على مدى سنوات طويلة ارتبط حليم بموسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب وطوال هذه السنين كان يجول بخاطره سؤال لم ينطق به ابدا وهو بينى وبينك ايه وعلى الجانب الاخر كان هناك سؤال يجول بخاطر عبد الوهاب ايضا لم ينطق به ايضا وهو شغلت بالى ليه
لقد سار عبد الحليم وعبد الوهاب معا فى شارع الضباب فكان مشوارهما مليئا مرة بالعذاب ومرة بالهنا
فعندما ادرك الموسيقار الكبير ان هذا المطرب اليتيم قد يكون مطرب المستقبل بلا منازع وقع معه عقد الاحتكار لمدة عامين دون ان يسند له اى عمل وعلى الجانب الاخر كان حليم يعشق اغانى عبد الوهاب ويرددها بين نفسه ولكنه يرفض ان يغنيها امام الجمهور
كان حليم يخطو خطواته الاولى فى الفن بينما قامة عبد الوهاب تمتد باتساع الوطن العربى كمطرب فانه ومنذ اللقاء الاول بينهما ادرك ان الموسيقار الكبير لايريد ان تكون علاقتهما ككل العلاقات فى الوسط الفنى فكانت الصداقة هى البداية لكن عبد الوهاب لم يخاطر بالتلحين له الابعد ان ضمن نجاحه وكذلك فعل مع حليم الممثل حيث احتكره لعامين ولم يغامر فى انتاج افلام له الابعد ان تاكد انه مطلوب كممثل سينمائى فانتج له فيلمين هما ايام وليالى وبنات اليوم ثم اقام معه شركة هى صوت الفن
ومن جهته لم يكن حليم اقل قدرة على فهم عبد الوهاب فقد ادرك ان عبد الوهاب يريد لحليم الناجح ان يظهر بصورة الابن الفنى له
الراعى الرسمى
وفى عام 63 كان حليم فى قمة نجاحه وقد سافر فى رحلة علاج وكعادته لابد ان يمر على بيروت وكان كل من عبد الوهاب وفريد الاطرش هناك ايامها وكان بينهما موعد فى منزل فريد فى وقت وصول حليم وهو الامر الذى دعاهما الى ارسال برقية اعتذار لحليم عن عدم استقباله وبينما ظل فريد ينتظر عبد الوهاب كان موسيقار الاجيال قد ذهب لاستقبال حليم فى المطار ليظهر بصورة الراعى الرسمى له كعادته
وقد اطلقت الصحافة فى الخمسينات والستينات على حليم وعبد الوهاب القابا متشابهة وقد اوردت احدى الصحف ان حليم خبيث مثل عبد الوهاب وهو يعتقد انه اخبث منه
الاستاذ والتلميذ
استطاع حليم ان ياخذ من تجربة عبد الوهاب ويستوعبها ويتعلمها وقد كشف له عبد الوهاب ان الموهبة لاتكفى وحدها وان السلعة الثمينة لابد لها من فاترينة جميلة لكى يشعر الناس بقيمتها وكما فعل احمد شوقى مع عبد الوهاب اراد حليم فى البداية ان يكون كال الشناوى هو راعيه وكما علم شوقى عبد الوهاب الفرنسية تعلم حليم الفرنسية والانجليزية بطريقة الاسطوانات وقام بتوثيق علاقته باشهر واكبر ادباء مصر كاحسان عبد القدوس
وقد ادرك حليم ان عبد الوهاب ينتمى كمطرب الى الملوك والامراء وام كلثوم تنتمى الى الطبقة الوسطى فقر ان يكون مطربا للطبقة البسيطة من الشعب العربى وكما ارتبط عبد الوهاب بالسلطة قبل الثورة ارتبط حليم وتعرف على جمال عبد الناصر وامتدت صلاته الى الملوك والامراء كالملك الحسن ملك المغرب وامراء السعودية والكويت لقد اخذ حليم تجربة عبد الوهاب وجعلها اكثر اتساعا فكان مطربا للملوك والامراء والبسطاء ايضا
وحتى الخلاف الشهير بين حليم وام كلثوم كان عبد الوهاب الحاضر الغائب وقد قال حليم لماذا تنسى ام كلثوم اننى كنت الجسر الذى سارت عليه وسار عليه عبد الوهاب ليلتقى كل منهما بالاخر فعام 62 كنا نجلس فى عيد الثورة على مائدة العشاء مع عبد الناصر والسادات وعبد الحكيم عامر واقول لو الفن يتعمل بقرار كنت طلبت من سيادتك انك تامر عبد الوهاب بتلحين اغنية لام كلثوم وقال عبد الناصر ياريت الفن يتعمل قرارات كنت اصدرت القرار فورا وضحك السادات اظن ممكن نبدا دلوقت وقالت ام كلثوم اكيد حانبتدى ورد عبد الوهاب فورا وبدات بروفات انت عمرى
وكان حليم يعشق اغانى عبد الوهاب ويرددها لنفسه ولكنه يرفض ان يغنيها امام الجمهور لانه كان يقول لو غنيت لعبد الوهاب ساكون عبد الوهاب رقم 2 وقال هذه الكلمات بمناسبة رفض الجمهور السكندرى لغنائه وطلبهم بان يغنى لمحمد عبد الوهاب
الكلمة الاخيرة
احب حليم وعبد الوهاب بعضهما كشخصين ينتميان الى الطرب والموسيقى والذكاء وقامت بينهما صداقة شعر فيه عبد الوهاب بالابوة وقد نهى ابنه الفنى بعد موته فى احدى الصحف قائلا
الى النغم الحلو الى القلب الذى وسع الدنيا جميعا ووسع المرض ربيعا الى قطعة من نفسى وقطعة تدفعنى الى رفيق طريق لربع قرن طريق كله شوق وتفان ومعاناة الى اخى فى الايقاع واخى فى الوطن
لقد واريناك لحدك ولم نوارك النسيان حليم لم تغب لن انساك صحيحا ومريضا وميتا فانت فى جميع الاحوال حليم النابض والسهل الممتنع لنا الله بعدك ياحليم
فالله يرحمما هذين العملاقين العندليب وموسيقار الاجيال اللذين لن ياتى مثلهما ابدا فى الفن والذكاء الخارق