الشاعر مصطفى الضمراني... وحكايته مع حليم في "المركبة عدت واهي ماشية،،،،،والكل شايفها بتتعاجب"
إن نجاح عبدالحليم كان وراءه كوكبة كبيرة من كبار الشعراء والملحنين الذين التفوا حوله وصنعوا له هذا التألق فقد حرص عبدالحليم بذكائه الخارق علي الاستفادة من أشعارهم وألحانهم باعتبارهم رواد الكلمة الحلوة واللحن الجميل من أمثال مرسي جميل عزيز وحسين السيد ومأمون الشناوي وصلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفي وإسماعيل الحبروك وصالح جودت وغيرهم،،،، ومن الملحنين موسيقار الأجيال
محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وكمال الطويل والموجي وبليغ حمدي ومنير مراد وأحمد صدقي والشريف الذين شكلوا معه سيمفونية رائعة أنتجت لنا هذه الباقة الكبيرة من الأغنيات الوطنية والعاطفية التي لاتزال تعيش في وجدان الأجيال حتي الآن.
ولم تكن تجربتي مع العندليب عبدالحليم حافظ الذي تغني ببعض كلماتي الوطنية ولحنها الموسيقار عبدالوهاب وليدة المصادفة أو أنني كنت من الشعراء الذين شاركوه مسيرته الغنائية من البداية وكانوا بمثابة فريق عمل متكامل يستند إليهم في المناسبة الوطنية والاجتماعية ويصعب علي أي شاعر آخر أن يدخل ضمن هذه الكوكبة الرائعة كلماتها وألحانها، ولكن السبب الحقيقي الذي سهل لي دخول هذه الحلبة هو أغنيتي الوطنية الشهيرة التي كتبتها بمناسبة انتصار أكتوبر 73 وهي أغنية "مانقولشي إيه ادتنا مصر نقول ح ندي إيه لمصر" التي لحنها الموسيقار حلمي بكر وغنتها الراحلة عليا التونسية،،، فقد حققت هذه الأغنية نجاحا مدويا لفت نظر عبدالحليم وأثار انتباهه لي كشاعر يكتب أغنية ناجحة ففكر في صياغة أغنية وطنية ناجحة...... كما أثارت هذه الأغنية أيضا انتباه الموسيقار عبدالوهاب فعقدا العزم علي التعامل معي كشاعر يمكن أن يدخل هذه الحلبة مع الكبار بكفاءة واقتدار.
وفي مقابلة لي مع العندليب في مبني الإذاعة في ماسبيرو حيث كان عبدالحليم متوجها إلي استديو 46 لإجراء بروفة لإحدي أغانيه وجدته يتجه لي وينادي علي من وسط الحاضرين ويتحدث معي علي انفراد ويهمس في أذني بكلمة مبروك أغنية عليا دي أغنية جميلة جدا بس أنا لي اعتراض بسيط يا درش هل تقبله؟؟؟؟ وكان ردي يا أستاذ عبدالحليم أنا في قمة سعادتي ان تحدثني عن أغنية من كلماتي بهذا الإعجاب وياريت اسمع رأيك وسبب الاعتراض،،،،، فقال ليس اعتراضا بالمعني الكبير بس دي وجهة نظري التي أقولها لك كشاعر جميل وقال:-
أنا كنت أتمني أن الذي يقول "مانقولشي إيه ادتنا مصر. نقول ح ندي إيه لمصر"، مطرب مصري أو مطربة مصرية وأنا كنت مستعد أغني هذه الأغنية لو سمعتها منك قبل أن تغنيها عليا بس هي غنتها كويس جدا ومبروك.... بس أنا لي طلب.... لما يكون عندك كلمات حلوة زي دي سمعهالي الأول قبل ماتديها لأي مطرب وكان ردي علي العندليب:- أنا سعيد يا أستاذ عبدالحليم بهذا الرأي بس أنا ماقدرش أدخل هذا الميدان مع الأساتذة الذين تعلمت منهم كتابة الأغنية..... ورد عبدالحليم خذ تليفوني الخاص وكلمني في أي وقت وانتهت المقابلة ودخل عبدالحليم الاستديو واستأذنت أنا بالانصراف.
ومرت الأيام لأسمع من الأستاذ عبدالوهاب الكلام نفسه والثناء.... وفي ذات مرة وكنا علي مقربة من الاحتفال بعودة الملاحة في قناة السويس عام 1975 دار حديث بيني وبين عبدالوهاب فقال لي:- عامل ايه في هذه المناسبة كتبت حاجة قلت:- نعم، قال سمعني وقرأت له مذهب أغنيتي التي أقدمها (المركبة عدت واهي ماشية. والكل شايفها بتتعاجب. والضحكة اهي زادت وبتغني. كان الأمل مغلوب صبح
غالب).....وانتبه عبدالوهاب لهذا المعني وطلب تكرار وقراءة المذهب مرة أخري وردد إعجابه به وطلب قراءة الكوبليهات وقرأتها وفي كل مقطع يزداد إعجابه ثم قال لي:- عايزك تقرأ الأغنية كلها علي مهلك كلمة كلمة وقرأت الأغنية وهو ينصت ويقول الله إلي ان انتهيت من قراءتها.....
فقال لي:- خد تليفون عبدالحليم وقل له إن عبدالوهاب اختار هذه الأغنية.... واعتبرت كلام عبدالوهاب مجاملة لي ولم أتصل بعبدالحليم، وبعد خمسة أيام وكنا قد قربنا من الاحتفال بعودة الملاحة في قناة السويس، اتصل عبدالوهاب بمنزلي وطلب الاتصال به فورا عند حضوري وأبلغتني زوجتي بذلك فاتصلت بالأستاذ عبدالوهاب ليعاتبني قائلا انت فين يادرش مش فيه شغل بيننا خد كلم عبدالحليم وإذا به يقول لي نفس الكلام ثم قال الأستاذ عايز يغير كلمة في الأغنية وتعجبت لأني لم أرسل الأغنية لعبدالوهاب وعلمت منه أنه سجلها بالتليفون عندما قرأتها له وأدار الموسيقار أحمد فؤاد حسن شريط تسجيل البروفة حيث كانت تجري في بيت عبدالحليم وأشار لي إلي الكلمة التي يريد عبدالوهاب تغييرها بحيث أتصل به بعد ساعة ليأخذ مني التعديل، وخلال هذه الساعة استبدلت الكلمة المطلوب تعديلها بعشر كلمات أخري..... فاستمع إليها عبدالوهاب وعبدالحليم وقام فؤاد حسن بتركيبها علي اللحن في البروفة وإذا بالموسيقار الراحل كمال الطويل الذي
كان حاضرا البروفة يقول لعبدالوهاب وعبدالحليم عندما استشاراه إن الكلمة الأولي أفضل وخذا من الضمراني أول قطعة وتم رفض التعديل وتمت البروفة وغني العندليب الأغنية كما هي وحققت نجاحا مدويا ونقلتها الإذاعة والتليفزيون في حفل أضواء المدينة يوم 5 يونيو 1975 علي الهواء لتصبح واحدة من أنجح الأغاني الوطنية التي يتغني بها عبدالحليم بمناسبة ذكري الاحتفال بعودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975 كل عام. وهذه هي تجربتي مع العندليب أرويها بمناسبة ذكراه العطرة كفنان عظيم استطاع أن يعيش بأروع أغانيه في وجدان الجماهير العربية كلها وخلال الأجيال المتعاقبة وحتي الآن ويحتفي بها بشكل أكثر اتساعا في مارس من كل عام.
الأهرام مارس 2010