في رحاب صوته

في "قارئة الفنجان" بحفل الشيراتون 23 يوليو 1976 خرج عبد الحليم حافظ عن قضبان الغناء الجامدة وأطره التقليدية، فراح يمارس التجريب بوعي مدهش، واستطاع بحساسية صوته الباذخة أن يدمج أنواعا منوعة من المقامات، عبر تهويمات نادرة تشبه المواويل، من توليفة مقامات، كان يصفها محمد عبد الوهاب "بالحتة التركي الحلوة اللي في صوتك" جامعا في آن بين الشجن والدفء والفرح والفقد والتحسر والترجي والاستعطاف والوجع لاسيما في الكوبليه الأخير الذي لم يكن ضمن القصيدة الأصلية، قبل أن تتم معالجتها لتكون صالحة للتلقي من جمهور عام، أضاف نزار قباني ذلك الكوبليه "ستفتش عنها" للقصيدة تحت وطأة طلب عبد الحليم وإلحاحه، ما أعطى للقصيدة عمقا كبيرا، لا يخفى على ذي لب وبصر وأذنين، كان حليم يضغط على بعض الأحرف ضغطا رقيقا، للتتحول الكلمات إلى قطع ملموسة من المعاني، يكاد المتلقي أن يمسك بها وهو في دهشة الحضور والتماهي، الحضور الروحي للمغني وتماهيه فيما يغنيه ليسكب حالة وجدانية ودرامية عارمة على القصيدة، تنتقل جذوتها دون شك إلى من كان له قلب أو ألقى السمع محلقا في عالم من الاكتمال الفني، والنضج الذي كان العندليب قد بلغ ذروته دون منازع، مشكلا ملامح مدرسة فنية تتخذ من الدراسة المعمقة، والبحث عن الجديد، والإخلاص في العمل، وبساطة الأداء وصدقه، دعائم أساسية للنجاح والبقاء .