هي عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه وكنيتها (أم عبد الله)
قد سمي أبوها الصديق بعد أسلامه لتصديقه خبر المسري , كان يدعى قبل البعثة (عبد الكعبة) وكان يعرف (بأبن أبي قحافة)
أمها تدعى (أم رومان) وهي بنت عميرين عامر بن دهمان بن الحارث بن مالك بن كنانة .
وللسيدة عائشة ثلاثة اخوة هم (عبد الله , عبد الرحمن و محمد), اما الأختان فهما (أسماء , أم كلثوم) .
ولم يكن للسيدة عائشة منهم شقيق الابوين سوى عبد الرحمن .
صفاتها الجسدية
كانت السيدة عائشة نحيلة الجسم في شبابها ولكن بمرور السنوات امتلات لحما وبدنت , وهذا ما تقره بنفسها (سابقني النبي (ص) فسبقته ما شاء حتى اذا ارهقني اللحم سابقني فسبقني فقال : هذه بتلك
وكانت طويلة القامة .. بيضاء البشرة وكان الرسول (ص) يناديها (ياحميراء أي يا بيضاء) .
وكانت لها كثير من الصفات الاخرى التي أضافت لجمالها جمالا له معناه ورونقه ومنها شدة ذكائها وحدته , وروعة بيانها فقد قيل عنها أنها (فصيحة الكلام صحيحة المنطق) .
زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم
خطبها النبي (ص) وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين .. وكان النبي (ص) عمره حينذاك شيئ وخمسون عاما فلم يقيم النبي (ص) مع السيدة عائشة ألا تسع سنين على الأرجح .
وفي الحديث الصحيح (ان النبي (ص) حينما أراد أن يتزوج السيدة عائشة تنزل جبريل عليه السلام على النبي (ص) ثلاث ليال متواليات فدعا جبريل الى النبي (ص) خرقة فلما فتحها النبي وجد بها صورة عائشة رضي الله عنها فتزوجها النبي (ص) .. دخل النبي (ص) على عائشة ذات يوم وكانت لها عرائس وفي هذه الليلة كان هناك شيئ من الريح فأخذت السيدة عائشة بهذه العرائس وكأنها تنيمهم فقال لها النبي (ص) : ما هؤلاء يا عائشة ؟
فقالت :هؤلاء بناتي , فلم يقل لها النبي (ص) ما تظنين أنك فاعلة , هل علمتي بأنك زوجة نبي , ما قال النبي (ص) شيئ من هذا ثم نظر النبي (ص) الى أحدى هذه العرائس , فقال : ما هذا ؟
فقالت : فرس
فقال النبي (ص) : يا عائشة اتعلمين أن سليمان كان له فرس ايضا يذهب به حيث شاء .
جاءت الحبشة ذات يوم يقومون ببعض المعازف والرقص , فنظرت السيدة عائشة من النافذة , بل حملها النبي (ص) حتى انتهى الحفل ..
جاءت السيدة فاطمة الى النبي (ص) تشكو له من عائشة ,
فقال لها النبي (ص) : يا فاطمة أتحب اباك ؟
قالت : نعم يا أبي
قال النبي (ص) : أتحبي ما يحب أباك ؟
قالت : نعم يا أبي
قال النبي (ص) : وتبغضين ما يبغض أباك ؟
قالت : نعم يا أبي
فقال لها النبي (ص) : يا فاطمة اني أحبها فأحبيها
ثم تقول السيدة فاطمة : والله ما قلت في شأنها قط بعد هذا الشأن .
قام النبي (ص) ذات ليلة في منتصف الليل يزور اهل الموتى في البقيع , فقامت السيدة عائشة مفزعة من النوم وتابعت الرسول (ص) فلما رأته على هذا الحال أقبلت مسرعة الى المنزل وعادت الى الفراش , فلما عاد النبي (ص) ودخل الحجرة سمع شهقات القلب من الأسراع في الخطى ,
فقال : يا عائشة أجاءك شيطانك ؟
ما ظننت بي قالت السيدة عائشة ومثلي كيف لا يغار على مثلك يا رسول الله .
فقال النبي (ص) : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء ألا أربع , اسيا أمراة فرعون , خديجة بنت خويلد , مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .
لما حضرت وفاة النبي (ص) قرأت الاخلاص والمعوذتين في يديها ومسحت بهما وجه النبي (ص) كما كان يفعل , بل أن أخر ريق مس النبي (ص) كان ريق عائشة , وتوفي النبي (ص) عندها .
وهي التي برأها المولى عز وجل من فوق سبع سموات وأنزل فيها قرانا يتلى الى يوم القيامة , وهي التي أحبها النبي (ص) وأعلن حبها في السر والعلن .
أخلاقها:
أتصفت رضي الله عنها بأخلاقها الحسنة , حتى لا تكاد تفوتها خلة أو صفة ممدوحة , ومن بعض تلك الصفات الحميدة , والاخلاق الكريمة :
الحياء : اشتهرت رضي الله
عنها بحياءها وورعها , قالت : كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي , فأضع ثوبي فأقول انما هو زوجي وأبي فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلت الأ وأنا مشدودة على ثيابي حياء من عمر ..
ويالها من صفة حميدة تزين بها المراة , ويالها من منقبة كريمة , فهي من فرط حياءها تحتجب من الاموات .. بل وكانت تحتجب من الحسن والحسين , في حين أن دخولهما على أزواج النبي (ص) حل لهما .
الكرم : كانت رضي الله عنها
كريمة , فيروى أن (أم ذرة) كانت تزورها , فقالت : بعث الى السيدة عائشة بمال من وعاءين كبيرين من الخيش , ثمانين أو مائة ألف , فدعت بطبق وهي صائمة , فجلست تقسم بين الناس , فأمست وما عندها من ذلك المال درهم , فلما أمست , قالت : يا جارية هلمي أفطاري , فجاءتها بخبز وزيت ,
فقالت لها أم ذرة : أما استطعتي مما قسمتي اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم فنفطر به ؟
فقالت : لا تعنفيني , لو كنت ذكرتيني لفعلت ,
والشواهد على جودها وكرمها كثيرة .
الصبر : ولها رضي الله عنها
في الصبر باع طويل , ذلك أنها شاركت النبي (ص) في حياته التي يملؤها الجد والاجتهاد , والزهد والتقشف ,
تقول رضي الله عنها لعروة أبن اختها : أنا كنا لننظر الى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة , في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ,
فقال عروة : يا خالة , ما كان عيشكم ؟
قالت : الأسودان , التمر والماء , الا انه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الانصار كانت لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من البانهم فيسقينا .
الزهد : روي البخاري
عبد الواحد بن أيمن عن ابيه قال : دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قطر ثمن خمسة دراهم ,
فقالت : ارفع بصرك الى جاريتي , وأنظر أليها فانها تزهى أن تلبسه في البيت , وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فما كانت أمراة تقيم بالمدينة ألا ارسلت ألي تستعيره , وفي الحديث دليل على تواضع عائشة رضي الله عنها , فهي تلبس ما يأبى الخدم أن يلبسوه , وامرها في التواضع مشهور , وفيها حلم عائشة عن خدمها ورفقها في المعاتبة , وأيثارها بما عندها مع الحاجة اليه .
الايثار :
لما طعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه , وألت حالته الى ما ألت أليه ,
قال لأبنه عبد الله : أنطلق الى عائشة أم المؤمنين , فقل , يقرأ عليك عمر السلام , ولما ثقل أمير المؤمنين , فأني لست اليوم أميرا , وقل : يستأذنك عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه ,
فسلم , أي عبد الله وأستاذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ,
فقال : يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام , ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه .
فقالت : كنت أريده لنفسي , ولأوثرن به اليوم على نفسي ,
فلما اقبل , أي ابنه , قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء ,
قال : ارفعوني , فأسنده رجل أليه , فقال : ما لديك ؟
قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين , أذنت ,
قال : الحمد لله , ما كان من شيئ أهم الي من ذلك , فأذا انا قضيت فاحملوني , ثم سلم ثم سلم فقل : يستأذن عمر بن الخطاب فأن اذنت لي فأدخلوني , وأن ردتني ردوني الى مقابر المسلمين .
فياله من ايثار أن تخص أمير المؤمنين بما سأل من الدفن عند النبي (ص) وتترك نفسها , وهو فضيلة سامية اتصفت بها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , وفيه دليل على كمال ايمانها وحسن طويتها ورفعة اخلاقها , وطهارة قلبها , وكريم شيمها , ولها رضي الله عنها في هذا الميدان مشاهد كثيرة , وانما ذكرت هذا الحدث لانه أعلاها وهي رضي الله عنها الصوامة , القوامة ,
فعن عروة قال عنها : كانت تصوم الدهر في السفر والحضر ,
وعنه قال : كنت غدوت أبدأ ببيت عائشة اسلم عليها , فغدوت يوما فأذا هي قائمة تسبح وتقرأ (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) , وتدعو وتبكي وترددها ,
فقمت حتى مللت القيام , فذهبت الى السوق لحاجني , ثم رجعت فاذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي .
ودخل عليها عبد الرحمن بن أبي بكر يوم عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها ,
فقال لها عبد الرحمن : افطري ,
فقالت : أفطر ؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أن صوم يوم عرفة يكفر العام الذي قبله) .
وهذا قليل من كثير , أردت بذكره الاشارة الى عظيم اخلاقها وحسن طويتها رضي الله عنها , وألا فلها في كل أبواب الخير يد طولى , رضي الله عنها وأرضاها .
نسأل المولى أن يفقهنا في الدين ويارب من أراد الاسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير ومن أرادهما بسوء فأجعل كيده في نحره وتدبيره في تدميره .