بمناسبة عيد ميلاد الأذاعة المصريه... كتب الناقد طارق الشناوي.... (نقلاً عن جريدة الدستور)
أمس أكملت الإذاعة المصرية عامها رقم 78، فلقد انطلقت عام 34 والحقيقة أن مصر عرفت قبل ذلك التاريخ الإذاعات الأهلية التى كانت تشبه عددا من الفضائيات التى نراها الآن، حيث التجاوز فى استخدام الألفاظ شىء عادى، حتى إن مطربا وملحنا كبيرا، ومن أقوى الأصوات، هو الشيخ الضرير محمود صبح، الذى كثيرا ما كان يشن فى مطلع العشرينيات هجمات على المطرب والملحن الشاب محمد عبد الوهاب الذى أثر على مكانته كان صبح لديه صوت لا يقارن به أى صوت آخر، إلا أن عبد الوهاب احتل مكانة خاصة فى القلوب، ولهذا كان يتعرض وقتها للشتائم تنهال عليه من صبح بالأب والأم!
كان من حسن حظى أن مبنى الإذاعة والتليفزيون هو مقصدى اليومى للحصول على الأخبار، ورغم أننى كنت أعمل فى مجلة أسبوعية (روز اليوسف) فإن النَّهم الصحفى كان يدفعنى للذهاب اليومى، وأتذكر بمناسبة العيد شخصيات التقيتها وحفرت فى ذاكرتى مكانة خاصة، مثلا الكاتب الكبير بهاء طاهر، كان فى النصف الثانى من السبعينيات رئيسا للبرنامج الثانى، وهو ما أصبح بعد ذلك البرنامج الثقافى.. كانت المشكلة التى تواجهنى أنه ليس لدىّ تصريح يسمح لى بدخول المبنى، والمجلة لم تعترف بى، لأنى لا أزال طالبا فى كلية الإعلام.. ما كان يفعله بهاء طاهر حتى يحل تلك المشكلة أن يكتب اسمى بين عدد من الممثلين فى أى مسلسل فأتمكن من دخول المبنى حتى أقتنص الأخبار، ولا أتذكر أننى كتبت أى خبر عن بهاء طاهر!
أتذكر سامية صادق التى كانت تعتبرنى ابنا ثالثا لها.
الإذاعى وجدى الحكيم كتبتُ ضده عن واقعة تقديم تسجيلات لأم كلثوم لإحدى الإذاعات، أظنها الكويت، واتصل بى وشرح لى حقيقة الموقف وصار بالنسبة إلىّ هو المصدر الأساسى فى الكثير من الأخبار، فهو لديه حاسة التقاط الخبر المثير، ويمتلك ذاكرة حديدية، تسأله عن أى رقم تليفون فلا يحتاج إلى أن يلقى نظرة على أجندة، ولكنه من الذاكرة يستعيد الرقم كأنك تسأله عن أسماء أبنائه!
وجدى هو الإذاعى الأول الذى تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إن الأرشيف الفنى للإذاعة المصرية مَدين له بالقسط الأكبر مما احتفظت به ذاكرة الإذاعة المصرية من أحاديث لكبار مبدعينا.
القدير أحمد سعيد الذى لا يزال صوته هو عنوان إذاعة «صوت العرب»، ودفع أحمد سعيد ثمن هزيمة 67، فلقد كانوا يهتفون باسمه فى الخمسينيات وحتى النكسة فى العديد من البلدان العربية، لما كانت تمثله لهم إذاعة صوت العرب التى انحازت إلى الشعوب فى نضالها، وأطلقوا فى العالم العربى على الإذاعة المصرية اسم «صندوق أحمد سعيد»، وكانت صورته توضع بجوار صور جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر على كراسات التلاميذ فى أكثر من بلد عربى، وبعد الهزيمة دفع صوته ثمن تبعات الهزيمة وأبعدوه عن الميكروفون.
آمال فهمى التى كان ولا يزال برنامجها «على الناصية» هو الأول فى كل الاستفتاءات، آمال هى أول مذيعة تُجرِى معى حوارا، وبعد إذاعته شعرت أننى أصبحت أشهر صحفى فى الوطن العربى.
الشاعر الإذاعى عمر بطيشة، وكان صديقا لفايزة أحمد ومحمد سلطان، وبعد أن كتبتُ تحقيقا أغضب فايزة، لأنها استغلت صداقتها بمحافظ القاهرة وأغلقت محلا يبيع طعمية أسفل بيتها بحجة أن رائحة الزيت المغلى تؤثر سلبا على حبالها الصوتية، وكان عنوان التحقيق «الشعب المصرى فى حاجة إلى قرص الطعمية أكثر من صوت فايزة أحمد».. وكان عنوانا قاسيا، تم الصلح عن طريق عمر، ولكن بالطبع ليس على حساب صاحب محل الطعمية الذى عاد لمزاولة نشاطه، وأثبت عمليا أن رائحة الزيت المغلى تجلو الصوت، والدليل فايزة التى ظل صوتها يزداد تألقا مع كل «طشَّة»!
لا أنسى إذاعيين كبارا مثل فهمى عمر، وفاروق شوشة، ونادية صالح، ومحمد مرعى، وسناء منصور، وإيناس جوهر، وأمينة صبرى، ولى العديد من الحكايات مع الراحلين الكبار أمثال السيد بدير ومدحت عاصم وجلال معوض، وغيرهم، ولا يتسع المجال لذكرها الآن.
«الإذاعة المصرية» تحتلّ فى قلبى مساحة كبيرة لهؤلاء الكبار، أقول لهم: كل سنة أنتم بخير!