«المصلحة» ينعش سوق السينما رغم موسم الانتخــــــــــابات والامتحانات
نقلاً عن مجلة آخر ساعة.....
28/05/2012
كتبت ماجـــدة خـــيراللــه
رغم ما نحن فيه من ارتباك وفوضي، وحالة من الترقب المريب فيما سوف تسفر عنه انتخابات الرئاسة، إلا أن السينما لاتزال تمثل عند البعض، متعة لاسبيل لمقاومتها، والمدهش أن يحقق فيلم "المصلحة" في أول أسبوع لعرضه، مايزيد علي أربعة ملايين جنيه، رغم أن طلبة المدارس والجامعات يستعدون للامتحانات النهائية، والشعب المصري مشغول ومحاصر بالدعاية الانتخابية، وما يتبعها من برامج فضائية! وهي ظروف ممكن أن تكون سببا وجيها لفشل أي فيلم يعرض الآن، ولكن عكس كل التوقعات كان الإقبال علي مشاهدته مثيرا للعجب! وهذا في حد ذاته بداية لأن نفكر بشكل أكثر موضوعية، في تصنيفات المواسم السينمائية، فقد عشنا دهرا، نعتقد أن موسم الصيف هو الضمان الوحيد والحتمي لنجاح الأفلام، ولكن هذا الاعتقاد قد تم نسفه تماما، بنجاح بعض الأفلام التي عرضت ولاقت إقبالا خارج هذا الموسم أو غيره من المواسم التي وصفناها بالسخونة!
بغض النظر علي أنك يمكن أن تختلف مع الصورة المثالية التي قدمها فيلم المصلحة عن رجال الشرطة، حتي تكاد تعتقد أنه من إنتاج وزارة الداخلية لتحسين صورة رجالها أمام الشعب المصري! فإنك وبلاشك سوف تستمتع بالمستوي الفني والتنافس بين بطليه أحمد السقا وأحمد عز، إذا كنت تشجع اللعبة الحلوة، حتي لو جاءت من الفريق المنافس، فأنت لن تخرج من الفيلم محبطا، إلا إذا كنت تبحث عن سبب للإحباط!
معك حق فأنت غاضب مثلنا جميعا مما وصلت اليه العلاقة بين، المواطن المصري، ورجل الشرطة خلال الثلاثين عاما الماضية، حتي أن المواطن اصبح يقبل أن يسرق منزله أو يتعرض لأي حادث إجرامي، ولكنه يرفض أن يلجأ لقسم الشرطة، الذي أصبح يمثل لدي البعض قلعة لإهانة كرامته، وتجريده من إنسانيته، وإذلال أهله، هذا غير الاعتداء عليه جسديا وتعذيبه حتي الموت أحيانا، وتلفيق التهم له! أصبح ضابط الشرطة هو البعبع وأبو رجل مسلوخة، الذي نتحاشاه بقدر الإمكان، ونستميت حتي لانقع تحت يديه أو رجليه، وندعو الله صباحاً ومساء كي يجنبنا طلعته البهية، لقد نسينا من زمن، تلك الأيام التي كان فيها أي طفل طبيعي يحلم، أن يكون ضابطا حين يكبر، فضابط الشرطة بالنسبه لكثير من المواطنين هو قاتل محترف يرتدي الملابس الميري! وقد زادت الخصومة والفجوة بين المواطن المصري ورجل الشرطة، بعد ماجري وكان في أحداث ثورة يناير، وماتلاها من مواقع ومعارك دامية! سقط فيها مئات من الشهداء من جانب واحد، وفقد المئات نور عيونهم برصاص قناصة الداخلية، ثم ظهر كبيرهم المغيب ليخبرنا، أن معندهمش قناصة، ولاعندهم ضباط توجه الرصاص إلي رؤوس وصدور المتظاهرين، ولاعندهم قنابل مسيلة لدماء المصريين! فزادت الفجوة بيننا وبينهم وأصبح العداء ظاهرا جليا واضحا وكأنهم جيش من الأعداء أو خصم نتمني هزيمته وانسحاقه!
في أفلام زمان كان من يلعب دور الضابط يتم اختياره بعناية بين أهم نجوم الشاشة قد يكون رشدي أباظة، أحمد رمزي، صلاح ذوالفقار، أحمد مظهر المهم أنه كان يمثل النبل والشهامة والجدعنة والذكاء، وفي اي مقارنه بين الضابط والمجرم كنت تنحاز إلي صف الضابط، حتي لو كان فريد شوقي! ولكن مع بداية الثمانينات، تغيرت الصورة في الواقع، تماما وأصبحت ضبابية كئيبة مشوهة، ولكن قوانين الرقابة حالت دون أن ينتقل الواقع إلي السينما، فاكتفي أهلها بتقليص دور الضابط والانتقام منه بأسلوب لايعاقب عليه القانون، فكان رجال الشرطة يأتون في نهاية الفيلم، بعد أن تنتهي أحداثه بطريقة تجعل المشاهد يسخر منهم! حتي صار الأمر أقرب إلي النكتة، ولأن الحديث عن الماضي لاغبار عليه ومسموح به، في كثير من الأحيان، فكانت النتيجة أحد الأفلام البديعة التي تعتبر من أهم ماقدمته السينما المصرية طوال تاريخها الطويل عن ضابط الشرطة، فكان ماقدمه العبقري أحمد زكي في زوجة رجل مهم، إخراج محمد خان، ومر الفيلم بسلام لأن أحداثه كانت تدور في سنوات السبعينيات وفي عصر أنور السادات، بينما تم إنتاج الفيلم في عصر مبارك! ثم تجرأت السينما قليلا وقدمت أفلاما عن جنوح رجل الشرطة وتورطه في عمليات إجرامية، وهو ماشاهدناه في أفلام ممثل تيتو، وهي فوضي!
فيلم المصلحة كتب قصته وائل عبدالله وأخرجته ساندرا نشأت، ويشارك في بطولته أحمد السقا وأحمد عز وزينة وحنان ترك، وكندة علوش، ويتحرك الفيلم في الأجواء التي يعشقها أبطاله، فهي فرصة لأحمد السقا ليقدم بعض المطاردات التي يستعرض خلالها مهاراته، الحركية، ولكنها هذه المرة مطعمة ومغموسة في حالة إنسانية، لابد وأن تستوقفك، ولكن مشكلة سيناريو الفيلم، أنه لايحمل أية مفاجآت، مما تحتملها هذه النوعية، من أفلام الحركة، فأوراق اللعبة مكشوفة، من البداية، ولابد أن تكون قد تابعتها في عشرات الأفلام المصرية والأجنبية، رجل شرطة شاب، يُقتل شقيقه، علي يد شقيق مهرب مخدرات، بس كده! طبعا لابد أن تتوقع أن يكون الهم الأكبر، لهذا الضابط هو الانتقام من قاتل شقيقه، والقبض علي تاجر المخدرات بالمرة!.
أحمد عز يقدم واحدا من أفضل أدواره، "سالم" زعيم عصابة لجلب المخدرات بكميات هائلة، شاب، وسيم، داهية، ثري طبعا، ومكشوف لرجال الشرطة ولكنهم لايستطيعون القبض عليه نظرا لخطورته وقدرته علي "ملاعبتهم"، وكما أن لكل إنسان نقطة ضعفه، فإن نقطة ضعف سالم تكمن في شقيقه الأصغر المدلل، الذي يجلب عليه الكثير من المتاعب، ومنها أو أهمها، تورطه في قتل ضابط شاب، هو بالمصادفة شقيق لضابط آخر هو حمزة أو أحمد السقا بطل الفيلم، وهنا تتحول الحكاية إلي ثأر شخصي، بين الضابط وزعيم العصابة!
يمكن أن تغفر للفيلم المبالغة الشديدة، في تصوير رجال الشرطة كملائكة وحمائم وديعة، لايأتيهم الباطل من أمامهم أو خلفهم، ولاتخرج العيبة من فم أحدهم، عكس مانعرفه عنهم! ولكن والشهادة لله، أن المشاهد الأخيرة تجعل الحكاية مقبولة، أو علي الأقل تجعلك تبتلعها بنفس راضية، عندما يستل الضابط الشاب "حمزة" مسدسه الميري، ويصوبه إلي صدر قاتل شقيقه، حيث تقول في نفسك أيوه كده ياراجل، هو ده الكلام، أنت حا تعمل فيها مثالي! فلو كان ضابط شرطة حقيقي من اللي إحنا نعرفهم كما نعرف كفوف أيادينا، لفعل نفس الشيء بقلب بارد! ولكن الجديد بقي وحتي تستوي الأمور ويعدي الفيلم علي خير من الرقابة، فإن الضابط القاتل يجتمع في زنزانة واحدة مع تاجر المخدرات فكل منهما خارج علي القانون! طبعا لوكان الأمر يحدث خارج الشاشة، لكان الضابط تمت مكافأته علي قتل شخص أعزل، بدلا من أن يقدمه للعدالة، ولكن بما أننا في فيلم وفي زمن لازالت الداخليه تسيطر فيه علي مقدرات الأمور فيجب أن تكون الصورة وردية ويتلقي الضابط القاتل عقابه!
المخرجة ساندرا نشأت قدمت مايحلو لها أن تقدمه من مشاهد مثيرة، من مطاردات بالسيارات، واللانشات، وطائرات الهليكوبتر، ولكنها كالعادة لم تكن مسيطرة تماما علي عيوب السيناريو، ومع ذلك فإن أداء أحمد عز، والسقا، جعلت الأمور محتملة، وممتعة في بعض الأحيان، لكني في الحقيقة لا أجد مبررا منطقيا لوجود حنان ترك، أو زينة، وخاصة أن الأخيرة لايمكن أن تكون فتاة أحلام لرجل عصابات مثل أحمد عز، فوجودها يجعلك تفصل تماما وتشك في ذوق الرجل كفاءته أيضا!