كتب طارق الشناوي - هل كان الموسيقار الكبير "محمد عبد الوهاب" يؤمن فقط بأن النجاح يساوي "عبد الوهاب" وما دون ذلك باطل؟!
في حوار أجراه "د.مرسي سعد الدين" مع الزميلة "محاسن السنوسي" على صفحات جريدة "المصري اليوم" قال لها أن "عبد الوهاب" كان في البداية شديد الحماس لموهبة "بليغ" ولكن بعد ذلك قال أن "بليغ" "رخص الغناء" يقصد أنه جعله رخيصاً وبلا ثمن ولا قيمة جمالية.
الحقيقية أن الموسيقار "محمد عبد الوهاب" كانت لديه آراء عديدة تتناول تحديداً "بليغ حمدي" فهو مثلاً كان يرى أن "بليغ حمدي" هو أكثر موسيقار يأتي إليه الإلهام الموسيقي ولكنه – أي بليغ – لا يجتهد كثيراً في التعايش مع الجملة الموسيقية التي تمنحها له السماء.
وكان عليه كما يرى "عبد الوهاب" أن يتعايش مع هذه الجملة الموسيقية يعيد التفكير فيها أكثر من مرة ثم يقدمها بعد ذلك للجمهور بعد أن تختمر إبداعياً في أعماقه.
لا شك أن "عبد الوهاب" كان يهتم دائماً بمتابعة الأجيال التالية له فهو يعلم أنه لكي يستمر على القمة فإن عليه أن يهضم مفردات الجيل الجديد.
ومن هنا مثلاً من الممكن أن تجد تفسيراً لكلمة قالها الموسيقار الكبير "كمال الطويل" في تحليله لموسيقى "محمد عبد الوهاب" قال "عبد الوهاب" مثل النشافة يأخذ من كل ما يقدمه العصر وكل ملحنين الزمن الذي عايشه تجد بأسلوب غير مباشر أن "عبد الوهاب" قد تأثر بهم.. لم يكن "عبد الوهاب" هو ابن الزمن الذي سبقه لكنه ابن الزمن الذي يعيشه يتابع تلاميذه بنفس القدر من الاهتمام الذي كان يتابع به أيضاً أساتذته وزملائه!!
كان "عبد الوهاب" يرى أن الغزارة الموسيقية لبليغ حمدي سلاح ذو حدين وكان معروف أن "بليغ" هو أكثر ملحن عرفته مصر والعالم العربي لديه كل هذه الخصوبة في الإبداع والأرقام في جمعية المؤلفين والملحنين تؤكد ذلك.. فهو يحظى دائماً بالمرتبة الأولى في تحقيق أكبر أداء علني وعلى مدى تجاوز 15 عاماً فإن ترتيب "بليغ حمدي" يأتي في المقدمة.
ما الذي يعنيه هذا سوى أن موسيقى "بليغ" لا تزال تنبض بالحياة.. "عبد الوهاب" يأتي في المركز الثاني ويجب ملاحظة أن ما قدمه "بليغ حمدي" يتجاوز في العدد خمسة أضعاف – على أقل تقدير – ما قدمه "عبد الوهاب" رغم أن "عبد الوهاب" عاش مبدعاً أكثر من 70 عاماً بينما "بليغ" 40 عاماً!!
"عبد الوهاب" شكل بالنسبة لكل الأجيال التي جاءت بعده علاقة تحمل تقدير وفي نفس الوقت تحمل قدر من التوجس.. مثلاً كان "محمد الموجي" و "كمال الطويل" و "عبد الحليم حافظ" قد تعاهدوا بمجرد بداية نجاحهم ألا يجعلوا "عبد الوهاب" يفرق بينهم إلا أن "عبد الوهاب" منذ الخمسينيات استطاع أن يخترق هذا الحصار وأن ينفذ إليهم.
وكان "عبد الوهاب" من الذكاء بأن اقتنص "عبد الحليم" من بين "الموجي" و "الطويل".
صحيح أن "عبد الحليم" كان يحرص في البدايات على أن يغني من تلحين رفيقي الطريق ولكن "عبد الوهاب" بذكاء تمكن من أن يرتبط مع "عبد الحليم" بمشروع فني اقتصادي وهو شركة "صوت الفن".
لم تكن "صوت الفن" في البداية سوى شركة تضم "محمد عبد الوهاب" ومدير التصوير "وحيد فريد" والمخرج "هنري بركات" ولكن "عبد الوهاب" وافق على أن يدخل "عبد الحليم" كشريك ليضمن بأسلوب غير مباشر احتكار أفلام "عبد الحليم" لحساب الشركة لأنه صاحب مصلحة مادية.
كما أن "عبد الحليم" سوف يضمن أن كل ألحان "عبد الوهاب" والتي تحقق رواجاً جماهيرياً سوف تصبح جزء من أرباح الشركة وهو بالتالي صاحب مصلحة فيها.
هكذا كانت الخطة التي رسمها "عبد الوهاب" ووافق عليها "عبد الحليم" كل منهما بأسلوب غير مباشر يقتسم نجاحه مع الآخر!!
هل كان "عبد الوهاب" يشعر بقدر من الغيرة من الأجيال التي جاءت بعده؟!
أتصور ذلك إلا أنه كان دائماً قادراً على المحافظة على العصرية كانت الأجيال الجديدة بمثابة حافز يمنح أفكاره الفنية نبضاً جديداً فهو يريد أن يظل في المقدمة لا يسبقه الزمن إنها أسلحة مشروعة بالطبع.. نعم كانت تفلت من "عبد الوهاب" أحياناً بعض الكلمات التي تغضب عدد من الملحنين لكنه مثلاً أثنى على "محمود الشريف" و "حلمي بكر" كان يقول أنهما نموذج للملحن المبدع كما ينبغي أن يكون.
لا شك أن "الموجي" مثلاً كان يغضب أحياناً من "عبد الوهاب" لكنه في نهاية الأمر كان يراه هو أستاذه.
"الطويل" كان يصل أحياناً في علاقته بعبد الوهاب إلى حدود الخصومة الشخصية وهي بالفعل خصومة استمرت سنوات لكنه ظل على حبه وإيمانه بإبداع "عبد الوهاب" حتى بعد رحيله.
"بليغ حمدي" عندما تعرض لمحنة "سميرة مليان" المغربية الحسناء التي انتحرت وألقت بنفسها عارية من منزله في الدور الثالث بحي المهندسين واجه "بليغ" أقسى أنواع التهم وهي تسهيل الدعارة وحكم عليه بالسجن لمدة عام.. سافر وقتها "بليغ" إلى فرنسا وذلك قبل أن تسقط محكمة النقض الحكم ويحصل على براءة.
ولكن في تلك الأثناء نهاية الثمانينيات كان اسم "عبد الوهاب" كثيراً ما يتردد في الكواليس باعتبار أنه هو الذي لعب الدور الأكبر في إدانة "بليغ حمدي" لإبعاده عن منافسته ولم تكن لهذه الشائعات أي نصيب من الصحة إلا أن الناس والوسط الفني كان مهيئاً للتصديق!!
لو سألتني عن رأيي الشخصي أقول لك نعم "عبد الوهاب" كان يشعر بالغيرة من كل جديد موهوب يتابعه يتأمله يهضمه وكان "بليغ حمدي" على رأس من بتابعهم "عبد الوهاب".
لكن في نهاية الأمر كان قادراً على أن يطور من أداءه ليظل على القمة!!