بليغ حمدي --آخر الملحنين الكبار -اشتهر مع حليم وتوّج عطاءه مع أم كثلوم
هل هي مصادفة أن يكون اليوم الذي رحل فيه الموسيقار بليغ حمدي عام (1993م) هو نفسه الذي شهد غياب فنان الشعب سيد درويش؟ ثمة ما هو مشترك بينهما وثمة اختلاف كبير، كان بليغ حمدي يحلم بأمجاد "درويش" ولكنه سلك طريقاً آخر ... قدّم خلاله خدمة كبيرة للموسيقى العربية سواء عبر ألحانه أو من خلال اكتشافه وإطلاقه للعديد من المطربين أمثال : عفاف راضي، وميادة الحناوي، وعُليّا التونسية، وسميرة سعيد، وسوزان عطية، وعلي الحجار، وياسمين الخيام وغيرهم. توزعت موسيقى بليغ حمدي المميزة بين الموسيقى التصويرية بكثير من الأفلام السينمائية والأعمال المسرحية والتلفزيونية مثل : فيلم "قصة الحي الغربي" ومسرحية "ريا وسكينة"، ومسلسل "سماح" الذي قامت ببطولته صفاء أبو السعود وغيرها.
يعد بليغ حمدي وبجدارة أحد أكبر نجوم التلحين العرب في القرن العشرين ... وحين توّج عطاءه بالتلحين لكوكب الشرق أُم كلثوم كسر احتكار الكبار لها مثل السنباطي وعبد الوهاب وزكريا أحمد والقصبجي، فقد شهدت بداية الستينات أَول تعاون بين بليغ وأم كلثوم، وربما لا يعرف كثيرون أن بليغاً بدأ حياته مطرباً قبل أن يكرس إبداعه للتلحين لنخبة من نجوم الأغنية العربية ومنهم : عبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، وفايزه أحمد، ومحمد رشدي، وعفاف راضي، ومياده الحناوي.
ولد بليغ حمدي في السابع من تشرين أول (أكتوبر) عام (1932م) في شارع التوفيقية بحي روض الفرج بالقاهرة، وكان والده مدرساً للعلوم وعازفاً لآلة البيانو، وكان يزوره في بيته أبرز موسيقيي الجيل القديم مثل زكريا أحمد والقصبجي، ويعقدون مجالس السمع والطرب وسط دهشة الصغير بليغ مما أثر فيه، فأحب الموسيقى ودرسها في معهد فؤاد للموسيقى العربية، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة عام (1950م) وظل حتى عام (1960م) طالباً بالسنة الثالثة ولم يكن مواظباً على الدوام. عاش بليغ حمدي حياة الصعلكة بحثاً عن صوت يحمل ألحانه، وعندما تقدّم إلى لجنة الاستماع بالإذاعة نصحوه بهجر التلحين والغناء، وقادته الصدفة إلى التعاون مع المطربة فايدة كامل التي كانت زميلته في كلية الحقوق وحقق نجاحاً معها.
بعدها كان التعاون مع نجاة الصغيرة التي قدّم لها لحن أغنية "غريبه وحدّيه" و "سامحني وبكاني". وفي عام (1957 م) كان اللقاء الأول بين بليغ حمدي والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، حيث نشأت بينهما صداقة حميمة، شهدت ولادة أغاني "تخونوه" و "خساره" و "خايف مره أحب"، تلتها مجموعة أخرى من أجمل روائعه مثل "زي الهوى" و "جانا الهوى" و "الهوا هوايا" و "موعود" و "مداح القمر" و "حاول تفتكرني" وغيرها. نضج بليغ حمدي أكثر حين قدّم ألحانه لنجاة الصغيرة وشادية وفايزه أحمد وعبد الحليم حافظ، وأصبح حلمه على وشك التحقق عندما قادته الأقدار للقاء كوكب الشرق أم كلثوم التي لحن لها أغنية "حب إيه ... " ونجح في الامتحان عندما نجح اللحن، وهكذا امتدت العلاقة الفنيّة بينهما عشر سنوات.
أثمرت عن (12) أغنية نجحت جميعها مثل "أنساك ده كلام" و "أنا وأنت ظلمنا الحب" و "ألف ليلة وليله" " و " فات الميعاد" و " بعيد عنك حياتي عذاب" و " الحب كله" و " ليلة حب" و " حكم علينا الهوى" التي كانت آخر ما غنّته "كوكب الشرق" قبل رحيلها. ومن أشهر العلاقات العاطفية في حياة بليغ حمدي كانت علاقته بالمطربة وردة الجزائرية، حيث عبر لها عن مشاعره بلحن أغنية "بحبك فوق ما تتصّور" و "يا نخلتين بالعلالي" من فيلم " ألمظ وعبده الحامولي". تلتها أغنية "العيون السود" وأغنية "لو سألوك"... وشهد عام (1973م) زواج بليغ حمدي من وردة وكانت أجمل علاقة حب بين فنانيْن. لكن ذلك الزواج لم يستمر، فتم الانفصال، لتبدأ النهاية، حيث هاجر بليغ لمدة خمس سنوات بعيداً عن مصر، وفي شهر أيلول سبتمبر عـام (1993م) رحل بليغ حمدي وترك ساحة التلحين مفتوحة للهواة وأصحاب أنصاف الموهبة.