[b]منتخب زامبيا الكروي ضرب مثالاً نادرا للرجولة والوفاء ، فقد حقق اللاعبون في ساعة متأخرة من مساء امس الثاني عشر من فبراير بمدينة ليبرفيل بالجابون إنجازا تاريخيا عندما تغلبوا على أفيال كوت ديفوار وانتزعوا لقب أبطال افريقيا للمرة الاولي في تاريخهم .. وحققوا بذلك ما تعهدوا به عصر الخميس الماضي الموافق التاسع من فبراير لزملائهم الراحلين عندما زاروا المكان الذي تحطمت فيه الطائرة العسكرية التي كانت تقل المنتخب الزامبي عام 1993 في الكارثة الشهيرة ، التي لقي خلالها 19 لاعبا من منتخب زامبيا مصرعهم عندما سقطت تلك الطائرة العتيقة بسبب سوء حالتها وسوء قيادتها من أحد الطيارين لتسقط قرب مطار ليبرفيل بالجابون ويموت 30 شخصا هم كل ركاب الطائرة ومن بينهم جميع لاعبي المنتخب الزامبي ما عدا لاعب واحد لم يكن على متن الطائرة ، لتمر 19 سنة على هذه القصة ، قبل أن يعود لاعبو زامبيا لزيارة رفات المنتخب الراحل .. ويستعيدون ذكريات هؤلاء الضحايا وينثرون الورود ويتعهدون بإحراز اللقب وإهداءه لأرواح زملائهم الراحلين الذي كانوا يتوقون لتحقيق نفس الحلم والذين فقدوا حياتهم في رحلة هذه الطائرة المشئومة وهم في الطريق للعب مباراة في تصفيات كأس العالم امام السنغال .
** في زيارتهم عصر الخميس لمكان الكارثة التي وقعت يوم 27 إبريل عام 1993، كان معهم كالوشا بواليا النجم والمدرب السابق للمنتخب الزامبي ورئيس الاتحاد الحالي ، والناجي الوحيد من هذه الكارثة المأساوية ، لإنه لم يركب تلك الطائرة وكان مقررا أن يستقل طائرة من هولندا حيث كان محترفا بصفوف ايندهوفن ، ليلحق بزملاءه في السنغال ، ولكن الاقدار جعلته ينجو من الموت ، ليقود بعد ذلك بإرادة فولاذية في عنفوان المأساة الدرامية، عملية بناء منتخب جديد للكرة الزامبية ، حقق بعد ذلك بعام واحد إنجاز التأهل إلى المباراة النهائية في كأس الامم الافريقية عام 1994 بتونس ، عندما خسروا اللقب امام نيجيريا ، واستمر كالوشا يكافح بعد ذلك مدربا للمنتخب ثم مسئولا وأخيرا رئيس للاتحاد ...
** وخلال لحظات الزيارة الحزينة لرفات الضحايا تحدث كالوشا بواليا للاعبي المنتخب الزامبي قائلا لهم: "نحن هنا ليس من قبيل الصدفة. في عام 1993 جاء المنتخب الزامبي إلى ليبرفيل ليفي بوعده لكنهم لم ينجحوا وضحوا بحياتهم في سبيل قضية نبيلة وتحقيق حلم المجد لبلدهم زامبيا. إنها القضية ذاتها التي قادتنا اليوم إلى هنا. الفرق الوحيد هو أننا لا زلنا على قيد الحياة بينما توفي زملاؤنا السابقون. لكن أحلامهم لا زالت أحلامنا" في إشارة إلى الحلم بالتتويج باللقب القاري للمرة الأولى في التاريخ.. وذرف اللاعبون الدموع وتعاهدوا وأقسموا على بذل قصاري الجهد ، لانتزاع اللقب القاري وإهداءه لارواح زملائهم الراحلين .. وقد كانوا عند وعدهم ، فكافحوا وتألقوا وأحرجوا مشاهير كوت ديفوار وهزموا التوقعات وأراء الخبراء .
** استحق أبطال منتخب الرصاصات النحاسية او التماسيح او "تشيبولوبوس"، أن يكونوا هم أبطال القارة الافريقية للمرة الاولى في تاريخهم ، عندما تغلبوا بركلات الترجيح على المنتخب الايفواري العريق المدجج بأكبر وأشهر المحترفين في أشهر الاندية الاوروبية .
لم يكن المنتخب الايفواري يستحق الفوز رغم شهرة لاعبيه المليونيرات الذين يتقاضى كل منهم عشرات الآلآف من الدولارات أسبوعيا في الدوريات الاوروبية الشهيرة ، ولكنهم يفشلون دائما في البطولات الافريقية حتى إذا وصلوا إلى حافة النهاية!
أما المنتخب الزامبي المكافح، فقد نسي أسماء منافسيه وشهرتهم ، وكان الافضل معظم أوقات المباراة واستحق أن يصل إلى هذه المكانة ويقنع الجميع بأنه صار كبيرا من عمالقة القارة المعروفين سواء الحاضرين منهم في البطولة أو الغائبين!
** لاعبو زامبيا الذين نفذوا بدقة تعليمات وتكتيكات مدربهم الفرنسي المجتهد هيرفي رينار، لم يبخلوا بالجهد طوال المباراة ولم يتراجعوا أبدا للدفاع ، بل كانوا في اوقات كثيرة هم المبادرون بالهجوم ، ولما احتسبت ضدهم ضربة جزاء في الدقائق الحرجة لصالح المهاجم جرفينيو الذي أعيق على حدود منطقة الجزاء ، لم يعترضوا او يفقدوا أعصابهم ، بل وقف حارسهم المتألق كينيدي ثابتاً امام النجم الشهير دروجبا الذي أطاح بالكرة فوق العارضة ، وكأنها الاقدار التي سخرها الله لهم ، ليكافيء اجتهادهم وكفاحهم في المباراة في مواجهة منافس هو الاكفأ بالتأكيد ، لكنها الكرة التي تثبت أنها مستديرة دائما وأنها تنحاز للاكثر بذلا للجهد وإخلاصا في الملعب ومن يحالفه التوفيق الذي يبقى أحد أسرار اللعبة .
***** نقلاً عن موقع كووورة