موضوع: "جاي الزمان" فيلم لدينا محمد حمزة... فيلم تسجيلي عن مداح القمر شاعر ال1200 أغنية... الثلاثاء 14 يونيو 2016 - 14:05
محمد حمزة صاحب الـ 1200 أغنيه جاى الزمان يداوينا! مجلة صباح الخير.... 14 يونيو 2016 كتبت : د. عزة بدر ذهبت تبحث عن أبيها فى عالم الحنين ومعها باقة من الورد الحزين، فى كفها نظارته الطبية، ومسجل صغير ومطلع أغنية أخيرة، وحافظة جلدية، وعدد من شرائط التسجيل، فأخذتنا معها إلى كل معنى جميل، إلى كل جمال مستحيل، إلى ألف ومئتى أغنية. دينا ابنة الشاعر الكبير محمد حمزة التى استطاعت بفيلمها «جاى الزمان» أن تحول فصول الزمان إلى فصل واحد فقط، هو الربيع، لأن أباها كان يهدينا فى كل ربيع أغنية يغنيها حليم، محمد حمزة الذى كان يحمل لنا فى كل مرة كلمات سحرية يحيل بها حياتنا إلى نغم، وليالينا إلى حلم طويل بالحب فنمس بأيدينا الأنجم ونكتشف كل ليلة أن القمر نفسه لا يضىء إلا فى ليالى العاشقين. • مداح القمر اصطفى شاعرنا لنفسه كنية، وكتب لنفسه فى عالم الأغنية اسما على مسمى، كتبه على قلوب عشاق كلماته فأصبح خالصا له وحده، نذكره به نرى أقمار الليل ساطعة فى عز الشمس، تتبدى مفضضة مكحولة الهدب فهو محمد حمزة لكن اسمه الحقيقى الذى ولد به فى قلوبنا هو مداح القمر. »عاشق ليالى الصبر مداح القمر، عشق العيون السمر غوانى السهر، لولا النهار فى جبينك، لولا الورود فى خدودك، لولا الزمان فى وجودك لا كنت هويت ولا حبيت، ولا حسيت بطعم الحب يا عمرى«. ذهبت دينا وحيدة لتبحث عن أبيها فى عالم الذكريات ومعها منديل كبير أبيض شاسع الأطراف ينهمر علينا بالدموع فأهدتنا سماء قريبة ومطرا شفافا طهورا يُسقى به كل العاشقين فى الليل فيصبح نهارهم ليلا، وليلهم نهارا. »موال، موال عاشق بقيت موال، وقصتى بتتقال للناس وللعاشقين، قالوا فى الموال، قالوا على اللى صبر ونال، قالوا من بعد صبر سنين، قالوا ده أنا اللى قلبى خلاص ارتاح أنا، قالوا فى دنيا الأفراح أنا، ومشيت يا ليل مشوار طويل، ولا قلت مرة مستحيل، ومشيت على الشوق فرجعنى، لحد الحب ما طاوعنى مشيت، وبقيت أنا والحلوة حكاية، عمرها ما حتبقا لها نهاية، طول ما أنت يا حبيبتى معايا، حاتنوريلى أيام عمرى.« فهل يمكن أن يولد من قلب الحزن فرح؟ وهل فى عالم الغياب قد تكون هناك دنيا أخرى من الأفراح؟ هل كل المطلوب أن يمشى المرء على الشوق حتى يطاوعه الحب؟ وهل الدرب طويل من ربيع إلى ربيع؟ أنظر إلى شاشة الفيلم الفضية، أتأمل أول مشهد: فستان الفتاة التى أحبت عبدالحليم ذات ربيع، ويوم وفاته.. ذهبت إلى العزاء بفستان منقوش بالورد، فستان بهيج فى وسط فساتين العزاء السوداء بقعة ضوء كبيرة من ندى وورد، تلطم الشاشة الفضية بجناحين من بهجة فى وسط الحزن، الفتاة تخلع نعليها.. وتقفز من الشرفة بفستانها الملون.. تنتقل انتقالا سريعا من عالم الأفراح.. والأغنيات البهيجة إلى عالم الغياب.. ودنيا الحنين.. نعم يولد الحزن من قلب الفرح.. ويولد الحزن أحيانا فى ثوب ملون.. فالحزن والفرح توءمان، كما أن الحياة والموت توءمان تبدأ بأحدهما حياة المرء وتنتهى بالآخر دنياه.. أهكذا أرادت أن تقول دينا فى فيلمها «جاى الزمان».. عندما تذرف الطبيبة النفسية دموعها وهى تشد على أيدى المحزونين فى أحد مشاهد الفيلم.. وتهمس «لست وحدك» لا تحزن فالموت امتداد.. الموت حياة وليس فناء. يتذكر كل منا من فقد، من ذهب إلى الأبد.. لليتم الآن أجنحة ترفرف فى ساحة عرض الفيلم.. أجنحة فضية تشبه أجنحة فراشات تحلق فى عالم آخر.. بعض الفلسفات ترى أننا نتحول إلى كائنات أخرى ونعود إلى الحياة.. التراب الذى نصير إليه يدخل فى نسيج لحاء شجرة، فى جذر نبات، فى تربة لا تلبث أن تتوهج بالنبت والثمر قد يتحول المتوفى من تراب إلى كائنات أخرى تحمل روحه، وأنفاسه وعطره وأحلامه، وأشواقه، وذكريات حبه، وخفقات قلبه، ألهذا قال الشاعر أبو العلاء المعرى «خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد». قد ترى الأم الأب الراحل فى وردة على غصنها، أو ترى الأم الفقيدة فى جناحى عصفور، قد ترى فقيدك فى حبة قمح، فى منقار يمامة، بين طيات العشب، فى حواصل طيور تغدو خماصا وتعود بطانا، قد ترى فقيدك تلامسه أو تراه رأى العين ذات ربيع، عندما يتحول الزمن كله إلى فصل واحد فقط هو الربيع. أمضى معها.. أمضى مع دينا محمد حمزة وهى تبحث عن أبيها لأبحث عن أبى، فى قاعة السينما أراه الآن إلى جانبى، أسمع صوته، وأحتضن بسمته، أستدعيه، من دنيا الغياب، تجهش فتاة فى قاعة العرض وتحتضنها أخرى، وجدت بجوارها فقيدها فجأة، مع كل مشهد من الفيلم يعود الغائبون إلى عالمنا، يجلسون معنا أشم رائحة أبى، وتسمعنا دينا حمزة خلجات قلب أبيها. • حاول تفتكرنى ينبعث صوته هادرا فى أسماع الدنيا.. ينطلق كيمامات بيضاء مدوخة بالحنين استقرت فى جنبات الشاشة الفضية لبعض الوقت ثم رفرفت حولنا تحمل رسائل شوق إلى أعز الناس.. إلى الذين غابوا عن حياتنا ولكنهم يعيشون فى قلوبنا يرسلون رسائلهم للأحياء. خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد. ثم رسالة من حليم، وبليغ وبخط محمد حمزة «حاول تفتكرنى»: «لا فكرنا زمان يعاندنا، وعشنا الحب بالأيام، وكان بكره فيه أمان، وأتارى كل ده أوهام، وسافر من غير وداع، فات فى قلبى جراحه، وبت فى ليل السهر، والعيون ما ارتاحوا، ومنين نجيب الصبر يا أهل الله يداوينا، اللى انكوى بالحب قبلينا يقول لينا، سافر من غير وداع، من غير وداع». • من حزن إلى فرح فى رحلة طويلة يأخذنا الفيلم.. من مشاهد مختلفة فى دور الحياة إلى أمكنة تحمل رائحة الموت والصبار، من عالم الأضواء والشهرة إلى صوت الخفوت والاختفاء، رحلة باقة ورد من عالم الحب والأحياء إلى عالم الغياب، حيث لا تسمع فقط سوى الصدى، تستعيد نبرة الصوت، وارتعاشة الشفة، واستدارة إنسان العين، وإغماضة الجفنين، تذهب فتلتمس ما بقى من فقيدك نظارة طبية، نظارة شمسية، مسبحة، زجاجة عطر.. تتفقد البذلات ورباطات العنق، المعاطف وللدهشة تجد أن كل ملابس الصيف والشتاء قد تحولت فى لحظة إلى ملابس خفيفة للربيع، يتحول لون الكفن الأبيض إلى ألوان قوس قزح إلى فستان من ورد قفزت به فتاة عاشقة لحليم من نافذة الدنيا لترى عالم الحنين فنخرج من حزن فقدها إلى ألوان قوس قزح.. إلى فستان من ورد يبدو كخيمة تظلل الدنيا وصوت ما يهمس: «لست وحدك» تشتكى الفقد أو تشتكى الغياب ولكن فى وسعك أن تتذكر وتغنى.. «حاول تفتكرنى.. أبقى افتكرني/ ولو مريت فى طريق مشينا مرة فيه/ أو عديت فى مكان كان لينا ذكرى فيه/ ابقى افتكرني/ حاول تفتكرنى». • فيلم روائى وتسجيلى معا نجح الحزن أن يأخذ بيد دينا حمزة إلى إنجاز فيلمها الذى يحمل إبداعها إلى المهرجان الدولى للسينما الأفريقية بالأقصر ثم إلى قاعة «الزاوية».. القاعة الصغيرة التى ضمتنا ذات ليل، ومشت بنا إلى عالم الحنين، الفيلم التسجيلى والروائى الذى نجحت مخرجته دينا حمزة فى أن تجعل من أسرتها الصغيرة أبطالا فى فيلم روائى وتسجيلى فى آن: أخوها أحمد، وأختها دعاء وزوجها عماد، وطفلتهما فاطمة، وابنة عمها وأولادها. مشاهد تسجيلية من سبوع فاطمة ومن أعياد ميلاد أسرية، ومن جلسات أدبية وفنية كانت تعمر بها دار الشاعر الكبير محمد حمزة رأينا فيها: أحمد فؤاد نجم وهو يلقى قصيدة عن ابنته نوارة، ورأينا فيها صلاح السعدنى، ومحمد منير.. صور عائلية تبدو فيها فاطمة مختار المذيعة اللامعة، زوجة محمد حمزة، وصورة الراحلة العزيزة مع الشاعر الكبير.. ومشاهد من بيت عبدالحليم.. والمكان الذى شهد جلسات العمل الفنية بين حليم ومحمد حمزة، وبليغ حمدى، ومشاهد تسجيلية من الصبوحة، من مجلة «صباح الخير»، أتملى اللافتة الخضراء السندسية التى تحمل اسم المجلة بحروف مذهبة، تلك التى ألمسها فى الذهاب وفى الرواح فيشع نور الكلمات فى قلبى.. المقالات.. الأشعار.. الأغنيات التى تغنى بها فنانو المجلة وشعراؤها جيلا بعد جيل.. كتابات محمد حمزة على صفحات المجلة والتى كان يكتبها تحت عنوان: «إلا إذا» ومقالاته الرياضية، ثم يعرض الفيلم لمشاهد تسجيلية عن رؤى جمال بخيت ومحمد هيبة ورشاد كامل لعالم محمد حمزة وقد عرفوه عن قرب.. يغدو كل ما فى الفيلم حميما وقريبا، وخاصة عندما ينتقل بنا إلى أحداث عايشناها ومراحل مررنا بها وتكون أغنيات محمد حمزة فى هذه الفترات تأريخا فنيا ووثائقيا للحالة الاجتماعية، والسياسية للوطن.. ففى أغنية لنجاة فى أحد مشاهد الفيلم وهى «الطير المسافر». يؤرخ فيلم «جاى الزمان» لرحلة الاغتراب والسفر بسبب الظروف الاقتصادية، وتأثير ذلك على أحوال الأسرة المصرية من خلال الأغنيات التى كتبها محمد حمزة وأشهرها ما تغنت به نجاة : «وبعتنا مع الطير المسافر جواب وعتاب، وتراب من أرض أجدادى وزهرة من الوادي/ يمكن يفتكر اللى هاجر إن له فى بلاده أحباب/ وبعتنا وقلنا يا نور عيونا/ ليه بعدت عنا وحكايتك إيه؟ زهرة قلوبنا دبلت ودبنا من غير حبيبنا يرويها إيه؟!». • روح المقاومة.. وأغنية الحرية والنصر تألق هذا الفيلم بين جمهوره لأنه لم يخاطب المشاعر الذاتية فقط من حزن وفقد وحب مرهق، يتوتر بين فراق ولقاء، ولكنه أبرز القضايا والأحداث العامة التى أسهم فيها الشاعر بكلماته وكانت أغنية «فدائى» التى صورت مشاعر المواطن بعد 1967، الأغنية التى غناها حليم فبثت روح المقاومة فى الناس، الأغنية التى تقول كلماتها : «فدائى.. فدائى.. أهدى العروبة دمائي/ وأموت أعيش/ ما يهمنيش / وكفاية أشوف علم العروبة باقى باقى / فدائى.. فدائي/ وسط المخاطر/ هناك مكانى / والنصر عمره ما كان أماني/ جوا المواقع/ بين المدافع/ وسط القنابل/ أنسف أقاتل/ وأموت أعيش ما يهمنيش وكفاية أشوف علم العروبة باقى باقى / فدائى فدائي/ لو مت يا أمى متبكتش/ راح أموت علشان بلدى تعيش/ أفرحى يامة وزفيني/ وفى يوم النصر افتكرينى / وإن طالت يامة السنين/ خلى إخواتى الصغيرين/ يكونوا زى فدائيين». وتنتقل بنا مشاهد الفيلم وأغنياته إلى ثورة 25 يناير حيث تغنى الجميع فى ميدان التحرير بأغنية من كلمات محمد حمزة، لا تزال تتردد فى قلوبنا ونرددها فى كل حين وقد تغنت بها شادية. يا بلادى يا أحلى البلاد يا بلادى فداك أنا والولاد يا بلادي/ يا حبيبتى يا مصر يا مصر/ ما شفش الأمل فى عيون الولاد وصبايا البلد/ ولا شاف العمل سهران فى البلاد والعزم اتولد/ ولا شاف النيل فى أحضان الشجر / ولا سمع مواويل/ فى ليالى القمر/ أصله معداش على مصر/ يا حبيبتى يا مصر يا مصر / يا بلادى يا أحلى البلاد يا بلادي/ يا بلادى فداك أنا والولاد يا بلادى / ما شافش الرجال السمر الشداد / فوق كل المحن/ ولا شاف العناد فى عيون الولاد / وتحدى الزمن / ولا شاف إصرار فى عيون البشر/ بيقول أحرار ولازم ننتصر/ أصله معداش على مصر/ يا حبيبتى يا مصر يا مصر». • أمانة يا دنيا! «جاى الزمان» الفيلم والأغنية اللذان قدما لنا الدواء السحرى للحزن، والفقد، والغياب الأغنية للشاعر الذى ترك فى عنق الدنيا أمانة.. أمانة أن تداوينا وهى أمنية تتكرر فى كثير من أغانيه وكان وجودها فى الفيلم طاقة روحية شفت القلوب طاقة ثورة كاملة على حب حزين، ومحاولة عارمة لاحتضان حب بلا دموع: يغنى حليم : «فى سكة زمان راجعين/ فى سكة زمان / فى نفس المكان ماشيين فى نفس المكان / لا جراحنا بتهدا يا قلبى / ولا ننسى اللى كان يا قلبي/ بتصحى الطريق خطاوينا وأنين السنين/ والسما بتبكى علينا والناى الحزين/ حتى نجوم ليالينا والقمر غايبين/ وتانى تانى راجعين أنا وأنت تاني/ للنار ضايعين بنجرى ورا الأماني/ وأمانة يا دنيا أمانة/ تداوينا من جرح هوانا/ وتخلى الحب بعيد عنا / ولا نستناه/ ولا يستنا/ أمانة!». • عمر تانى ثم تمتلئ الشاشة فى ختام الفيلم بأزهار الربيع وشجرات خضر، وجهنميات حمراء، ودينا محمد حمزة وهى تسير على أرض مغطاة ببالونات ملونة، تواصل الابنة والأب معا حديثهما الصامت العميق، الجذر الطيب الموهوب والفنان الذى أورثنا زهورا وحدائق الفيلم الأغنية جاى الزمان يداوينا؟ من إيه جاى يا زمان تداوينا/ده الأمل فى عنينا.. والفرح حوالينا/سأل الزمان وقال /إيه غير الأحوال/ قلنا له حبينا.. حبينا .. حبينا / وارتحنا ونسينا الجرح بتاع زمان / إحنا إحنا اللى آمنا للزمان إحنا إحنا اللى خد/ منا الأمان وجرحنا/ وإحنا اللى طاوعناه إحنا/ وعمره فى يوم ما ريحنا/ ولا ملامة علينا لاملامة/ ده إحنا تعبنا ودبنا ياما/ وأما نادينا عليه يداوينا/ عمره ما فكر فى يوم يجينا/ وآدينا عايشين/ وبقينا عاشقين/ لا جراح فى قلوب ولا دمع حزين/ ولما دق الحب بابنا الربيع نوًّر شبابنا».. من ربيع إلى ربيع.. جاى يا زمان تداوينا؟!.. «من إيه جى يا زمان تداوينا؟/ ده الأمل فى عنينا والفرح حوالينا..». إلى أحبابنا فى عالم الغياب نقول لأعز الناس أنتم معنا.. أنتم فى قلوبنا وللدنيا تغنى «يا ريت.. يا ريت يا دنيا تدينى عمر تانى.. تدينى عمر تانى». •
"جاي الزمان" فيلم لدينا محمد حمزة... فيلم تسجيلي عن مداح القمر شاعر ال1200 أغنية...