفور والغى مواعيده وجلس ينتظرنا في منزله .
وعندما وصلنا اليه اخذنا نتحدث في كل امور الحياة والفن, ولم نعرف كيف نبدأ الموضوع ! وبعد لحظات رن جرس التليفون, وكانت زوجته "سامية جمال" وفوجئت به يقول لها :-
- تعرفي سامية مين هنا ؟ ..
حبييتك سعاد حسني .. خدي كلميها !!
واخذت سعاد حسني تتحدث طويلا مع "سامية جمال" واخذت انا اشعر بسعادة واطمئنان, واقول لنفسي انه ما دامت سعاد حسني صديقة قريبة جدا هكذا لرشدي اباظة وزوجته فلن يرفض ان يخفض من اجره اكراما لها .
ولكن الذي حدث بعد ذلك خيب امالنا للغاية ! فبعد مكالمة سعاد مع سامية جمال, بدات تحداثه في الامر, وفوجئنا به يقول لنا بهدوء :-
- يا جماعة انتوا بتطلبوا مني اني اخد الف جنيه من جيبي .. وارميهم في الارض .. ودا طبعا شيئ غير معقول .. ألا يعني لو كنت مجنون !!
وصمت قليلا ثم اضاف :-
- وبعدين يعني موضوع الاجر ده من اختصاص المنتج بس .. والمنتج لو كان عايزني يبقى يتحمل اجري .. واذا ما كانشي .. يبقى خلاص ..
مفيش مشاكل .. فيلم وراح !!
ولم يقبل "رشدي" اي مناقشة اخرى في الموضوع, ونزلنا من منزله انا وسعاد .. نجر اذيال الخيبة والحسرة !!
سعاد حسني تتنازل
وعندما كنت اقوم بتوصيل سعاد بسيارتي الى منزلها في طريقي الى منزلي وجدتها فجأة تقترح علي اقتراحا لم ابح به لأحد من قبل, فقد اقترحت ان تتنازل هي عن الف جنيه من اجرها, ويأخذها رشدي اباظة كي يوافق على بطولة الفيلم !!
وفوجئت بشدة بألاقتراح الغريب, وحاولت ان اعترض ولكنها اصرت, وطلبت من ان لا يعرف رشدي بهذا الامر ابدا حتى لا يرفض بطولة الفيلم وذهبنا الى المنتج "عباس حلمي" لنعرض عليه الاقتراح فوافق على الفور وطلب من "سعاد" ان توقع له ورقة تسجل هذا الاتفاق, فوقعت سعاد حسني بطيب خاطر, وتحملت تضحيتها من اجل الفن الجميل !!
واستطعنا بهذه الطريقة ان نجهز للفيلم, واتصلنا برشدي اباظة واخبرناه بموافقة المنتج على شروطه, فرحب ببطولة الفيلم وهو لا يعلم بتضحية سعاد بجزء من اجرها من اجل موافقته !!
وظهر فيلم "اين عقلي" للنور من بطولة سعاد حسني ورشدي اباظة, وحقق نجاحا جيدا جدا, ولم يعرف "رشدي اباظة" بالأمر حتى وفاته, يرحمه الله .
هو ذاك عصر الفن الجميل, وهذه هي السندريلا الرقيقة سعاد حسني, من يا ترى في هذا الزمن من الفنانين يقوم بما قامت به ويضحي بجزء من اجره من اجل تقديم فن جميل للناس ؟؟
كل هذا يبين مدى انسانيتها وتضحيتها في سبيل فنها وفي سبيل كل شيئ احبته في حياتها, ولم تكن تهتم ابدا بالمال ولم يكن في حساباتها قيمه.
فقد كانت سعاد حسني تراعي وتهتم بأخوتها وتساعده ماديا, ضحت كثيرا وعانت كثيرا ضحت من اجل الذي يستحق ومن اجل الذي لا يستحق .
وماتت وهي لا تملك شيئ من المال, الله يرحمها ويحسن لها ويغفر لها, فقد كانت وفاتها بشعة ومؤلمة وشديدة, فربما تكون رحمة من الله لها .
ويكفي انها كانت مثلي تعشق العندليب بجنون .