اعرف عدوك
يذكر ابن القيم في كتابه الرائع مدارك السالكين سبع عقبات يتبعها الشيطان لإغواء بني آدم, فإذا فهمنا هذه العقبات سهلَ علينا محاربة الشيطان تماماً, مثل الحروب, فالجيش القوي هو الجيش الذي يفهم عدوه, يفهم نقاط ضعفه ويفهم إستراتيجياته.
· العقبة الأولى:
هي عقبة الكفر سيحاول الشيطان جاهداً أن يجعلك تكفر بالله فإذا كفرت ارتاح لذلك قالوا: " ليس بعد الكفر ذنب "
· العقبة الثانية:
إذا لم يستطع أن يجعلك تكفر بالله, دخل عليك من باب البدعة, فجعلك تقوم بأمور ليست من باب الدين, والأمثلة كثيرة و أضرب مثلاً واحداً: بعض الناس يؤمن إلى اليوم بالخرزة الزرقاء يضعها في السيارة, أو يعلقها على صدره يعتقد أنها ستجلب له حظاً واسعاً وهذه كلها من الخرافات ومن مداخل الشيطان.
· العقبة الثالثة:
هي الكبائر: الزنا... الخمر... الرشوة... الشيطان يقول لك: يا أخي كلها كاس, وهناك كثير من المسلمين يشربون ثم إن الله غفور رحيم, افعل الكبيرة واستمتع, ثم تب إلى الله سبحانه وتعالى وهكذا يدخل عليك من باب الكبائر, والخطر في الكبائر أن الإنسان إذا انغمس فيها وترك الصلاة والصوم يصبح بينه وبين الكفر درجة لذلك نجد بعض الشباب الذي انغمس تماما في الكبائر ونسي العبادات إذا حصلت له مصيبة في الدنيا, إما أن يتجه للتدين أو بعضهم - والعياذ بالله – يكفر وهذه حاصلة في الواقع فلنحذر من الكبائر.
· العقبة الرابعة:
إذا لم يستطع أن يغويك بالكبائر دخل عليك من باب الصغائر: ( لمسة.. نظرة.. ابتسامة.. كذبة بيضة.. إلى آخره.. ) ويقول لك: يا أخي الصلاة إلى الصلاة كفارات لما بينهما والعجيب أن من مداخل الشيطان, ( قوله حق ولكنه حق يراد به باطل, يعني فعلاً هناك احاديث كثيرة وردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الصلاة إلى الصلاة تكفر الصغائر ولكن السؤال: مقامك عندما تدخل على صلاة وليس عندك صغائر أفضل بكثير من أن تدخل على صلاة وعليك صغائر. فبالتالي الشيطان يحاول إن لن لم يستطع أن يأتيك من الكبائر يأتيك من الصغائر, حتى يقلل مقامك في الصلاة يقول الله تعالى في سورة الكهف (( وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا )) الكهف : 49
فقدم الصغيرة على الكبيرة, والفضيل رضي الله عنه له تفسير جميل في الآية يقول: والله ضجوا بالصغائر قبل الكبائر... لماذا؟ لأن الإنسان إذا ارتكب كبيرة تبقى نصب عينيه, ويضل فاكرها ويتوب إلى الله ويستغفر, ويبكي ولا ينساها أما الخطر في الصغائر أننا نفعلها كل يوم وننساها, فنأت يوم القيامة – والعياذ بالله – ونفاجأ بعدد كبير من الصغائر لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " إياكم ومحقرات الذنوب إنهن يجتمعن على العبد حتى يهلكنه" والعياذ بالله.
العقبة السادسة:
فإذا وجدك – ما شاء الله عليك – ممتازاً ممتنعاً عن الكبائر وممتنعاً عن الصغائر وزاهداً في الدنيا ولكنك مقلّ في المباحات فهو أيضا سوف يلاحقك وسيدخل عليك من باب الطاعات..كيف؟؟ يغويك بأن تقوم بطاعات تشغلك عن طاعات أهم و أكبر فمثلاً يغويك أن تصلي في البيت فيمنعك ويثنيك عن صلاة الجماعة في المسجد وأجرها أكبر, يغريك مثلاً أن تجلس تصلي الكثير من النوافل ولكن تهمل أهلك وهذه مقامها أعلى.. هذا مدخل عجيب للشيطان وهو ما يعرف بفقه الأولويات..!!
*العقبة السابعة:
فإن لم يستطع الشيطان أن يدخل عليك من أي مدخل من المداخل الستة السابقة أسقط في يده ولم يبق له إلا أسلوب واحد فقط وهو أن يسلط عليك جنده من الإنس والجن – لذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل فكلما زاد صلاحك زاد إيذاء الناس لك ...
· ملحوظة:
الذنوب ليست كلها من الشيطان وأكبر دليل على ذلك شهر رمضان الكريم, فالشياطين مكبلة والذنوب في كل مكان فيجب أن نعلم إن بعض الذنوب تأتي من أنفسنا. فكيف نفرق هل الذنب من الشيطان أم من أنفسنا؟ أبو حامد الغزالي أعطانا أسلوبين جميلين جداً: 1- أي ذنب يعتبر عادة أو إدماناً فهو من نفسك, وليس من الشيطان, أما الذنوب التي تقوم بها بسبب غلطة عابرة أو ضعف عابر فهذا من الشيطان, مثلاً أول سيجارة دخنتها فهذه من الشيطان أما إذا صار لك 10 سنوات تدخن فأنت مدمن تدخين فهذا الذنب من نفسك والشيطان تركك من عشر سنوات وشغال عليك في أمور أخرى فهذا أول تفريق: العادة من النفس والأخطاء التي ترتكب كل مدة بعد مدة من الشيطان.
التفريق الثاني أن ذنب النفس إذا قلت ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) لن تقل الغريزة لفعل هذا الذنب, أياً كان بينما ذنوب الشيطان إذا جاءتك الغريزة أو جاءك الهاجس أن تقوم بعمل معين وقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يذهب عنك الهاجس, فهذا من الشيطان, نعود إلى التدخين مرة أخرى إذا أنت دخنت مدة عشر سنوات, إذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ألف مرة فإنك لن تقلع عن التدخين لأن هذا الذنب من نفسك وليس من الشيطان وعلاجه علاج مختلف, فهذه من دقائق الأمور و أنفعها للإنسان في حربه ضد المعاصي.. فذنوب النفس علاجها مختلف عن ذنوب الشيطان.
أسئل الله أن يغفر لنا ويهدينا ويرحمنا
* اللهم ازرعني في قلوب الناس كالنبتة الطيبة *