أسرار علاقات عبدالحليم حافظ مع الزعماء العرب
لجمعة 01 ربيع الأول 1424العدد 12733 السنة 38
جريدة الرياض الدولية
26عاماً مضت على رحيل العندليب عبدالحليم حافظ، ورغم ذلك مازالت في حياته العديد من الجوانب التي يكتنفها الغموض، والتي لا يستطيع أحد أن يعرفها إلا القريبون منه والذين عاصروا رحلته الفنية. ومن أهم الجوانب الغامضة في حياة العندليب علاقته بالسياسة والسياسيين في جميع أنحاء الوطن العربي، والتي تراوحت ما بين المصلحة المشتركة أو الاستفادة من صوته في توجيه الرأي العام، والصداقة الإنسانية بين حاكم ومطرب تلتف حوله الجماهير وتتأثر بأغنياته العاطفية والوطنية على حد سواء. وفي السطور التالية نحاول كشف طبيعة العلاقة التي ربطت بين العندليب ورجالات السياسة وأسرار ارتباطه ببعض الزعماء دون غيرهم. وذلك من خلال اثنين ممن كانوا على مقربة منه هما المصور فاروق إبراهيم والذي رافقه في معظم رحلاته الخارجية ومجدي العمروسي رفيق عمر العندليب وشريكه في صوت الفن.
المصور فاروق إبراهيم الذي التقط لعبدالحليم مئات الصور مع الرؤساء والملوك من بين أكثر من 30ألف صورة سجل فيها أدق لحظات حياة العندليب حيث يقول: لم يكن مجرد مطرب متميز فحسب ولكن لعبت المفارقة دوراً كبيراً في خروجه إلى النور والوصول إلى قلب دائرة الشهرة في جميع أنحاء الوطن العربي، حيث تصادف ظهوره مع بدايات ثورة يوليو 1952ونجاحها، ومن ثمَّ اعتبر الابن الشرعي لها وعومل على هذا الأساس، ولم يكن قد غنّى أية أغنية تمجد العصر السابق لها كما فعل غيره من المطربين الذين سبقوه ومن ثمَّ احتل مكانة خاصة جداً لدى قيادة الثورة وخصوصاً عبدالحكيم عامر وعبدالناصر، لكن علاقة عبدالحليم بعبدالناصر لم تكن قوية لانشغال عبدالناصر بمهامه كرئيس للجمهورية، لذلك لم يكن لدى عبدالناصر الوقت الكافي ليقيم مع عبدالحليم علاقة صداقة شخصية، لكنه كان يوليه اهتماماً كبيراً ويقدره باعتباره صوت الثورة والمعبّر عن آلام وأحلام الشعب في ظل القيادة الجديدة، وقد أحدثت أغاني عبدالحليم وصلاح جاهين نوعاً من التدعيم للحركة الجديدة التي نالت استحسان ورضى الزعيم عبدالناصر.
أما بخصوص الإشاعات التي تقول إن "عبدالحليم حافظ كان ملازماً للزعيم وان عبدالناصر كان في كثير من الأحيان يستشيره في أمور الحكم!!"، فهذه بالطبع غير صحيحة، لأن عبدالحليم نفسه لم يكن يهتم بالسياسة، فقد شغله مشواره الفني، ثم رحلة مرضه الطويلة، عن الاهتمام بالسياسة بشكل فاعل، إلا أنه عوّض هذا النوع بأغانيه التي الهبت الجميع.
ويضيف السيد فاروق إبراهيم: إن علاقة عبدالحليم بعبدالحكيم عامر كانت قوية جداً، الذي كان يهتم كثيراً بالفنانين حتى أنه تزوج من الفنانة "برلنتي عبدالحميد" وكان يقيم العديد من حفلات الغناء والطرب، وكان نجم هذه العلاقات الدائم هو عبدالحليم حافظ، لذلك فقد كانت علاقتهما قوية جداً.
أما مجدي العمروسي (رفيق عمر عبدالحليم حافظ) فيؤكد أن علاقة عبدالحليم بعبدالناصر كانت متينة جداً، وأن عبدالناصر كان يوليه اهتماماً خاصاً ويعتبره أحد منجزات الثورة ويتعامل معه على هذا الأساس، باعتباره كياناً استراتيجياً مؤثراً مثله مثل المدفعية والطيران، ومن وجهة نظر عبدالناصر لم يكن عبدالحليم حافظ مجرد مطرب ولكنه أحد أعمدة الثورة التي تغنى بأمجادها.
وعن علاقة عبدالحليم بالسادات يقول فاروق إبراهيم: إن السادات كان مولعاً بالفن والفنانين حتى أنه في بداية حياته وقبل الدخول في تنظيم الثورة كان قد تقدم للتمثيل في فيلم "تيتاونغ" بطولة وإخراج أمينة محمد، وكان السادات في هذا الوقت "ملازم أول" ومن مظاهر اهتمام السادات بالفن أنه أنشأ "عيد الفن"، ومنح العديد من الفنانين والمطربين الأوسمة والنياشين، ولذلك كانت علاقته بعبدالحليم علاقة متينة جداً، لأن السادات كان يقيم حفلات كثيرة سواء في منزله أو في استراحات الرئاسة، وكان عبدالحليم النجم الأول لتلك الحفلات بحكم شهرته، وكونه الصوت المعبر عن الثورة من بدايتها، وكان السادات معجباً بصوته واعطاه الكثير من النياشين والأوسمة تقديراً لموهبته، ومن خلال تلك الحفلات قام عبدالحليم بتقديم الكثير من الأصوات الجديدة والمواهب الفنية مثل "سيد الملاح" الذي أشركه عبدالحليم في جلسات السادات وقدمه إليه، وكذلك الفنان "عادل إمام" الذي دخل إلى مجلس السادات حتى أصبح من المقربين إليه كثيراً.
كما لعب عبدالحليم من خلال علاقاته وتقربه من السادات دوراً كبيراً في توفير الظروف الجيدة لصديقه مصطفى أمين الذي كان سجيناً، حتى أنه استطاع أن يقنع السادات في النهاية بالافراج عن مصطفى أمين.
ويصف العمروسي العلاقة الحميمة بين عبدالحليم والسادات بقوله: إن الرئيس كان أثناء الحفلات يناقش عبدالحليم في أغنياته وأفلامه ويقدم له النصائح التي كان يأخذ بها عبدالحليم بجدية، ويحاول أن يضعها موضع الاعتبار في أعماله القادمة، وكان السادات يعتبر عبدالحليم سفيراً لمصر في الخارج والمعبر الحقيقي للفن المصري، حتى أنه في فترة التوتر بين مصر وسوريا، دعت سوريا عبدالحليم لإحياء بعض الحفلات في دمشق فذهب عبدالحليم وأخذ رأي السادات في ذلك، فقبل وأمره بالذهاب، وهناك قرر عبدالحليم أن يغني أغنيتين وطنيتين، وطلب رأي المخابرات السورية في البداية، لمعرفة ما إذا كان هناك اعتراض من الرئيس الأسد، فجاءه الرد بأن له مطلق الحرية فيما يغنيه هنا، وليعتبر نفسه في مصر.
وبعد عودة عبدالحليم كان السادات قد استمع إلى الحفلات في الراديو، وقال له: "سمعتك.. أنت بحق سفير مصر"، وهناك أيضاً الكثير من المواقف التي تؤكد أن عبدالحليم لم يكن مجرد مطرب، وإنما هو سفير لمصر ووسيط بينها وبين الدول الأخرى، حتى أنه كان يحمل رسائل من الحكومة المصرية إلى بعض الشخصيات السياسية العربية والدولية وكان هو نفسه لا يعرف محتواها، وقد حدث ذات مرة أن أصر مأمور الجمارك على تفتيش حقيبة عبدالحليم إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً، وعندما ألح عليه المأمور اتصل عبدالحليم بأحد الشخصيات المهمة في مصر، الذي أعطى أوامره بعدم تفتيش الحقيبة الخاصة به.
وعن علاقة عبدالحليم بالرؤساء والملوك العرب، يقول فاروق إبراهيم: عبدالحليم كان يمتلك موهبة خاصة جداً مما جعله يحظى بحب ورضى كل الملوك والرؤساء خصوصاً الملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب سابقاً، الذي استضافه أكثر من مرة.
وكذلك حظي عبدالحليم بحب وتقدير كبير من الملك حسين ملك الأردن الراحل، وما يذكر في تلك العلاقة أن عبدالحليم عندما زار الأردن لأول مرة كان الملك حسين بنفسه في استقباله بل إنه دخل المطار بسيارته واصطحب فيها عبدالحليم بعد نزوله من الطائرة، وبعد انتهاء زيارة عبدالحليم قام الملك شخصياً بتوديعه حتى المطار، وكذلك ربطت عبدالحليم بالملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل علاقة شخصية عميقة استمرت أكثر من 15سنة، وكان الجميع يعرفون عبدالحليم ومدى تأثيره في الجماهير العربية، لذلك حظي باهتمام خاص من كل الملوك والرؤساء