ع
كان التابعي أمير الصحافة يعرف العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وكتب عنه كثيرا. وكان يحب عبد الحليم وكان العندليب يحبه ويحترم قلمه. لكن في عام 1963 اختلف الاثنان حول بعض مقالات التابعي عن عبد الحليم حافظ. وكان سبب الخلاف اعتقاد التابعي أن عمر الشريف كان وراء إجهاد عبد الحليم وزيادة حالته المرضية.
كان عبد الحليم حافظ قد بدأ يشكو من آلام المرض مع بداية الستينات. وسافر أكثر من مرة للعلاج في لندن. وفاجأ التابعي قرائه ذات يوم عندما كشف حقيقة مرض عبد الحليم حافظ. وذلك بنشر رسالة شخصية بعث بها إليه عبد الحليم من مستشفي سان جيمس في لندن.
وقال عبد الحليم حافظ في رسالة للتابعي من لندن: أن كل ما جاء في تقرير الأطباء عني هنا. أنني شديد الحساسية . وهذا هو بيت الداء. فانا فعلا أعيش باحساسي. وأنا أغني. وأنا أتكلم. وأنا افعل أي شيء. تراني أحسه بكل ما في. وأحيانا أحاول ألا أحس. فأعرف باحساسي أنني أحاول ألا أحس، وأضاف عبد الحليم في رسالته إلي أمير الصحافة : وعلتي أن احساسي دائما حزين . وقد يقول البعض ما لشدة الحساسية التي قررها الأطباء وما لهذا الإحساس ؟ وكما قلت أنت أن أي شخص يحس. يعيش علي أعصابه. وأعصاب الإنسان تتحكم فيه وفي صحته كلها. وأنا أعتقد أن كل شخص حساس. لابد أن يعاني من هذه الحساسية الطبية!
ولم يكن ذلك هو الخطاب الأول الذي يرسله عبد الحليم حافظ إلي التابعي من لندن. كان التابعي قبلها قد كتب مقالا عنوانه الدجاجة التي تبيض ذهبا. اتهم فيه أسرة عبد الحليم حافظ أنها المسئولة عن إرهاقه بالعمل . فأرسل إليه عبد الحليم رسالة ينفي فيها هذه التهمة عن أسرته.
من فراشي بمستشفي سان جيمس بلندن أبعث لك تحياتي واحترامي وحبي
وقال للتابعي في هذه الرسالة عن أسرته: علي العكس أنهم دائما يحدثونني عن راحتي. وأنني لابد لي من الراحة. لكن الذي يعمل هو أنا. والذي يسهر هو أنا. لماذا ؟ لست أدري. انه ليس المال علي كل حال. لأنني لا املك شيئا والحمد لله. وأنا لا أفكر في المال أو في جمعه.
ومن جديد عاد محمد التابعي ليكتب عن عبد الحليم حافظ عندما سافر مرة أخري للعلاج في لندن. وسمع التابعي أن عبد الحليم حافظ يواجه أخطر أزمة مرضية في حياته. واتهم التابعي عمر الشريف وكان موجودا أيامها في عاصمة الضباب بأنه وراء تدهور صحة عبد الحليم. وأنه يأخذه من المستشفي ليسهر معه الليالي الطوال. غير مهتم بأن العندليب مريض وفي حالة صعبة.
وبعد أن كتب التابعي ذلك، فوجيء برسالة عاجلة بعث بها إليه عبد الحليم من مستشفي سان جيمس. ينفي فيها هذا الاتهام عن صديقه عمر الشريف ويدافع عنه بشدة. وفي هذه الرسالة قال عبد الحليم حافظ للتابعي:
أستاذنا الكبير.. من فراشي بمستشفي سان جيمس بلندن. أبعث لك تحياتي واحترامي وحبي . راجيا من الله أن تكون متمتعا بكامل الصحة والعافية.
أستاذنا الكبير.. أكتب لك هذا الخطاب بعد أن قرأت مقالك الذي كتبته عني في آخر ساعة . انه إنذار كله رقة وحب. ولكن هناك شيء هام نزع قلبي. هذا الشيء هو ما جاء في مقالك عن الصديق عمر الشريف.
عمر الشريف هو صديق عزيز عليٌ. وأخ ورجل ومصري مائة في المائة
أستاذنا الكبير.. أنت رجل عادل وكل ما تكتبه حقيقة. وأنا أحب أن أبين لك حقيقة هامة. هي أن عمر الشريف لم يسهرني. بالعكس أنا الذي أجبرته علي السهر معي في تلك الليلة. وقد حاول مرارا أن يذهب بي إلي المنزل. ولكن كنت أرفض! وأنا لا اكتب هذا دفاعا عن عمر. لكنها وأقسم لك الحقيقة. وقد تسأل لماذا فعلت ذلك؟ لقد كنت في ضيق نفسي فظيع. لا أدري له سببا. من أول النهار وأنا في قلق غريب. ذهبت إلي المسرح. وذهبت للمشي حتي أحاول أن أهرب من هذا الضيق. ولكنه ظل كما هو يعبث في نفسي ويهز افكاري. واتصلت بأخي عمر الشريف عن طريق التليفون. وهو صديق عزيز عليٌ. وأخ ورجل ومصري مائة في المائة. وذهبت إليه وجلست معه، نتناقش أحيانا ونلعب الورق أحيانا. وكان عمر كأي صديق يحس بضيقي وقلقي. وكان يقول لي: يا حليم.. كل شيء إن شاء الله حايبقي كويس، خليك مع الله ولا تخف ولا تقلق. بس حاول تحافظ علي نفسك وعلي صحتك.. قوم بقي عشان تنام وتستريح!
وكنا نتكلم عن الفن وعن مصر. انه مصري يا استأذنا. يحب مصر. وأصدقاؤه كلهم من مصر. لم يحاول أن يتنكر لأحد منهم. وعمر سوف يحضر إلي القاهرة. انه في الطريق إليها فعلا. أنها حرب عليه غرضها التقليل من قيمته الفنية. التي يكنها له كل العاملون في الحقل السينمائي العالمي. انه مصري يعمل باسمه ولم يغيره. يعمل من أجل أن يثبت للعالم. أن الفن ليس مقصورا علي أوروبا وأمريكا فقط وقد أثبت ذلك فعلا.
أستاذي الكبير.. هذا هو عمر الشريف. وهذا ما دار بيني وبينه في تلك الليلة. لقد أجبرته علي السهر. رغم أن عنده تعليمات بالنوم الساعة 12 علي الأكثر. ولكنه كان يحس بقلقي وضيقي. نزلت من عنده حوالي الساعة الثانية صباحا.. ورجعت أسير علي قدمي في الطرقات. أحاول أن أنسي هذا القلق.. سرت.. وسرت.. وأخيرا ذهبت إلي النوم. فلم أستطع. أخذت منوما وأنا أكرهه !ولم انم.. قلق.. قلق.. لا أدري له سببا. غير أنه يعبث بكياني.
وظللت إلي الصباح. واستيقظ من معي. وقلت لهم أن يتصلوا بالدكتور تانر فلم نجده. وأخذت حقني ونمت بعض الشيء. ويمضي عبد الحليم حافظ قائلا للتابعي في رسالته: ثم جاء الأستاذ محمد عبد الوهاب وأيقظني. وتناولنا معا الغذاء. وبعدها جاء عمر الشريف. وقال لي: أنا جيت للاطمئنان عليك. لأنك امبارح كنت مش عاجبني أبدا. وانصرف الأستاذ محمد عبد الوهاب وعمر الشريف. وأحسست بالنزيف. ونقلت إلي المستشفي. وتم نقل دم لي . وبعدها توقف النزيف. وبكل جهد مع الأطباء هنا. حاولت أن أعرف سبب هذا النزيف. وعرفت أن الحقن التي يعالجونني بها قد تسبب لي هذا أحيانا. وأنهم ما كان يجب عليهم أن يخرجوني من المستشفي خصوصا وأنني أخذت كمية من الدواء في المدة التي سبقت النزيف.
أستاذي.. إن غلطتي فعلا أنني سمعت كلامهم. وخرجت من المستشفي لأنني ساعة خروجي من المستشفي لم أكن طبيعيا. كنت غير متمالك لنفسي. فكان يجب عليٌ أن أبقي وأنا أدري الناس بنفسي.
أستاذي.. أطلت عليك. ولكني أعرف أنك دائما تكتب الحق. ولقد أردت أن تعرف الحقيقة مني. وكل رجائي أن تنشر للناس هذه الحقيقة. فلقد ظلم الناس عمر الشريف. ولا أريد أن تظلمه أنت أيضا، أبقاك الله وأدامك لي ولبلدك الذي ترفع من شأنه بقلمك، بجواري الصديق الحبيب كمال الطويل. وقد عرف الحقيقة. وهو يهديك السلام والحب، وأنا أيضا