مجلة الجزيرة
الثلاثاء 19/ابريل/2005
العدد 123
القاهرة: اعداد خالد فؤاد :
يهوى البعض (جرجرة) النجوم والمشاهير الى قاعات المحاكم ليقفوا موقف (المتهم) احيانا في ساحات القضاء, وربما يكون المدعي صاحب حق ولكن غالبا ما يكون الدافع الأول وراء هذه الدعاوى القضائية هو الشهرة, على اعتبار ان من يقاضي المشاهير يشتهر, ومن يجاور السعيد يسعد!
وهذا الباب نافذة نطل من خلالها على دعاوى النجوم القضائية, مدعين او مدعى عليهم, جناة او ضحايا لنطالع حكايات ومواقف وطرائف المشاهير وهم وقوف في حضرة العدالة التي لا تحابي أحد لأنها ببساطة معصوبة العينين !
يبدو ان العندليب الاسمر الراحل عبد الحليم حافظ سوف يسجل الرقم القياسي حيا وميتا في عدد الدعاوى التي اقيمت ضده في حياته وبعد وفاته, فبعد مرور الذكرى ال28 على رحيله ومن المفارقات الغريبة ان احدى محاكم القاهرة قامت قبل يوم واحد من ذكرى العندليب بنظر الدعوى القضائية رقم 22 منذ رحيل المطرب الكبير بمعرفة المطرب الشاب محمد شبانة (ابن اخ العندليب) ضد منتج الكاسيت الشهير محسن جابر صاحب ومدير شركة(عالم الفن) وقناة (مزيكا) الغنائية وورثة الراحل مجدي العمروسي ويطالب فيها شبانة بألغاء التعاقد الذي سبق وابرمه العمروسي قبل رحيله مع محسن جابر(عالم الفن) وانتقل بموجب هذا التعاقد تراث عبد الحليم لشركة (عالم الفن) .
ويؤكد شبانة في دعواه بالنيابة عن نفسه وعن بقية الورثة بطلان هذا التعاقد لكون العمروسي كما يقولون قام بتوقيعه دون وجه حق وبدون العودة اليهم رغم انهم الورثة الفعليون للمطرب الراحل .
وهناك 17 دعوى قضائية مرفوعة دفعة واحدة بخصوص تراث عبد الحليم ومعضمها بين الورثة ومجدي العمروسي, واربع دعاوي بين الورثة ايضا وبعض القنوات والمحطات الفضائية بخصوص افلام العندليب السنمائية التي قامت هذه القنوات ببثها كما يقولون (دون وجه حق) وبعض هذه الافلام تضامن فيها ورثة منتجي هذه الافلام, والدعوى الاخيرة لم يكن للورثة اي علاقة بها بل اقامها المحامي نبيه الوحش الشهير بلقب (بعبع اهل الفن) بسبب كثرة الدعاوى التي اقامها ضد نجوم ونجمات كبار مثل عادل امام فيفي عبدو وعمرو دياب وايناس الدغيدي واخرين (بسبب طبيعة افلامهم وتصريحاته الجريئة) والتي تتنافى مع المجتمع والقيم الاسلامية على حد وصفه, ولكننا فوجئنا به يقوم بدعوة قضائية مطلع عام 2005 ضد الفنان الراحل احمد زكي والمؤلف محفوظ عبد الرحمن والمخرج شريف عرفة والمنتج عماد الدين اديب وطالب بوقف تصوير فيلم (حليم) الذي يتناول مسيرة عبد الحليم لكونه من وجه نظره نموذج لا يجب ان يحتذى به, ولكن تم رفض الدعوى من الجلسة الاولى .
ضيعت مستقبل ابنتي !
والغريب حقا ان العندليب لم يشهد خلال حياته مثل هذا العدد في الدعاوى القضائية, فخلال العشرة اعوام الاولى من مشواره الفني وهي الفترة التي ذاق فيها الامرين حتى تحققت شهرته وعرف النجومية, فأستقر اخيرا بعمارة الزهراء الشهيرة بالزمالك, ولم يكن عبد الحليم حتى انتقاله للسكن بهذه العمارة قد عرف طريق المحاكم او القضاء سواء مدعيا او مدعى عليه حتى فوجئ بعد مرور ستة شهور فقط على انتقاله للأقامة بعمارة (الزهراء) بأول دعوى قضائية تقام ضده من احد جيرانه بالعمارة المجاورة ويدعى (مصطفى توفيق البرديسي) اتهمه بأغرب اتهام في تأريخ القضاء المصري وهو الاطاحة بمستقبل ابنته الكبرى (ايمان) التي كانت تدرس بالمرحلة التوجيهية (الثانوية حاليا),
حيث قال في دعواه ان عبد الحليم تسبب في رسوبها دراسيا لأول مرة بعد ان كانت متفوقة في كل مراحلها الدراسية وذلك كما قال بعد ان خدعها ودفعها لأهمال دراستها حيث تفرغت كما قال لسماع اغانيه بالاذاعة ومشاهدة افلامه مرات عديدة بالسينما والوقوف من اجله في الشرفة بالساعات الطويلة دون ان تفلح معها اي محاولات لأعادتها الى الصواب, وقدم الاب للمحكمة خطابا من عبد الحليم لأبنته, وتم رفض الدعوى الغريبة بل لقنت المحكمة الاب درسا قاسيا في اصول وقواعد التربية بعد ان تأكدت بعدم وجود اي علاقة لعبد الحليم بالأبنة المراهقة, ولم يكن الخطاب سوى كتبته الفتاة بنفسها ووقعت عليها باسم عبد الحليم لتوهم نفسها وتؤكد لصديقاتها ان عبد الحليم يحبها وتبين ان الصور التي كانت تحتفظ بها ليست سوى صور عادية مما كان العندليب يوزعها على معجباته .
واعقب هذه الدعوى الغريبة مجموعة من الدعاوى القضائية الاخرى فلم تكن اغنياته الشهيرة امثال (ياسيدي امرك امرك ياسيدي تقدر تحط الحديد في ايدي ) سوى تعبير حقيقى عما حدث له, فعندما قام بشراء اول سيارة(كاديلاك) من جيبه الخاص عام 1957 , وكان يقود سيارته بنفسه وسرح بخاطره لينتبه فجأة على صوت ارتطام شديد فهبط من السيارة ليجد شخصين منطرحين على الارض بعد ان صدمهما بسيارته اثناء عبورهما الشارع فقام بمساعدة المارة ونقلهما بسيارته الى اقرب مستشفى وتولى دفع نفقات علاجهما ولم يتركهما ألا بعد ان تأكد تماما من زوال الخطر وتوجها له بالشكر العميق على ما فعله معهما .
ثم فوجئ بعد مرور اسابيع قلائل بانه مطلوب امام المحكمة, فقد قاما عقب خروجهما من المستشفى برفع دعوى قضائية ضده وطالبا بتعويض قدره الف جنيه لكل منهما وهو تعويض ضخم حينئذ عن الاضرار التي لحقت بهما .
وتداولت الدعوى التي اقامها هذان الشخصان ضد عبد الحليم بضع جلسات وفي النهاية تم رفضها وبراءة عبد الحليم بعد ان تأكد للمحكمة سوء نيتهما وتأخرهما في اقامة الدوى بعد ان انفق حليم على علاجهما كاملا بشهادة الاطباء والممرضات .
وفي العام التالي 1958 فوجئ حليم بصديق الامس الشاعر سمير محجوب يلجأ للقضاء ضده مطالبا بحقه من المكاسب والارباح التي حققها عبد الحليم عن اغنية (صافيني مرة) التي كتبها سمير محجوب ولحنها محمد الموجي وكانت السبب الاول في الشهرة الطاغية لعبد الحليم وتهافت المنتجين عليه, ولم يكن سمير محجوب قد تقاضى عليها سوى ثلاث جنيهات فقط من الاذاعة بينما عبد الحليم قال حقق مئات والاف الجنيهات بسببها ولم يكن حق الاداء العلني الذي يحفظ حق المؤلف قد صدر بعد .
وتسببت هذه القضية في صدور قانون حق الاداء العلني للمؤلفين والملحنين في مصر وقتها .
وفي كل هذه القضايا وغيرها لم يكن عبد الحليم لجا للقضاء مدعيا ضد اي شخص او جهة حتى وجد نفسه مضطرا لهذا لأول مرة عام 1959 حينما قام أول دعوى قضائية في حياته ضد مالك العقار الذي يقيم فيه بالعجوزة بسبب تعطل مصعد العمارة ورفض المالك اصلاحه فكان حليم مثله مثل بقية السكان يضطر للصعود لشقته مستخدما السلم فشعر كما قال في صحيفة دعواه بلأرهاق شديد وطالب بتعين حراسة على مصاعد العمارة للأشراف عليها وادارتها وانتهت القضية بالتصالح بين حليم والمالك .
وفي مطلع الستينات سافر حليم لأحياء مجموعة من رحلات غنائية في الخارج وعاد من رحلته دون ان يستبدل عملاته الاجنبية بنقود مصرية تنفيذا للقانون الذي صدر في هذا الوقت ويلزم كل مصري يعمل بالخارج بأستبدال نقوده التي حصل عليها واكتسبها خلال عمله بالخارج بنقود مصرية عند عودته الى ارض مصر .
زعند عودة حليم من الرحلة وفي مطار القاهرة فوجئ بضباط الداخلية يلقون القبض عليه وتحويله للنيابة, واكتشف ان وزارة المالية قامت بأبلاغ النيابة عنه فتم القبض عليه واحضاره بالقوة, واكد حليم انه انفق ما حصل عليه من اجور في شراء الملابس والهدايا بالاضافة الى التكاليف المرتفعة للمعيشة هناك فأفرجت النيابة عنه بكفالة مائتي جنيه وبعد تداول الدعوى عدة جلسات تم حفظ الدعوى بعد تصالحه مع الوزارة,
ولكن هناك جملة قالها العندليب في احدى احاديثه لأذاعة ( الشرق الاوسط) فجرجرته الى المحاكم, وذلك حينما تم استضافته في برنامج كان يقوم بأعداده الصحفي مفيد فوزي وتقدمه الاعلامية سناء منصور, واثناء التسجيل توجهت لعبد الحليم بسؤال خبيث جدا هو : من هو اثقل الممثلين ظلا في رأيك ؟ فأجاب على الفور وبدون تفكير قائلا : هو الممثل صلاح نظمي !
فقام الراحل صلاح نظمي بدعوى قضائية ضده وطالبه بتعويض ضخم الى جانب اعتذار رسمي بنفس الاذاعة والبرنامج ومن عبد الحليم نفسه وتأجلت الدعوة عدة مرات بسبب سفر حليم المتكرر للخارج سواء للعمل او العلاج وفي 14 يناير 1968 اضطر بناءا على امر المحكمة بالتوجه بنفسه الى المكمة التي كانت تشهد الدعوى واحتشدت القاعة بمئات السيدات والفتيات ذهبن لرؤية العندليب ومؤازرته والهتاف من اجله, وبعد صدور حكم المحكمة ببراءته انطلقت الزغاريد والهتافات وتدخلت الشرطة لتفريق الجمع الهائل من النساء ووصل الامر لاستخدام الغاز المسيل للدموع ولم تهدأ الاحوال الى ان خرج عبد الحليم من المحكمة في حراسة مشددة من رجال الشرطة .
زمارة هاني شاكر
وفي عام 1973 انطلق المطرب الشاب انذاك هاني شاكر وراح البعض يعقد مقارنة غير منطقية بينه وبين المطرب الكبير عبد الحليم حافظ ونجح هاني بالفعل على الاستحواذ على جمهور الشباب في ذلك الوقت وفوجئ الجميع بالكاتب الكبير الراحل نبيل عصمت يكتب قائلا : ان عبد الحليم سوف سيذهب الساعة الرابعة لمعهد الموسيقى العربية ليستخرج (الزمارة) التي في رقبة هاني شاكر وتساعده في تقليده, واعتقد الناس ان الموضوع حقيقي فتوجهوا بالمئات لمعهد الموسيقى لرؤية عبد الحليم وهو يستخرج (الزمارة) من رقبة هاني ! وبالطبع اكتشفوا ان الموضوع ليس سوى من نسيج خيال نبيل عصمت, اغضب هذا الامر عبد الحليم حافظ فقام بأرسال أنذار على يد محضر لنبيل عصمت وتدخل الكاتب الكبير مصطفى امين بنفسه لاحتواء الازمة وأنهائها رغم اصرار عصمت على عدم الاعتذار لعبد الحليم وفوجئ الجميع مصسطفى امين بنفسه يوضح الموضوع في عموده (فكرة) واسترضى بهذا عبد الحليم, ألا ان العلاقة بين حليم ونبيل عصمت ظلت متوترة حتى ودع العندليب عالمنا .
وقبل رحيله عن عالمنا بستة شهور فقط وتحديدا في شهر اكتوبر من عام 1976 وقف عبد الحليم حافظ يدافع عن نفسه في اغرب تهمة وجهت له بسبب اخر حفل جماهيري قام بأحياءه وقدم فيه اخر اغنياته (قارئة الفنجان) فقد التقى في الحفل بمجموعة من زملائه الفنانين على خشبة المسرح وراح يتبادل معهم القبلات وكان في مقدمتهم وردة الجزائرية وبليغ حمدي واحمد فؤاد حسن, فقام احد المحامين برفع دعوى ضدهم وخص في دعواه عبد الحليم و وردة بسبب هذه القبلات وتوجه في دعواه للموسيقار بليغ حمدي بعبارات قاسية لكونه كان متزوجا من وردة في ذلك الوقت اذن كما يقول في صحيفة دعواه يسمح لرجل غريب عنها هو عبد الحليم بتقبيلها, وتداولت الدعوى عدة جلسات حتى تم شطبها لأقامتها من غير ذي صفة !
وما كان عبد الحليم ينتهي من هذه الدعوى حتى وجد دعوى أخرى بسبب الاغنية نفسها أقامها احد الاشخاص ضده هو والشاعر الكبير نزار قباني والملحن محمد الموجي, اتهمهم فيها بالترويج للخرافة بسبب ما جاء في هذه الاغنية وطال بوقف اذاعتها او تداولها بكافة المحطات والقنوات التلفزيونية والاذاعية وتم منع الاغنية بالفعل ولكن ليس لهذا السبب, بل بسبب الخلاف السياسي بين الشاعر نزار قباني والرئيس السادات, وظل عبد الحليم محورا للعديد من الدعاوى القضائية في حياته وبعد مماته !!