لأول مرة في عيد ميلاده رقم «109»«عبد الوهاب» في وصلة صراحة!
حكايات فنية يكتبها: طارق الشناوي
صوت الأمةنشر في صوت الأمة يوم 20 - 03 - 2010
· "نجاة" هي أقرب الأصوات التي تنتمي إلي مدرسة وإحساس "عبد الوهاب"..
· وكان رأيه فيها أنها "صوت تخاف أن تلمسه حتي لا ينكسر"!
· كان لديه تحفظ علي "عبدالحليم" في السنوات الأخيرة لأنه أخل بآداب المسرح حيث كان دائماً ما يلغي المسافة بين المطرب والجمهور
المجاملة هي "محمد عبد الوهاب".. كان الموسيقار الكبير مجاملاً لأبعد الحدود لا يجرؤ أن يقول رأيه الحقيقي.. جرب "عبد الوهاب" أن يقول الصراحة مرة في مطلع الخمسينيات عندما سؤل عن "سيد درويش" فقال رأياً كانت نتيجته أن أقام "محمد البحر" الابن الأكبر لسيد درويش دعوي قضائية ولم ينج "عبد الوهاب" من التهديد بشبح السجن، إلا بعد أن تاب وأناب واعتذر علناً وعلي رءوس الأشهاد، كان "عبد الوهاب" قد تحدث عن المخدرات وذكر أن "سيد درويش" سقط بسبب تعاطيه جرعة زائدة، ورغم أن هذه القصة كانت متداولة في الحياة الفنية وعلي صفحات الجرائد، إلا أنها غير موثقة ولهذا أدت بعبد الوهاب إلي المساءلة القضائية!!
وظل "عبد الوهاب" حريصاً علي المجاملة حتي آخر أيامه إلي درجة أن الكاتب الكبير "أنيس منصور" روي أكثر من مرة أن الشاعر الكبير "مأمون الشناوي" اصطحبه إلي بيت "عبد الوهاب" لكي يستمع إلي صوته ويحدد بعدها مصيره في الاستمرار بالغناء، إلا أنه فوجئ بأن "عبدالوهاب" يقول الله.. أعد لصوت قبيح جداً لامرأة كانت تغني أمامه فقررا ألا يسمع صوته للأستاذ أو لغيره الأستاذ بعد ذلك.. إلا أن "عبد الوهاب" قال رأيه الحقيقي كاملاً إلا في جلسات خاصة نادرة وأمام أصدقاء قليلين جداً.. كان يثق في أن أحدهم لن يبوح بما قاله في أي وقت.. من هؤلاء الموسيقار "حلمي بكر" الذي يكشف لأول مرة ما تضمه شرائط سجلها لعبد الوهاب يقول فيها رأيه الصريح في عدد كبير من الأصوات والملحنين القدامي، كما يدلي لأول مرة أيضاً- وعلي مسئوليته - بشهادته عما سمعه من "عبدالوهاب" عن أصوات أخري لا يزال الكثير منها يمارس الفن علي الساحة الغنائية!!
وكما يقول "حلمي" شارحاً قصة الشرائط التي سجلها للموسيقار الراحل.. كان يأتي إلي بيتي ويتكلم علي راحته وكنت أدير جهاز الكاسيت لإحساسي بأن كل ما يقوله شهادة للتاريخ ويوماً قال لي "يا سلام يا واد يا حلمي لو انت بتسجل الكلام ده".. واعتقد "حلمي" أن "عبد الوهاب" استطاع أن يكتشف أنه يسجل له هذه اللقاءات وأنه يفجر بالونه اختبار فقال له "نعم أسجلها يا أستاذ" فقال عبد الوهاب "يا ريتك لم تقل لي.. الآن أقول لك أوقف التسجيل"!!
واستجاب "حلمي" لطلب "عبد الوهاب" ولكنه ظل محتفظاً بالأشرطة التي سجلها في الأدراج وأيضاً بكلمات "عبد الوهاب" في ذاكرته.. ولأن لهذه التسجيلات والآراء خصوصيتها ولأن "عبدالوهاب" لم يقصد لها الذيوع والانتشار علي لسانه ولأن بعضها ربما يصدم بصراحته بعض الفنانين أو ورثتهم ومعجبيهم.. ولأنها في الوقت نفسه لابد أن تقدم للناس لأنها تحمل توقيع "عبدالوهاب" وخبرته وذخيرة وتجارب السنين لكل هذه - الأناهات - السابقة واللاحقة فقد اتفقت مع "حلمي بكر" علي أن نطبق علي آراء "عبد الوهاب" القاعدة الشرعية ونعلنها في مناسبة عيد ميلاده رقم 109 القاعدة هي "ما لا يدرك كله لا يترك كله"، ولهذا سوف نقدم ما يمكن أن يصل للناس بأكثر ما يمكن من الصراحة وبأكثر ما يمكن أيضاً من اللياقة!!
كان "عبد الوهاب" يقول "إن الغناء هو أم كلثوم وأم كلثوم هي الغناء"، ولكنه علي المقابل مثلاً لم يكن يعتز كثيراً بصوت وألحان "فريد الأطرش".. كان يري أن "فريد" لا يخلص لصوته وألحانه بقدر ما يخلص لسهراته الخاصة.
وللتوضيح - وهذا الرأي من عندي - فإن "فريد" لم يكن يتعاطي إطلاقاً الخمور ولا السجائر ولكن كانت نقطة ضعفه التي لم يستطع أن يتغلب عليها هي السهرات الخاصة وما ينفقه فيها، ولهذا باع في سنواته الأخيرة العمارة الضخمة التي كان يمتلكها في القاهرة علي النيل بجوار الشيراتون والتي يطلق عليها الناس حتي الآن اسم "عمارة فريد الأطرش".
"نجاة" هي أقرب الأصوات التي تنتمي إلي مدرسة وإحساس "عبد الوهاب".. بينما قال عنها "كامل الشناوي" إنها الضوء المسموع.. كان رأي "عبد الوهاب" الصريح فيها أنها "صوت تخاف أن تلمسه حتي لا ينكسر"!!
الصوت الثاني الذي ينتمي إلي مدرسة "عبد الوهاب" هو "عبدالحليم حافظ" إنه تلميذه النجيب وشريكه بعد ذلك في "صوت الفن".. كان يقول عنه علناً إنه قادر علي أن يصل إلي عمق الإحساس بأقل قدر من المعاناة.
كان هذا هو رأيه المعلن ولكن "عبدالوهاب" - كما يقول حلمي بكر - كان لديه تحفظ علي "عبدالحليم" في السنوات الأخيرة لأنه أخل بآداب المسرح، حيث كان دائماً يلغي المسافة بين المطرب والجمهور ويجري حواراً بينه وبين الناس في الصالة.. وقد أدرك الخطأ الذي ارتكبه في حفلته الأخيرة التي قدم فيها "قارئة الفنجان" وكان انفعاله علي الجمهور في الحفل الذي أذاعه التليفزيون علي الهواء هو رغبة منه في أن يعيد آداب المسرح مرة أخري!!
ولعبد الوهاب رأي فني أكثر دقة في "عبدالحليم" وهو أنه كان حذراً في التعامل والانتقال بين المقامات الموسيقية.. يقترب منها برفق ونعومة، ولكنك تشعر عندما تستمع إليه بأنه هكذا ينبغي أن تتعامل مع المقامات!!
وقبل أن نترك "عبد الحليم" يفجر "حلمي" مفاجأة وهي أن "عبدالحليم" - حسبما قال عبدالوهاب - لم تكن لديه رغبة جادة في غناء "من غير ليه" وأن "عبد الوهاب" كان متأكداً من أن "عبد الحليم" لن يغني هذا اللحن لأنه اعتبره لحناً "وهابياً" أكثر منه "حليمياً".. ويكشف "حلمي بكر" أن التسجيل الذي طبع قبل نحو 12 عاماً لبروفة "من غير ليه" التي جمعتهما معاً وحذفت منها بعض كلمات الاحتجاج من "عبدالحليم" والغضب علي الاحتجاج من "عبد الوهاب"!!
"محرم فؤاد" يقول عنه "عبدالوهاب" لو أنه امتلك الذكاء لكان من الممكن أن يصبح منافساً لعبد الحليم.. الغريب - وهذا رأي كاتب هذه السطور - أن الموسيقار "محمود الشريف" قال لي نفس الرأي مع كلمات مباشرة وأكثر حدة تدلل علي افتقار "محرم" في التعامل بذكاء مع الحياة الفنية.. يتابع "حلمي بكر" فقد أعجب "عبد الوهاب" بصوت "ماهر العطار" ولكن كان يري أن "ماهر" لم يكن جاداً في مشواره الغنائي.. أما "محمد عبدالمطلب" والذي بدأ مشواره الفني "كورس" في تخت "عبد الوهاب" نهاية العشرينيات من القرن الماضي فلقد كان "عبد الوهاب" شديد الإعجاب بصوته وقال عنه "ربنا خلق صوته جواه علم رغم أنه لا يعلم أن بداخله كل هذا العلم"!!
عندما ظهر "هاني شاكر" في مطلع السبعينيات كان "عبدالوهاب" يترقب هذا الصوت الذي توقع له الكثيرون أنه المنافس الوحيد لعبد الحليم حتي إن "أم كلثوم" أوصت عليه الملحن "خالد الأمير" وطلبت منه أن يمنحه لحناً بلا أجر فقدم له الأغنية التي حققت له الشهرة ووضعته علي الخريطة الغنائية "كده برضو يا قمر".. وبعد أن استمع "عبد الوهاب" إلي صوته قال عنه "صوت حلو ولكن الترل زايد عنده شوية".. "الترل" الذي يقصده "عبد الوهاب" هو مصطلح يستخدمه الموسيقيون ويعني "الزغردة" أو اللمعان في أداء بعض الكلمات.. ويقول "حلمي بكر" إن "هاني" بعدها تخلص من ذلك ،ولهذا لم يمانع "عبدالوهاب" في أن يسمح له في حياته بغناء "من غير ليه"!!
أما "محمد ثروت" فهو الوحيد من جيله الذي كان له النصيب الأكبر من ألحان "عبدالوهاب" وكان يقول عنه "الولد ده إحساسه عالي".. ويقول "حلمي بكر" إن عبد الوهاب شاهد "ثروت" لأول مرة في منزله في نهاية السبعينيات وطلب "ثروت" أن يغني أمام "عبدالوهاب" ولكن "حلمي" قال له "لما تقعد مع الكبار تسمع ولا تتكلم" ولا تغني!!
وكان "ثروت" قادراً علي أن يقرب المسافات بينه وبين "عبدالوهاب" في الحفلات واللقاءات.. وظل" علي تودده مع "عبدالوهاب" حتي رحيله!!
"علي الحجار" أيضاً استوقف "عبدالوهاب" وقال عنه "صوت حلو" ولكن العلاقات بينهما شهدت توتراً بعد تصريحات قالها "عبدالوهاب" وأغضبت «الحجار» حيث إن "عبد الوهاب" عندما تقرر تكريمه في لندن بعد حصوله علي الأسطوانة البلاتينية رشحوا "علي الحجار" للغناء فقال لهم من هو "علي الحجار"!!
أما "إيهاب توفيق" فقد كان آخر صوت تعرف عليه "عبد الوهاب" وقال عنه إنه صوت جيد وأمين وحاسس بالمقام.. كان "عبد الوهاب" هو رئيس لجنة التحكيم التي شكلتها مجلة "أكتوبر" في عام 86 وحصل "إيهاب توفيق" علي جائزة أفضل صوت.
"ليلي مراد" هي معشوقة "عبدالوهاب" كصوت ويقول عنها "عندما تسمعها تشعر بأنك تغني معها وتغني لك وتغني لها ومشكلتها أنها ظهرت في عصر "أم كلثوم".
"شهرزاد" كان يحترم صوتها لأنها تغني فقط في مساحتها الصوتية وبأسلوبها.. "سعاد محمد" التي تعتبرها "أم كلثوم" أفضل صوت غنائي كان "عبد الوهاب" يراها تسبح فقط في المياه الصوتية لأم كلثوم!!
"شادية" في رأيه هي "أحلي صوت يغني للمراهقات".. "سميرة سعيد" ذكاء يغني.. "عزيزة جلال" صوت مريح تغني حلو.. "عليا التونسية" تقول أجمل ما في المقام الموسيقي.. "ياسمين الخيام" كان يعجبه في صوتها تأثرها بأسلوب المشايخ.. أما "لطيفة" وهذا الرأي لم يذكره "حلمي" ولكن روت هذه الحكاية "لطيفة" في حياة "عبد الوهاب" فلقد قال عنها عندما جاءت للقاهرة لتدرس في معهد الموسيقي "بخري صوتك"؟!.
بعيداً عن المطربين فإن "عبدالوهاب" كانت له آراء خاصة صريحة في كثير من كبار الملحنين فهو يقول عن "سيد درويش" مثلاً إبداعاته الفنية لا يمكن إغفالها ولكنه تأثر كثيراً بالمدرسة الإيطالية من حيث بنائه الموسيقي!!
"محمد القصبجي" قال عنه "اتولد قبل ما يتولد" أي أنه سابق لعصره.. "محمد فوزي" أجرأ من تعامل مع الموسيقي الشرقية وكان "عبد الوهاب" شديد الإعجاب بلحن «فوزي» "أنا قلبي خالي ولا انشغل بك" وقال عن "فوزي" إنه بسيط إلي درجة التعقيد!!
"محمود الشريف" كان "عبدالوهاب" يحبه ويحترمه وأيضاً يخشاه ويقول عنه "لو أتيحت له الفرصة لمزيد من التعلم الموسيقي لأصبح أعظم ملحن في العالم العربي" وكان "عبدالوهاب" معجباً بأغنية "محمود الشريف" التي لحنها لليلي مراد "من بعيد يا حبيبي بسلم".. "زكريا أحمد" يحمل ريشة ساخرة في ألحانه وكأنه فنان كاريكاتير بالموسيقي.. وقد برع في تلحين الشطرة الغنائية وليس الحرف أو الكلمة كما كان يلحن من سبقوه.
"أحمد صدقي" ده مش عالم آثار ده عالم تلحين.. ملحوظة: كان "صدقي" فناناً تشكيلياً له تماثيل منحوتة ودارساً للآثار.
"كمال الطويل" صاحب الجملة الشيك ولكنه يزهق بسرعة.. نفسي يلحن وهو قاعد.. "محمد الموجي" سلة ممتلئة بالفاكهة المشكلة الطازجة ولكن أحياناً تجد بعض الثمرات المعطوبة.. ليته يتخلص منها.. "بليغ حمدي" جعل الجملة الموسيقية سهلة إلي درجة أن الناس بدلاً من أن تسمعها بأذنها تسمعها بأي حاجة تانية".. "سيد مكاوي" لم يكن "عبدالوهاب" من المعجبين بأسلوبه.. "منير مراد" جمله شيك تصل للناس بالإيقاع.. وأخيراً فإن "عبد الوهاب" كان يري "عمار الشريعي" موسيقي شاطر!!
أما رأيه في "حلمي بكر" فإن "حلمي" يتحرج من أن يذكر ما قاله عنه وسجله ولكنه يقول.. سبق لبابا شارو "محمد محمود شعبان" أن قال في برنامج تليفزيوني منذ عامين بأنه سأل "عبد الوهاب" عمن يطلق عليه تعبير "ملحن" فقال له اثنان فقط "محمود الشريف" وحلمي بكر!! أما آخر جملة قالها "عبد الوهاب" لحلمي بكر وتلخص رأيه في حالة جمهور الغناء الآن فهي "كان فيه مستمع ومات.. الله يرحمه"!!
********