سعاد حسني النجمة التي لمع نجمها وباتت معروفة ومشهورة , والتي تحسدها الكثيرات وتتمنى أن يكن في مثل جمالها وخفتها وشهرتها .
هذه النجمة لا تتجاوز عامها التاسع عشر شقية وتعيسة . فهي تخفي وراء بسماتها وضحكاتها , دموعها واحزانها , ترى لماذا ؟
أقرا ما قالته الحسناء الصغيرة لمراسل الدنيا الفني في القاهرة :
كنت أتحامل على نفسي لأكمل تصوير مشهد سينمائي مع صلاح ذو الفقار في مطار القاهرة , وعندما عدت الى منزلي واغلقت الباب على نفسي , أنتابتني نوبة من البكاء الحاد .
وسألتها وقد رأيت سحب الالم تغطي وجهها الجميل :
وهل هذه المرة الأولى التي تداهمك فيها مثل هذه الحالة ؟
اجابت بذهول :
أبدا فكثيرا ما تنتابني مثل هذه النوبات فأبكي من قلبي , وأعيش مع دموعي دون ان يعرف أو يشعر أي أنسان بما أعانيه .
ثم هزت رأسها بأسى وقالت :
لقد تعودت أن اعطي أبتسامتي لمن حولي , أما دموعي فأحتفظ بها لنفسي !
قلت لها دعينا الان من الدموع والأحزان وحدثيني عن طفولتك .
فأعتدلت سعاد حسني في جلستها ورسمت أبتسامة حزينة على شفتيها وقالت :
لم احلم في يوم من الأيام بأن أكون نجمة من النجوم التي يشير أليها الناس في الشارع ويتابعون أخبارها في الصحف والمجلات , كل ما كان يشغل حياتي من أحلام الطفولة هو أن أغني وأغني وأختارني ( بابا شارو ) لكي أقف أمام الميكرفون وعمري سنتان ونصف وما زلت أحفظ حتى الأن كلمات أول أغنية رددتها .
( أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسني أشتهر ) واخذت اغني في كل مكان في المنزل في المدرسة وفي المناسبات , وكنت أحب السينما لدرجة الجنون وأقلد جميع الممثلات , وفاتن حمامة ممثلتي المفضلة .
فسألتها : ومن أكتشفك ؟ وكيف تم تقديمك الى الشاشة الفضية ؟
فمالت برأسها الى الوراء وكأنها تستعيد ذكريات قريبة وقالت :
جائتني الفرصة في سنة (1958) .. وكانوا يبحثون عن فتاة بسيطة طيبة لدور (نعيمة) , ورأني عبد الرحمن الخميسي في حفلة عائلية فقدمني الى المخرج بركات , وفي المكتب سالني بركات عشرين سؤالا كتبها على ورقة أمامه , فاجبت عليها بالبساطة المطلوبة , وفي الحال وقع معي العقد .
وكم كان أول أجر تقاضيتيه ؟
250 جنيها وكانت فرحتي عظيمة بحيث لم اصدق أن مثل هذا المبلغ الكبير هو ملك لي .
وماذا اشتريتي به ؟
لن أكذب عليك .. فأنا صريحة جدا , لقد أعطيت نصفه لوادتي ثم اشتريت أول حذاء بكعب عالي وذهبت به الى السينما .
وكم يبلغ أجرك الأن ؟
الفي جنيه..
وهل أنت سعيدة ؟؟
كلا ..
لماذا !؟
فغاضت الأبتسامة المرحة من وجه سعاد وأختفت وراء الظلال الحزينة وهي تقول :
أني اشعر بالشقاء .. وأقصى الساعات عندي هي التي اواجهها بمفردي وخصوصا عندما أعود في أخر الليل من الأستوديو واقف وسط الفراغ ..
البيت صامت والانوار مطفاة وأختي صباح نائمة .
قلت لها : أيكون سبب حزنك , فشلك في حب ما مثلا ؟
قالت :
أبدا .. أبدا فانا لم أجرب الحب بعد .
فقلت لها : اذن ما هو رأيك بعبد الحليم حافظ ؟
قالت : انه احسن مطرب يؤدي الاغاني العاطفية .
قالت ذلك وقد لمعت في عيناها ببريق لا تخفى معانيه على احد .
فقلت لها : أما زلتي تحبينه ؟
قالت : ها .. أحبه كأخ طيب وخلوق .. وليس بيننا اكثر من زمالة .
ومن هو احسن كاتب في الحب في نظرك ؟
أجابت : احسان عبد القدوس .
,احسن صوت ؟
فضحكت بمرح ولم تجبني وكنت واثقا أنها لولا التخمينات التي أرقبتها .. ستقول أنه عبد الحليم حافظ !!
مجلة الدنيا الجديدة 11 يناير 1963