«الأخ الحبيب الأستاذ كامل الشناوى
دار (أخبار اليوم)
CAIRO EGYPT
U.A.R
من أمريكا عبر المحيط أكتب لك معبرا عن شوقى وحبى وشكرى على كلمتك الحلوة الرقيقة ولأقول لك كل سنة وأنت طيب وأنت سعيد وأنت بكامل صحتك وكل سنة وأنت تملأ الدنيا شعرا وحياة وكل سنة وأنت معنا نحبك وتحبنا وتملأ حياتنا بكلماتكم الحلوة..
أُقبلك وإلى اللقاء القريب
إن شاء الله
أخوك
عبد الحليم»
ما تقرؤه هو الرسالة تلك التى بعث بها عبد الحليم حافظ إلى كامل الشناوى فى مطلع شهر ديسمبر 1963 لكى يشاركه احتفاله بعيد ميلاده، واحتفظت بها فى أوراقى الخاصة وقررت فى الذكرى 104 لميلاد كامل الشناوى التى تحل اليوم أن تقرأها أيضا عزيزى القارئ.. كان عبد الحليم حافظ حريصا على أن تتأكد أواصر صداقته بكبار الكتاب وعلى متابعة ما يكتبونه حتى لو كانت كلماتهم نشرت فى غيابه فى وقت كانت تحول فيه المسافات الجغرافية دون وصول المعلومات، فأنا أتحدث عن رسالة يقترب عمرها من نصف القرن.. تجد فى كلمات الرسالة شيئا خاصا حميميا يعبر عما كان يجمع بين كامل الشناوى وعبد الحليم حافظ، حيث منح كامل الشناوى قوة دفع لعبد الحليم فى بداية مشواره بعد أن سجل أغنية «على قد الشوق اللى فى عيونى» عام 1954، اعتبرها كامل الشناوى فى مقال نشره على صفحات جريدة «الأخبار» بمثابة الطائر الذى حلق بعبد الحليم إلى سماء النجومية.. وكان كامل الشناوى صديقا للأربعة الكبار فى دنيا النغم.. كثيرا ما كانت بينهم صراعات معلنة ومستترة أم كلثوم، عبد الوهاب، فريد، عبد الحليم، ورغم ذلك كانت لكل منهم فى قلب وشعر كامل الشناوى مساحة خاصة، وغنى حليم لكامل الشناوى ثلاث قصائد «لا تكذبى» و«لست قلبى» و«حبيبها»!!
فى حياة عبد الحليم كان حريصا على أن يظل محاطا بالكبار كامل الشناوى، مصطفى وعلى أمين، وإحسان عبد القدوس، وأحمد بهاء الدين، وصلاح جاهين ليظل فى بؤرة الإعلام الذى كان يمنح عبد الحليم مساحات تتجاوز حتى ما هو ممنوح لأم كلثوم.. لا يمكن أن نعزى ذلك فقط إلى جاذبية وذكاء عبد الحليم.. نعم فى حياته كان قادرا على أن يسيطر على الإعلام مرئيا ومسموعا ومقروءا.. الموهبة لا تكفى فقط لكى تحافظ على نجاحك ينبغى أن تتوفر لها حماية أخرى من خلال «الميديا». عندما نسأل فنانا عن مكانته بين زملائه يقول لك تلك الإجابة التى صارت «كليشيه» ليس لى دخل بالآخرين، أنا فقط لا أفكر إلا فى اختياراتى وربنا يوفق الجميع.. عبد الحليم كان يراقب الجميع، النجاح الذى يحققه أى فنان يتابعه ويتأمله ويحاول أن يعثر على أسبابه لا يعتبر الآخرين غير موجودين على الساحة، ولا ينكر أنه يتابعهم، وكان أحيانا يتدخل بذكاء فى إشعال التنافس بين منافسيه حتى يبددوا طاقاتهم فى الصراع فى ما بينهم، بينما هو يواصل التقدم بمفرده.. نعم لم يكن عبد الحليم حافظ هو فقط هذا الفنان الحالم المتسامح كما كنا نشاهده دائما من خلال تلك الصورة الذهنية التى صدرها لنا فصارت راسخة فى الوجدان حتى الآن.
ورغم ذلك فإن كبار الكتاب كانت لديهم أيضا قدرة على أن يرسموا بدقة صورة عبد الحليم حافظ.. يكتشفون المناطق السهلة والممنوعة، وهذا هو ما دفع كامل الشناوى إلى أن يطلق عليه تعبيرا صار لصيقا به وكأنه مفتاح لشخصيته «عبد الحليم يصدق إذا غنى ويكذب إذا تكلم».. البعض يرى فيها نصف الكوب الفارغ فهو -أى عبد الحليم- إنسان كاذب، ولكنك إذا تأملت النصف الثانى ستجده ملآن يؤكد أن عبد الحليم حافظ فنان صادق، وأنه خُلق لكى يبدع فنا كل شىء بالنسبة إلى عبد الحليم كان لديه وظيفة واحدة ووحيدة وهى أن يضع عبد الحليم حافظ فى مكانة خاصة.. قد يضحى بصداقة صديق، قد يلجأ إلى الضرب تحت الحزام، قد يستحوذ على لحن أو ملحن أو شاعر من الممكن أن يستخدم سلاح السخرية أو حتى التشنيع.. قد تبدو مثل هذه الكلمات تحمل قدرا من القسوة، لكن دعونا نتفق أن كل العمالقة فى حياتنا ليسوا ملائكة، كما أنهم أيضا ليسوا شياطين، وهكذا عبد الحليم حافظ الذى لم يعرف الصدق إلا فقط عندما يغنى، ولنتذكر مع رسالته الشاعر والكاتب الكبير كامل الشناوى فى عيد ميلاده!!
طارق الشناوى