في الذكرى 32 لرحيل حليم... كتب الموسيقي الأستاذ عادل صاموئيل "عازف الكمان في الفرقة الماسيه" شهادته على عصر عبد الحليم حافظ... يسعدني اليوم وبكل الحب أن أقدمها أليكم في ذكرى رحيل العندليب ال37... لنقرأ صفحات من كتاب حليم لم يذكر من قبل... صفحات خطتها أنامل واحد من اللذين عاصروا حليم... بل كان يجلس خلفه ليعزف له ف أغانية وعاش أغلب بروفات أغانيه... واحد من الذين عرفوا عبد الحليم عن قرب... أترككم مع شهادة مهمه... لشاهد على عصر حليم... واود أن أذكر أن الموضوع كتب في منتدانا الأم سماعي....الفرقة الماسية و عبد الحليم حافظ
تميزت العلاقة الشخصية بين اعضاء الفرقة الماسية وعبد الحليم تميزاً شديداً لأنهم بدءوا جميعا من الصفر معا ولكى استطيع ايصال المضمون اليكم علاقتى انا بالفنان هانى شاكر فقد بدأت من اول يوم دخلت فيه كلية التربية الموسيقية وكان هانى شاكر يجلس بجوارى قبل ان يدخل فى دائرة الضوء والفرق كان عبد الحليم بالنسبة لى فنان مشهور وان سنى سنة واحدة لذلك تنشأ صداقة وعمل مبنى على الصداقة ولاتدخل فيه النواحى المادية وكنت الاحظ ذلك فى الفرق بين علاقتهم بعبد الوهاب وعبد الحليم، تحس ان الاستاذ عبد الوهاب الاستاذ الكبير الذى يدخل فيقفون له احتراما كملك ولكن عبد الحليم الى آخر لحظة تحس انه واحد منهم وقد اندمجت انا مع عبد الحليم بسرعة لأنه كان متواضع جدا من السهل ان تصادقه وتندمج معه بلا تحفظات وهناك سبب اهم من ذلك.... بعد رحيل ام كلثوم استمد عبد الحليم طريقة عمله منها وبالذات فى البروفات فالسحر الذى فى فرقة ام كلثوم كان نابعا من عمل 40 بروفة على الاقل للحن الجديد كل يوم فى منزل ام كلثوم مما يجعل اللحن يسرى فى دماء العازف وتحس بذلك من العزف تحس اندماجا غريبا فبدأ عبد الحليم نفس الخطة عمل 40 بروفة او اكثر فى منزله على اللحن الجديد كل يوم لمدة شهر ونصف والالتقاء اليومى قرب بيننا وبينه اكثر وبدأت الالحان تأخذ شكلا جديدا فطريقة ال40 بروفة كانت ليس لأخراج اللحن، فالنوت عندما تكون مكتوبة بدقة نستطيع اخراج اللحن فى ساعة ونسجله فى ساعة ولكن كثرة البروفات اتاحت للعباقرة مثل عبد الوهاب الاحساس باللحن اكثر ومن ثم التعديل والتغيير لدرجة حذف مقاطع كبيرة واضافة مقاطع وتعديل فى الكلمات وتصبح الاغنية مثل فستان العروس الذى يتفنن الخبراء فى تجميله وليلة الحفلة تكون الاغنية وصلت لدرجة اعجاز بحيث لايمكن ان يتم اى تعديل فيها اكثر من هذا لأن كل حرف واكررها كل حرف او كل نغمة حدث لها فحص ومحص وتمحيص فى منتهى الدقة وانا آخذ على مطربي هذه الايام عندما يتعدى احدهم على اغنية من تللك الاغانى ثم يحاولون التجويد او التعديل فيها وانا اقول لهم اتقوا الله تعدلون فى ماذا اوتجودون فى ماذا انتم تتلفون اعمال العظام التى لا تقبل تعديل او تجويد فهى الجودة وهى الرقم القياسى....
وهنا وذكرياتى تتلاحق وخواطرى تتصارع اود ان اقول كلمة خطيرة للتاريخ ولكن قبل ان اقولها امهد لها:-
انت مثلاً لو احتجت الفرقة الماسية فى تسجيل لحن لك توجد اسعار للتعامل فالفرقة بكيانها المستقر وعدد 22 عازف لها اجر محدد ولكن لو طلبت مميزات اخرى مثل عدد عشة آلات نفخ نحاسية هنا الاجر يكون مختلفا او لو طلبت عدد اكبر فى الكورال الاجر يزيد....
وبالنسبة لعبد الحليم كان لتسجيل الاغنية يتقاضى اجرا لتكاليف الاغنية من شركة صوت الفن ( ومع انه كان شريكا فيها ولكن الغناء له اجر وحقه من دخل الشركة ياتى بعد ذلك من تسويق الشرائط ) وهذا الأجر يشمل اجر المؤلف والملحن واجر الفرقة الماسية واجره كمطرب ولكن هذا الاجر فى حالة الاغنية العادية التى من الممكن تاخذ بروفتين او ثلاثة اما بالنسبة لعبد الحليم وانا عزفت معه سبع سنوات كاملة كان عمله مختلف كان للتجويد يحتاج 40 بروفة كما قلت وكان ايضا يحتاج لتطعيم الفرقة الموسيقية بعدد من الكمنجات من امهر عازفى الفرق الأخرى يصل الى خمسة وعشرين عازف بالإضافة الى عازفى الفرقة الماسية ايضا كان عندنا الكورال الثابتين خمس رجال وخمس سيدات وكان عبد الحليم يحب الاعداد الكبيرة فكان بضيف اليهم 40 فردا من طلبة وطالبات المعاهد الموسيقية فتخيلوا ضخامة هذا العدد حوالى مائة شخص و40 بروفة كانوا يقبضون اجرا على البروفات غير اجر التسجيل....
وبعملية حسابية بسيطة نجد ان المبلغ المطلوب اضعاف اضعاف ما كان يتقاضاه من شركة صوت الفن وللتاريخ اقدم هذه الشهادة كان الفنان عبد الحليم حافظ يدفع هذا الفرق الجسيم من جيبه الخاص!!!!! فى السنوات الاخيرة من عمره كان يعمل ويغنى للذكرى والتاريخ وليس للمال واعطاه التاريخ حقه ومازال يحيا بيننا لم يموت عبد الحليم وانما هو باقى مادام الكون موجودا
كان عبد الحليم يسكن فى شقة كبيرة جدا ( اعتقد انها شقتين وتم فتحهما على بعض لتصير شقة واسعة ) وكانت فى الدور السابع من عمارة ضخمة تطل على حديقة الاسماك بالزمالك بالقاهرة والبروفات كانت تتم فى هذا المكان قاعتين كبار جدا يتم اخلائهم من الاثاث ويتم وضع كراسى فراشة فيهم وتصف الكراسى خمسين كرسى للفرقة الماسية بالأضافة الى العازفين الذين يضمهم الينا كنا نجلس وظهرنا لحديقة الأسماك وامامنا خمسين كرسى يجلس عليهم الكورال ( تكون جلسة البروفة دائما على هيئة مربع ) وعلى يميننا الاورج والجيتار والناى والاكورديون والقانون وعلى يسارنا يجلس الملحن والمؤلف وعبد الحليم ولا انسى بجوار الكورال مسافة بعدها يضعون خمسين كرسى للزوار والضيوف والصحفيين.
وكان عبد الحليم من اكرم البشر الذين تعاملت معهم فكان عنده طقم سفرجية ينهالون على الحضور بالمشاريب طول الوقت حتى يحس كل واحد انه فى بيته او كل يطلب ما يريد
ومن اهم ما تربينا عليه فى الفرقة الماسية احترام المواعيد والالتزام بالمواعيد من صور الالتزام بكل شىء، مرة فى اوائل ايامى معهم كان الميعاد الساعة السادسة ذهبت الساعة السادسة إلا عشر دقائق وجدت الاستاذ عبد الوهاب موجودا ومن الخامسة والنصف فإعترانى الخجل منه ثم صرت بعد ذلك عندما يكون الميعاد السادسة اصل الساعة الخامسة والربع....
ومن مميزات عبد الحليم احترام العازف وظروفه وسعادته وحتى متعته زمان ايام عبد الحليم كان الفيديو المنزلى لم يظهر بعد وكانت متعة المثقفين التليفزيون وبالذات برنامج نادى السينما
مرة فى احدى البروفات يوم سبت اثناء البروفة قال عبد الحليم بالحرف الواحد يالا نخلص الكوبليه ده عشان تلحقوا تروحوا تتفرجوا النهاردة على نادى السينما فيه فيلم كذا....
تخيلوا اى مطرب تانى كان مش ممكن يعمل كده كان يهمه شغله ومش مهم انا تعبان او مريض او اى شىء....
من اهم الملحوظات التى احب ان تركزوا عليها فى اغانى زمن الفن الجميل هو التناسق بين ارتفاع صوت الآلات لاتجد آلة قوية تطغى على صوت الآخرين ( كما اليوم ) والايقاع محدد مهذب له درجة ارتفاع محدودة ليخدم العمل ولا يدمره وكانت اهم الآلات الكمنجات فهى التى يستمد منها المطرب السلطنة والدفء وغير مسموح لأى آلة ان تطغى فوق الكمنجات....
وكان الاورج بالذات صوته منخفض جدا وامامه ميكرفون يتحكم منه مهندس الصوت فى مستوى الارتفاع حتى لا يطغى على احد، ومرة هانى مهنى ( واتمنى انه مايزعلش منى ).....
احب يستعرض على المسرح فى احدى الحفلات مع عبد الحليم وكان ساعتها عنده امبليفاير فيندر حجمه مثل حجم الثلاجة ال8 قدم وبه عشر مفاتيح لضبط الصوت احدهم الفوليوم والباقى اكويلايزر وكان هانى مهنى يضبط هذه المفاتيح فى وقت طويل واحس عبد الحليم ان الأورج صوته عالى جدا واشار له ان يخفض الصوت هانى ما سألش فما كان من عبد الحليم ان جاء الى الامبليفاير وقفل اول مفتاح ولم يكن هو الفوليوم وما كان من عبد الحليم ان قفل له كل المفاتيح تشرح لكم هذه الحادثة ان هؤلاء العمالقة كان لابد ان يغنوا فى جو فرقة موسيقة جميلة ناعمة وليس وكأنك فى ورشة مثل اغانى اليوم كنا كل عازف يحترم العازفين الآخرين....
وعبد الحليم كان محبوبا من الغالبية ولكن كان بعض الموتورين يطلقون عنه شائعات ومن اهمها انه كان يدعى المرض وانا امام التاريخ اشهد ان عبد الحليم كان من اتعس البشر لا يغركم الشهرة والمجد كان مريضا جدا وكان يحصل له نزيف عدة مرات كل اسبوع وكان لا يذهب الى الاستوديو او الحفلات إلا بصحبة طبيبه اخاص الذى لايفارقه ايضا وهو مجهز العدة للطوارىء يعنى سيارة اسعاف كاملة جاهزة تأتى عند رنة تليفون ومع كل ذلك لم يحس احدكم بهذا العندليب الاسمر وهو يغنى ويكرر ويفنى على المسرح بكمية الالم التى كان يحسها عبد الحليم وهو يغنى على المسرح كان صديقى وكان بيصعب على كنت اجلس معه قبل ان يصعد الى خشبة المسرح لابد ان يأخذ حقنة كبيرة فى الوريد وقاية حتى لايحدث له نزيف على المسرح تخيلوا ؟ كان ينهى حفلة شم النسيم ثم يتوجه تانى يوم الى لندن ليخضع للعلاج شهوراً....
وكان قبل ان ينزل ليسافر يكتب على باب الحمام الخاص به ( لا اله إلا الله محمد رسول الله ) ويمسحها بعد ان يعود وآخر مرة لم يكتبها وأحس انه لن يعود....
وكل من كانوا يحسدونه وكان من الاثرياء وعلى كل ثروته ( وانا كنت اقضى بمنزله وقتا طويلا احيانا ) هل تعرفون ماذا كان يأكل ؟ ربع رغيف وقطعة من الجبن الرومى او ملعقة من الفول ونصف كوب من الشاى هذا ما كان يأكله عبد الحليم واشهد للتاريخ ايضا انى مرة شاهدته يأكل صباعا واحدا من المحشى صباعا واحداً يا احبائى وذلك بعد مناقشة ودراسة مع طبيبه الخاص وبرغم كل ذلك اعطى واعطى وانتم تعرفون ما اعطى لأنى هنا اركز كلامى على الوجه الآخر الغير معروف للجميع....
عبد الحليم والثورة : كانت ثورة يوليو فى اوائل انتشار عبد الحليم وكانت تحتاج الاناشيد لـتاكيد التفاف الشعب حولها يعنى الثورة فى القاهرة لتصل الى اسوان اسرع شىء النشيد وكان عبد الحليم الفنان المثالى صوت شاب ثائر متحمس يريد اثبات وجوده واعطاهم الكثير وللعلم رجال الثورة كانوا يحبون عبد الحليم اكثر من ام كلثوم لأنهم احسوا انه ابن الثورة يعنى بتاعهم
وتميز عبد الحليم انه الفنان الجميل من اول اغنية الى آخر اغنية كل مرة يزداد صوته جمالا وادائه عمقا وحلاوة كما امتاز بذوق عالى فى اختيار الكلمات والالحان وهذا الذوق ليس عند الاختيار ولكن ممكن بعد ان يسجل الاغنية يحس انها اقل من ما يريد فيحجبها عن المستمعين وهناك اغانى كثيرة ظهرت بعد وفاته كان هو حجبها لم يحس بها ومن امثلة ذلك اغنية حبيبتى من تكون واغنية مين انا وغيرها....
وردودكم الجميلة احبائى وتعطش معظمكم العاشق للفن على معرفة المزيد جعل ذكرياتى تتصارع وتفور ثم تنطلق كالبركان انا اكتب منذ يومين هذا الموضوع ثم اقفل الصفحة لأفكر اقول ما ولا اقول ما.....
وتستوقفنى حوادث عندما اطلق بعض الفاشلين والخائبين اشاعة ان عبد الحليم يقف فى وجه المطربين الشبان ايامه ويحاربهم وانا ارد على هذه الاكاذيب بكلمة انتم تحسوها مات عبد الحليم منذ 32 سنة وترك لكم الساحة مثل ملعب استاد القاهرة فهل خرج منكم من نقول عليه امتداد عبد الحليم ؟؟؟؟؟ طبعاً لا
وانا هنا ايضا وللتاريخ اتكلم اى حفلة عادية كان يشاهدها فى التليفزيون آلاف المشاهدين ولكن حفلة عبد الحليم كان يشاهدها عشرات الملايين على الهواء فى كل البلاد العربية وايضا دول العالم التى كان من الممكن ان يصلها ارسال التليفزيون الذى كان ضعيفا بدائيا فى تلك الايام كان عبد الحليم يغنى وصلتين فى الحفلة وكان يسمح بتقديم فقرات اخرى معه ومن هذه الفقرات قدم المطرب عماد عبد الحليم ولعلمكم عماد ( المرحوم ) كان اسمه عماد على سليمان وهو شقيق الملحن محمد على سليمان وتبناه عبد الحليم واطلق عليه اسمه وجعله يغنى فى حفلة عبد الحليم شهرة اكثر من ما غنى فى حفلات اخرى مئات المرات فهل كان عبد الحليم يقتل المواهب كما قالوا ؟
وعفاف راضى استضافها ايضا عبد الحليم فى حفلاته....
ثم ناتى الى هانى شاكر وكان زميلى فى الكلية كان صوته يبشر بمطرب مرموق وبدا من عند القمة ان لحن له الموجى ثم محمد سلطان ثم انطلق ( وطبعا انا شاهدت هذه الوقائع بنفسى ) ثم كانت اجمل انطلاقة ان بدأ هانى شاكر بأغنية سيبونى احب وعلى الفرقة الماسية فى اول حفلة وانتم تعرفون ان الفرقة الماسية معناها تاج على رأس المطرب ولو كان عبد الحليم يحارب المطربين الشباب لكان بكلمة فى التليفون قال لأحمد فؤاد حسن ما تشغلوش ولو غنى هانى شاكر على اى فرقة اخرى لتاخر مقدار نجاحة عدة سنوات لأن الفرقة الماسية بأدائها الرائع تعطى المطرب درجة عالية من جودة الاداء والطرب تجعله ينطلق ويحلق فى الفضاء.
وانا لا ادعى انى فيلسوف ولكنى مفكر , اتفكر فى مختلف الامور وافسلفها بطبيعتى لأن لى خبرات فى امور كثيرة جدا غير الموسيقى كما اثر فى الالتحام بالعمالقة فترات طويلة نضجت عقولهم الفذة على عقلى وعلى تفكيرى فصارت لى فلسفتى الخاصة وممكن اسمحوا لى ان اتكلم منها:-
انا فى يدى قلم لو وضعته على الارض ثم يوما آخر لو صعدت الى جبل عالٍ ووضعته فوقه فهنا يقال انى وضعت القلم على قمة الجبل والاولى وضعت القلم على الارض والفرق كبير بين الارض التى يطأ الكل بحذائه وبين القمة التى لايصل اليها غير كل عبقرى ومبدع
والجبل هنا عشرات الفنانين وعبد الحليم بقوته وصل الى القمة وتربع عليها وتخيلوا لو عبد الحليم اراد الانفراد بالقمة وهدم هذا الجبل فسيكون مكانه على الارض ؟ فلا يوجد شىء اسمع المطرب الواحد او الممثل الواحد لأنه سيكرر نفسه ويصبح سخيفا وقد ينصرف عنه الجمهور ولكن الجميل ان يكون هناك عدد من المطربين الجيدين ثم حصول منافسة بينهما مع التجديد وعوامل اخرى تجعل منهم من يستحق ان يتربع فوق القمة.
مثال آخر لو احد اصحاب محلات الصاغة يمتلك محلين الاول فى حى الصاغة وسط عشرات المحلات التى تبيع المشغولات الذهبية ويمتلك محلا آخر فى حى آخر يكون المحل منفردا وحيدا ستجد ان المحل الاول الذى فى حى الصاغة يبيع ويكسب اضعاف اضعاف الثانى لأن وجودة فى بيئة تتعامل فى الذهب يدخلها كل يوم مليون زبون غير المحل الآخر الذى يدخله كل اسبوع زبون واحد وعادة يكون داخل يتفرج ولا يشترى , تلك هى الحال احبائى فى الطرب فوجود المطرب الاوحد مثل محل الذهب الثانى ولكن وجود عدد من المطربين مثل محل الذهب فى حى الصاغة والبقاء للأصلح....
خاطرة اخرى وبالذات للشباب ما مفهوم الشىء الذى له قيمة ؟ فى نظرى الشىء الذى لايبلى ولا يفنى ولا تنتهى مدة صلاحيته....
حضرتنى هنا مناقشة ساخنة جرت امامى بين عازف الايقاع المبدع الاستاذ حسن انور وبين احد الاشخاص كانت ايام عبد الحليم وكان ايامها الرئيس نيكسون يحكم امريكا وكانت المناقشة مين احسن او على الاصح مين قيمته اكبر الرئيس نيكسون ولا عبد الحليم؟؟؟ واحتد حسن انور وقال عبد الحليم طبعا ً.... وكان ذلك كما قلت فى عز حُكم الرئيس نيكسون ايام كان الرئيس الامريكى يحرك الكرة الارضية بأصبعه ولو فكرت فيها موضوع لا تستطيع ان تبدى رأيك فيه بسرعة لأنه محتاج تأنى ومقارنات ولكن اليوم بعد اكثر من 30 سنة اين عبد الحليم واين الرئيس نيكسون واى رئيس له محبين وله اعداء ولكن عبد الحليم له محبين فقط وانظر الى تراث عبد الحليم الباقى والى تراث الرئيس نيكسون ؟؟؟؟ واكتملت تلك الفكرة منذ عدة سنوات وانا اذكر الحودث البعيدة والقريبة كانها حدثت امس مرة دعيت الى حفل وكان الرئيس نيكسون فى القاهرة وصافحته كان شكله رجل عجوز لا يلفت نظرك بعد ضياع الهيمان ومظاهر السلطة والامن والمحيطين ولما صافحته بيعرفنى بنفسه قال لى ريتشارد نيكسون طبعا صعب على وقلت له احنا نعرفك جيدا ياسيادة الرئيس وقلت له كلمتين حلوين بس برضه صعب على يعنى انت لو رأيته فى الشارع ممكن ماتعرفوش!!!!!
اما عبد الحليم مرة اضطرته الظروف الى الذهاب الى ميدان روكسى لطبيب اسنان ( لأن عيادة الاسنان لاتنقل ) انا ذهبت معه ويومها لست ادرى كيف عرف الناس ان عبد الحليم فوق والتف حول العمارة عدد من الناس اضطررنا لأحضار سيارتين مطافى لنخرج عبد الحليم من العمارة اتدرى لو كان الرئيس نيكسون عند نفس الطبيب كان يحدث ذلك ؟؟؟؟
كان عبد الحليم اول ماعملت معه يغنى فى الحفلة وصلتين فى الوصلة الاولى يغنى الاغنية الجديدة وفى الثانية يغنى الاغنية التى قبلها وذات مرة قرر ان يغنى احدى اغانيه الجميلة القديمة فقرر ان يغنى اهواك , وفى البروقة قال انا عايز اغنى اهواك فرد عليه احد المتحذلقين من الفرقة فين النوت الموسيقية ؟ فرد عليه عبد الحليم يكلمو ( هى كلمة وحشة!!!! )
وقال له فيه حد فى مصر مش حافظ اهواك ( وهذا كلام عبد الحليم بالحرف الواحد ) وانا ذاكرتى تسجيلية فوتوغرافية لا انسى اى كلام قيل امامى وتلك الذاكرة تنفعنى فى حفظ الاغانى فأنا احفظ الاف الاغانى المهم اعود الى كلمته فيه حد فى مصر مش حافظ اهواك ؟
الجملة بسيطة فى حد ذاتها لكن كبيرة المضمون ان هذا الفنان كل الشعب يحفظ اغانيه اما اليوم نحن 85 مليون كم شخص منهم يحفظ اغانى فلان ؟ وحتى لو وجدنا من يحفظ اغانى فلان تكون شريحة وليس كل الفئات ولكن عبد الحليم كان الكل يحفظ اغانيه
وتتدخل لهفتى واخاطبكم لو قلت لكم عن بعض الاسماء المعروفة بدون تفكير لو قلت قارة افريقيا , الشمس , هرم الجيزة , انت عمرى , ميدان التحرير لاحظوا هنا انا قلت خمس كلمات يعرفها الجميع وكلمة انت عمرى جاءت كلمة عادية فى وسطهم لم يستغربها احد منكم!!!!
وهنا تظهر قيمة عبقرية الفنان الذى عمل تلك الاغنية انه صنع اغنية الشعوب كلها تعرفها مثلها مثل اى مسمى عادى آخر لن اجد من يقول ايه انت عمرى دى ؟ وخذ على ذلك كل اغانى ام كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب يعرفها الجميع
عادة ما تستوقفنى كلمات جميلة اغذى بها وجدانى وكلمات خائبة تجعلنى اسير بشريط ذكرياتى وافكارى , وافكارى تعود الى خمسة آلاف سنة الى الوراء وعلى الاقل خمسين سنة الى المستقبل مرة كنت اتفرج على التليفزيون المصرى وشاهدت لقاء بين احد من يغنون اليوم ومذيعة سطحية تنظر اليه بانبهار وتتحدث معه على انه فتح عكا ( وعادة كل طائفة من الناس عندما يجتمعون يكون لهم نوع من الحوار تتدخل فيه مهنتهم ) فلو جلست مع مجموعة من الاطباء مثلا سيكون محور كلامهم عن الطب ولكن اهم شىء انك تحس من كلامهم انهم اطباء ونفس الشىء لو مجموعة من المهندسين ستحس انهم مهندسين ولو مجموعة من الموسيقيين ستحس انهم موسيقيين لأن كل منهم لهم طريقة فى التحدث اما هذا الذى كنت اسمعه شىء ليس له علاقة بالفن كلام غريب وجاءت صدمتى الكبرى عندما قال للمذيعة المبهورة بالحرف الواحد : اصل انا طبعا لما بغنى فى الشريط بيبقى مش بصوتى الطبيعى؟؟؟؟؟
صعقتنى هذه الكلمة الخائبة وودت ان ادخل اليه فى التليفزيون واقول له امال حتغنى بصوت مين يابابا ؟ حا تستعير صوت واحد تانى تغنى بيه ؟ وطبعا كان الرد ان فى الاستوديو يضيفون مؤثرات صوتيه تخلق لهذا الشخص الذى ليس له صوت صوتا اى صوت صناعى وسرحت بخيالى بعد عشر سنوات اليوم عندما تجلس لتاكل دجاجة يوضع اماك فى الطبق دجاجة طبيعية بنت دجاجة بنت دجاجة اما بعد عشر سنوات وعلى طريقة هذا المطرب سيضعون لك فى الطبق دجاجة مصنوعة من منتجات بترولية او من الياف صناعية
وانا مثل مصطفى امين ممكن عندما يغيظنى شىء اكتب فيه 500 مثال تخيلت فتاتان احدهما شعرها جميل جدا وتحرك رأسها يمينا ويسارا تتعجب بشعرها وفتاة قرعة لابسة باروكة تتعاجب بشعرها ولكن بشعر الباروكة فهل الاثنتان متماثلتان ؟ فى هذه الايام الاثنتان متماثلتان لإنعدام التذوق العام وسرعان ما تذكرت عبد الحليم فى فيلم حكاية حب فى المشهد التاريخى عندما قابل مريم فخر الدين على البحر وطلبت منه ان يغنى بتلومونى ليه لاحظوا انه كان يتكلم بصوته الطبيعى ثم بدأ الغناء بصوته الطبيعى ثم بدات الموسيقى تتسلل تحته بخفة وهو بصوته الطبيعى ايضا هذا هو ما يسمى بالمطرب يا احبائى بصوته الطبيعى وليس بالمؤثرات الصوتية مثل بطل فى رفع الاثقال يرفع امامنا 200 كيلو حديد ومدعى البطولة يرفع امامنا ما مكتوب عليه 250 كيلو ولكنها عبارة عن كرتان من الصفيح المفرغ وزنهما نصف كيلو والاول بطل هل تعتبرون الثانى بطل ؟ اليوم يعتبرون الثانى بطل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انا آسف اطلت عليكم هذه المرة ولكن الموضوع يحتاج مئات الصفحات واحاول الاختصار
ايام عبد الحليم والذين معه كانت الاصوات تنقسم الى اصوات رجالى واصوات نسائية وصوت الرجل لابد ان يكون صوت رجل وحركاته وملابسه لابد ان يكون مظهره مظهر رجل واليوم اهم ما يميز من يغنون التخنث!!!!!
ولو تخيلتم معى شكل عبد الحليم وهو يغنى وملابسه وحركات يديه وانفعالاته وانتم تحفظونه تخيلوا معى لو وصلة غنائية فيها 3 اغنيات الاولى عاطفية بصوته وملابسه وحركاته مقنع ولو الاغنية الثانية نشيد وطنى بنفس صوته ونفس ملابسه ونفس حركاته مقنع جدا ولو الاغنية الثالثة اغنية دينية ايضا تلاحط العناصر الثلاثة صوته وملابسه وحركاته تعطيك الخشوع الدينى والاقناع ولو فصلنا الاغانى عن بعضها ثم اذعنا الاغنية العاطفية فقط فهو رائع ولو فى مناسبة وطنية واذعنا النشيد فهو رائع ولو فى مناسبة دينية اذعنا الاغنية الدينية فهو رائع ورائع، هذا هو الفنان يا احبائى الذى تربع على القمة اثناء حياته ومازال متربعا على القمة بعد رحيله بجسده فقط ولكنه موجود انا لا اتذكر ساعتين 120 دقيقة لم اسمع فيهم صوت عبد الحليم يتردد فى الاذاعات او القنوات اللتليفزيونية صوته يقول انا باقى وساطع مثل الشمس.....
وتلاحظوا من ايام عبد الحليم الى اليوم كم اغنية وطنية ظهرت ؟ كم اغنية دينية ظهرت وهل يستطيع من يغنون اليوم ان يغنوا بطريقتهم هذه نشيد وطنى ؟ هل يستطيعون بتخنثهم هذا ان يغنوا نشيد دينى ؟ كلمة واحدة هيهــــــــــات
وفى نهاية كلماتى التى لن توفيه حقه اسمحوا لى ان اتكلم عن الحركة الأخيرة فى سيمفونية عبد الحليم الدامية والفصل الاخير فى مسرحية عبد الحليم المحزنة ما عاصرته بنفسى دقيقة بدقيقة
وجزء من ملحمة لم يذكرها التاريخ .
ارجو التوضيح ان كلماتى التالية والسابقة كلها وجهات نظرى واحاسيسى ولم انقل كلماتى عن احد ورواية لما كنت اراه ولكن بقلبى ومشاعرى
عادة المطرب الكبير والذى يتعامل مع العمالقة مثل عبد الوهاب يكون عنده مثل مايسمى بالخطة الخمسية يعنى عبد الوهاب عندما تعطيه اغنية ليلحنها لاتحدد معه وقتا لأنتهاء اللحن واقل وقت ممكن سنة وهو الذى يطلبك لاتزعجه انت لذلك يحتاج المطرب مثل عبد الحليم اغنية للسنة القادمة واغنية عبد الوهاب السنة التى تليها وهكذا وكانت الاغنية التى على قائمة الانتظار ( وذلك فى السنة الاخيرة من حياته ) اغنية لبليغ حمدى اسمها هو اللى اختار والسنة
التى تليها من غير ليه ثم السنة التى تليها قارئة الفنجان , كانت مشكلة عبد الحليم المرض فى تلك السنة احس انها آخر سنة فى حياته لأن مرضه وصل الى مرحلة خطيرة فقد بدأ كبده المتعب فى التعطل بنسبة كبيرة يستحيل مهعا الحياة عدة شهور وكانت عمليات زرع الكبد فى مراحل بدائية وخطيرة وغير مضمونة العواقب وحسب ما سمعت من المقربين اكثر منى اخبره الاطباء بضرورة استئصال الكبد ومن نتائجها انها ستمنع عنه النزيف المستمر لكن لها نتيجة عكسية خطيرة انها تصيب الانسان بفقدان ذاكرة جزئى وقال امامى عبد الحليم بعد ان شرحوا له الحالة بالحرف الواحد ( وبلهجة لا تخلو من التهكم ) يعنى انا اروح الحفلة اغنى سطر من اهواك وادخل على ظلموه والقصد كان ليس تهكميا وأنما مأساة والحقيقة أنه قد يذهب الى الحفلة وعندما يبدأ فى الغناء قد ينسى حايغنى ايه اصلا او هو مين وواقف على المسرح عشان يعمل ايه ..... طبعا شعور قاتل لفنان فلم يبقى سوى حل من اثنين استئصال الكبد او انتظار الموت واختار عبد الحليم الموت بدلا ان يحرمه القدر من الغناء .
ولو تلاحظوا احبائى لو جمعنا كل ماغناه عبد الحليم كل كلمات اغانيه فى كتاب واحد لسميناه الحب يتكلم او كل الحب لم يترك كلمة جميلة فى الحب إلا وقالها واختار ان يكتبها له المؤلفون , وكانت كل تلك الكلمات الجميلة التى كان المحبين يتعلمون منها العشق عن حبيبة ملموسة اختار مثلا من بين آلاف الكلمات لو شفتم عينيه حلوين اد ايه حبيبة موجودة لها مكان وعنوان يلتقى بها ويراها يمسك يدها ولكن الصورة الجميلة طغت عليها صورة قاتمة محزنة عندما احس عبد الحليم ان هذه المرة آخر اغنية يغنيها فى حياته التعيسة واختار ان ينهى حياته بلحن لصديقه الحبيب محمد الموجى الذى بدا معه حياته واختار قارئة الفنجان والتى كان مقررا حسب الخطة الخمسية ان يغنيها بعد ثلاثة اعوام وكان تركها للموجى ان يلحنها فى وقت مفتوح غير محدد والصدفة البحتة التى جعلته يتشبث بالأختيار كلمات الاغنية الغريبة والتى كانت تجسيدا لأحاسيس عبد الحليم تلك الايام وانا عن نفسى قد يكون نزار قبانى الذى كتب فى كل المواضيع لم يحس بالاحاسيس التى شعر بها عبد الحليم وانما كتبها فى لحظة قد تكون مجنونه.... قد تكون عبث.... قد تكون خيال.... قد تكون دخول الى عالم ساحر.... لكنها تطابقت مع ظروف عبد الحليم فى تلك اللحظة تطابق غريب وتستحضرنى هنا بعض كلمات الاغنية:-
اولاه بدأ بالموت : يا ولدى قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب وانا من وجهة نظرى هنا المحبوب هو الغناء وليس حبيبة بعينها اصلا اختار الموت حتى لايحرمه المرض منه
ثم تتوالى الكلمات الحزينة بصرت ونجمت كثيرا لكني لم اقرأ ابد فنجانا يشبه فنجانك ( والمقصود فنجانا تعيسا مثل حياتك يا عبد الحليم واحزاناً تشبه احزانك : الطفل الفقير اليتيم اذ ماتت امه بعد ولادته وكرهته العائلة تخيلت انه نحس وانه هو الذى قتلها وتمنوا ان يلحق بها
وتكون حياتك كتاب دموع وبالفعل كانت حياة عبد الحليم كتاب دموع
واستوقفتنى كلمات : وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار فالحب سيبقى ياولدى احلى الاقدار
وهنا جففت دموعى وتحسست المعانى فى هذه الجملة برغم الالم فالحب سيبقى والحب هنا حب الناس لعبد الحليم هو احلى الاقدار فقد عشق الناس عبد الحليم اكثر من مئة مليون عشقوه ومازالوا حتى بعد رحيله ب32 سنة سنة يعشقه من رآه ومن لم يراه وتلك هى احلى الاقدار لم يحظى كبير ولا ملك ولا رئيس بكل كمية هذا الحب .
ثم ابكتنى مرة ثانية عبارة : وسترجع يوما ياولدى مهزوما مكسور الوجدان ابكتنى طويلا هذا العملاق بكل ما وصل اليه من مجد وحب الملايين له عاد الى المستشفى فى لندن خرج من بيته لآخر مرة ذاهبا للطائرة التى ستقله فى رحلة لندن لآخر مرة لا لشىء إلا ان العلاج هناك كان يخفف الآلام قليلا خرج من بيته مهزوما مكسور الوجدان وعزائنا فيه انه استراح من المه وعذابه ولكن ترك لنا تراثا من اجمل اغانى الحب، شحن عواطفنا ومشاعرنا بما لم يأتى به قبله وما لن يأتى بعده لذلك هو باق مادامت البشرية موجودة .....
واكسر نبرة الحزن بكلمات فنية كان كما قلت اعطى الاغنية لمحمد الموجى يلحنها براحته وامامة سنتين ( بلغة اهل مصر ينقنق فيها ) وعندما فاجاه وطلبها كان الموجى قد لحن الكوبليهات فقط ولم يضع حرفا واحدا فى المقدمة ولا موسيقى الكوبليهات وهنا اعتقله عبد الحليم عنده لكى ينجز باقى اللحن وهنا فى هذا اللحن قد يكون شعور عبد الحليم انتقل الى الموجى نفسه احس الموجى انه آخر مرة حا يلحن لعبد الحليم او على الاصح آخر لحن كبير سيلحنه ايضا لكبير فى حياته لذلك افرغ فى هذا اللحن عصير عمره الموجى القديم والموجى الاوسط والموجى الحديث فخرج اللحن تحفة فنية ايضا لم يترك عبد الحليم امكانية إلا قدمها ومن اهمها الاستعانه بمجدى الحسينى بجوار هانى مهنى لكل منهم لون خاص جمع حليم بين اللونين وكانت قارئة الفنجان احلى ماغنى عبد الحليم واحلى مرة كان صوته فيها حلو واحلى اداء .
ختاما اتوجه بخالص الشكر لصديقى وحبيبى الفنان عبد الحليم حافظ لأنه اعطانى المادة والذكريات لأكتب هذا الموضوع الذى اتمنى ان يحوز رضاكم واتمنى ان اكون ما قصرت فى حقه لأن حقه على اكبر من هذا بكثير.
الرئيسية 
كيف تعرفت على الرابطة؟ 
من طرف 
موضوع: في ذكراه ال37... الأستاذ عادل صاموئيل عازف الكمان ف الفرقة الماسية وذكريات عن حليم... شاهد على العصر 
