الأيام وتتعاقب السنوات، ويمضي 30 عاما على رحيل العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ ويظل هو الغائب الحاضر بأغنياته، بكل كلمة حب قالها، فحركت مشاعرنا... وأثارت الدفء وأعادت الحنين لزمن المشاعر الجميلة. تعالوا معا نقلب ونتجول داخل حياة عبدالحليم الخاصة لنتعرف على الطقوس والعادات التي كان يقوم بها في حياته وذلك من خلال السطور التالية:
كان القرآن الكريم يمثل أهمية خاصة في حياة العندليب فلقد كان شديد الحرص على أن يضع نسخا عديدة من كتاب الله في كل ركن من أركان منزله خاصة غرفة نومه وتعود ايضا على أن يأتي بشيخ، يومين في الأسبوع ليقرأ له آيات قرآنية يهديها الى روح أمه وأبيه، كما أوصى قبل وفاته أشقاءه بأن يهدوا الى روحه آيات قرآنية في نفس اليومين اللذين تعود على قراءة القرآن فيهما.
وخلال رحلته الطويلة مع المرض الذي استمر أعواما عدة كان حليم يخشى النوم ويساوره الخوف والقلق من أن تكون نهاية حياته في ساعات النوم لذلك تعود على قراءة آيات من سورة الرحمن يوميا لكي يستطيع النوم وتزول المخاوف والوساوس من نفسه وهناك آية قرآنية كان حليم يتفاءل بكتابتها قبل سفره للخارج في رحلة علاجه من المرض، وكانت هذه الآية "ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد" وكان يكتبها بقلم رصاص على حائط غرفته أو أحد أبوابها أو على دولاب ملابسه.
وشاء القدر أن يشعر في رحلته الاخيرة في لندن أنها سوف تكون رحلته الاخيرة ولن يعود الى بيته وأهله وجمهوره مرة ثانية لذلك لم يكتبها للمرة الأولى في حياته وأثناء مغادرته البيت أخذ يجوب غرف المنزل كأنه يودعها وعندما هم بالرحيل ذكرته "فردوس" ابنة خالته بالآية الكريمة لكي يكتبها، فقال لها "اتأخرت على ميعاد الطيارة، كفاية أقرأها في سري" وغادر حليم المنزل للمرة الأخيرة.
في قريته الحلوات بالزقازيق بمحافظة الشرقية (90 كيلو مترا شمال شرقي القاهرة) كان يحتل منزل خاله الحاج "متولي عماشة" مكانة كبيرة في نفسه ففي هذا المنزل عاش أيام طفولته بحلوها ومرها، وبعد أن غادر القرية وجاء للقاهرة باحثا عن أحلامه الفنية، كان دائم الحنين الى هذا البيت خاصة بعد أن حقق نجاحا وشهرة. فكان يقتنص اياما ليقضيها هناك بين أحضان الطبيعة وبساطة أهل الريف بعيدا عن زحمة العمل وضجيج القاهرة ليسترجع ذكريات طفولته مع الأهل والاصدقاء.
وكان حليم يعتز بهذا البيت لأنه شهد مولد أعماله الغنائية الأولى مثل "صافيني مرة، وعلى قد الشوق" والتي كانت سببا في نجاحه وتألقه فكان يصحب رفاق رحلته الى منزل خاله لكي ينجزوا أعمالهم الغنائية ولتكون الطبيعة الجميلة في "الحلوات" مصدر الهام لهم.
غسل الهموم
كان حليم حين يشعر بقسوة الحياة وآلام الوحدة، يذهب مع سائقه "عبدالفتاح" في مطلع الفجر الى مقام "السيدة زينب" أو "الحسين" لكي يغتسل من همومه وآلامه النفسية وليقضي بعض الوقت بعيدا عن الحياة ومن فيها في هذه الأماكن الطاهرة. يخلو فيها الى الله طالبا منه عز وجل الصبر والرحمة وكان لهذه الزيارة أثر عميق في نفسه يعود بعدها صافي القلب قوي العزيمة راضي النفس.
وداخل دولاب خاص في غرفته احتفظ حليم بالملابس التي ارتداها اثناء تصوير افلامه السينمائية وكان شديد الحرص على الاحتفاظ بها ويمنع من في البيت من التصرف فيها ومن أقرب هذه الملابس الى نفسه "بلوفر أزرق برقبة بيضاء"، ارتداه عبدالحليم في أول فيلم له «لحن الوفاء» الذي كان فاتحة خير له في طريقه الفني.
وطوال مشوار حليم الفني شارك في العديد من المناسبات الوطنية في مصر والوطن العربي ما جعله ينال العديد من الأوسمة والنياشين نتيجة جهوده ومشاركته في هذه المناسبات، فمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حصل على نيشان السد العالي، بعد اشتراكه في الحفل الذي أقيم لمناسبة البدء في بناء السد العالي بأسوان وتبرعه بأجره لهذا المشروع القومي وغنى حليم في الحفل أغنية "قولنا هانبني".
كما نال من الملك الحسن عاهل المغرب، وسام العرش من الطبقة الثالثة في مارس 1972 لمناسبة عيد استقلال المغرب، ومن الملك حسين عاهل الأردن حصل على نيشان الاستقلال من الدرجة الأولى العام 1970 في احتفال الأردن بعيد الاستقلال وكان حليم يحرص على ابراز هذه الأوسمة والنياشين في صالون شقته بالزمالك اعتزازا بها.
أرقام في حياة العندليب
- ولد حليم في 21 حزيران العام 1929 وكان ترتيبه الرابع بين اخوته اسماعيل، ومحمد وعلية.
- 26 عاما قضاها حليم متربعا على عرش الغناء في مصر والوطن العربي منذ أن بدأ مشواره العام 1952.
- أثناء بروفات اغنية "قارئة الفنجان" اتصل حليم هاتفيا بمؤلف الأغنية الشاعر اللبناني نزار قباني الذي كان يقيم في بيروت في ذلك الوقت أكثر من 15 مرة للتشاور حول كلمات الأغنية واستمرت المكالمات قرابة 10 ساعات.
- استمرت احدى بروفات أغنية "رسالة من تحت الماء" أكثر من 10 ساعات متصلة حيث كان يحضرها حليم وهو جالس على كرسي متحرك بعد اصابته بجلطة في ساقه.
- قدم حليم 120 أغنية عاطفية و 56 أغنية وطنية و 16 فيلما وكانت أغنية "قارئة الفنجان" أكثر الأغاني مبيعا في الأغاني العاطفية و "صورة" أكثر الاغاني الوطنية مبيعا.
- يعد حمد الرجيب الملحن الخليجي الوحيد الذي غنى له حليم من ألحانه من خلاله أغنية "فرحة السمار".
- تعرض حليم طوال حياته الى 22 نزيفا من بينها نزيف تعرض له وهو يغني على المسرح وأجرى خلال حياته 16 عملية جراحية بسبب اصابته بالكبد.
- حقق فيلمه الأخير "أبي فوق الشجرة" ايرادات خيالية أثناء عرضه في دور السينما التي بلغت 10 دور عرض.
- قبل غنائه لأغنية "صافيني مرة" التي كانت سببا في شهرته غنى العندليب في الفترة من 1950 - 1952 أكثر من أغنية وان كانت لم تنل الشهرة الا فيما بعد ومن بينها أغنية "ظالم" و "لقاء" و "بتقوللي بكره".
- يعتبر الشاعر مرسي جميل عزيز أكثر الشعراء تعاونا مع حليم حيث قدم له 25 أغنية يليه محمد حمزة وحسين السيد فيما يعد الملحن محمد الموجي من أكثر الملحنين الذين تعاون معهم حليم حيث قدم له 47 أغنية يليه بليغ حمدي بــ 26 أغنية.
- قدم حليم مسلسلا اذاعيا وحيدا طوال مشواره هو "أرجوك لا تفهمني بسرعة" مع نجلاء فتحي وعادل امام.
- 47 سنة و 9 شهور و 9 أيام هو عمر العندليب وقت وفاته في 30 آذار عام 1977 في الساعة العاشرة وكان يوافق الاربعاء