الدراما والحوار في أغاني وردة
لم تقف الفنانة الكبيرة الراحلة وردة علي خشبة المسرح كثيرا.. ربما هو عمل وحيد الذي قامت ببطولته علي مسرح عمر الخيام بعنوان تمر حنة وشاركها البطولة النجم عزت العلايلي وفاروق نجيب ومشيرة إسماعيل ووداد حمدي.
وقام الموسيقار الفذ بليغ حمدي بوضع ألحان العرض, وكان من بينها أغنية شاركها فيها عزت العلايلي ويدعوها في المسرحية إلي الخروج من أزمتها والعودة إلي الغناء فيقول: غني يا تمر حنة ـ غني يا حتة منا ـ غني ونوريلنا ـ غني لليل والقمر والربيع والطفل الرضيع, وقامت وردة بالتمثيل في العديد من الأعمال السينمائية منها حكايتي مع الزمان.. آه يا ليل يا زمن.. ليه يا دنيا.. صوت الحب.. المظ وعبده الحامولي, كما قدمت أعمالا تليفزيونية لا تنسي منها بالتأكيد مسلسل أوراق الورد وآخر الأعمال مسلسل آن الأوان كل هذه الأدوار المتنوعة أكسبتها حسا دراميا عاليا, بالاضافة إلي تذوقها الخاص الذي جعلها تحرص عند اختيار كلمات أغانيها علي الجانب الدرامي في الأغنية, وربما تتميز أغاني وردة بكثرة الحوار الداخلي والحيرة وعلامات الاستفهام بشكل لافت للنظر, فهي تقول علي سبيل المثال في أغنية اسمعوني: اسمعوني باقولكوا ايه.. اسمعوني ما تيجو بينا ننسي اللي كان ـ ننسي سوا غدر الزمان ايه رأيكم؟ بتقولوا ايه؟! خسارة وألف خسارة. لكن اعمل ايه؟.. الشاعر هنا يفترض وجود حوار مع آخرين نستنتج بقيته من خلال غناء وردة. وهي ليست مصادفة أو رؤية لمؤلف الكلمات وحده, سنجد مثل هذه الحوارات متكررة في أغاني الفنانة وردة, فهي تقول في فيلم المظ وعبده الحامولي دوبت قلبي دمعة ولعت روحي شمعة وبكرة أنا هاعمل ايه؟ وأنور لك بإيه؟! اسأل دموع عينيا.. اسأل مخدتي.. كم دمعة رايحة جاية تشكي لك وحدتي؟! أسأل كما كانت صاحبة رؤية مجددة في الغناء للطفل بطريقة تحترم عقله ولا تستخف به مثل: أوراق الورد بتتكلم ـ أوراق الورد بتتألم ـ وبتصرخ وتقول للجاني.. إن كنت خاصمت البستاني ايه ذنب الورد؟! وسنجدها في حكايتي مع الزمان تبدأ الأغنية ببداية عجيبة وجديدة علي أذن المستمع حيث تقول الكلمات ـ ده كان ـ كان اسمه حبيبي ده كان. كان يوم من نصيبي هذا الاستهلال المبتكر الذي لا يكشف عن قصة الأغنية مقصود لإثارة انتباه المستمع فكريا وليس فقط إمتاعه بالطرب. والدخول إلي القصة من منتصفها تكرر كثيرا في أغاني وردة. فسنجدها في العيون السود تبدأ الغناء بقولها: وعملت ايه فينا السنين؟! عملت ايه؟! فرقتنا.. لا ـ غيرتنا ـ لا ـ ولا دوبت فينا الحنين ـ لا الزمان ولا المكان قدروا يخلوا حبنا ده يبقي كان من الواضح أن وردة كانت مفتونة بالدراما وتبحث عن أغاني قصصية إذا جاز هذا التعبير, وهي تملك نصيبا كبيرا من الجرأة والمجازفة يجعلها تجرب أشكالا جديدة وبدايات غير تقليدية, وربما ساعدها علي ذلك مقدرة زوجها السابق الفنان العبقري المعجون بالدراما بليغ حمدي والذي ساعدها بألحانه علي أن تكون أغانيها مميزة وباقية بروح الشباب في كل مرحلة ولكل جيل, ولعل ذكاءها الفني ورغبتها في التجديد والابتكار هو ما جعلها تقدم مع نصر أكتوبر3791 أغنية أنا علي الربابة باغني لتكون أول أغنية وطنية تسجل في الإذاعة بعد العبور مباشرة, ولم تكن أغنية ذات طابع حماسي أو أناشيدي كمعظم الأغنيات الوطنية في مثل هذه المناسبات, وإنما أدركت وردة بذكائها الفطري وبعشقها للحكايات أن ما يحدث علي أرض سيناء ملحمة شعبية تحتاج إلي شاعر ربابة يرويها كسيرة عنترة, وسيرة أبو زيد الهلالي, وسيرة ذات الهمة, وهكذا جعلت من نصر أكتوبر حكاية ترويها علي الربابة للأجيال.. وستظل وردة في ذاكرة الفن العربي حكاية أخري جميلة لا يصيبها القدم مهما مرت السنون.