[SIZE="3"][color:e4d0="Blue"]«حليم».. يفشل في إعادة عبد الحليم أو تحقيق حلم زكي
الشرق الوسط
الجمعـة 03 رجـب 1427 هـ 28 يوليو 2006 العدد 10104
أحمد جودة
هل فيلم «حليم» مجرد فيلم تقليدي آخر عن مطرب مشهور في القرن الماضي؟.. نعم هذه هي الحقيقة الاولى التي ستخرج بها بعد مشاهدة الفيلم الذي انتظره الملايين (كما جاء في دعاية الفيلم)، فالفيلم لم يسرد أكثر مما يعرفه الجمهور عن عبد الحليم حافظ، وبطريقة أشبه بكل أفلامنا في تعاطي الشخصيات المهمة، إلقاء الضوء بشكل خاطف على محطات عامة من حياته، لقطات تسجيلية كثيرة، أشخاص ما يتحدثون عنه، قصص من هنا وهناك وشكراً، في حين أن حياة عبد الحليم مليئة بالدراما والتحولات الكثيرة، وكان الجمهور ينتظر أن يعرف شيئا جديدا ليس عن مطربهم المفضل، لكن عن الإنسان الذي أحبوه كواحد منهم، كان يريد أن يعرف كيف نشأت قصة حبه مع السندريلا، وليس كيف انتهت، كيف جاءته أول بطولة في فيلم سينمائي، وكيف تعامل مع الكاميرا لأول مرة، كيف كان يأكل، يختار أغانيه، يستعد لحفلاته، علاقته مع اهل الحارة الذين يسكن معهم، علاقته مع زملائه من الفنانين، ومن هم اصدقاؤه الحقيقيون؟. السيناريو مبني على فكرة التداعيات والتذكر، فحليم كثيراً في مرضه يتذكر حليم أثناء تسجيل مشوار حياته في الاذاعة، وأثناء التسجيل يتذكر حليم نفسه في شبابه، وعندما نراه شاباً يتذكر نفسه طفلاً، ثم نعود فجأة من ذكرى ما إلى حليم المريض في المستشفى أو حليم أثناء التسجيل، فلم يعد يعرف أحد من الذي يتذكر وأين هو الماضي من الحاضر، وقد كانت تلك هي الطريقة الوحيدة، التي ناسبت ظروف مرض زكي الذي لم يتحرك من كرسيه سوى مرتين.
لا أعرف ما معنى ـ السيناريو التفصيلي للسينما ـ المنسوب لشريف عرفة في تترات الفيلم، لكن الواضح أن وفاة زكي جاءت قبل حتى أن يصور نصف مشاهده فأعاد عرفة صياغة الفيلم مع داليا الناصر في غرفة المونتاج، التي لولاها لأصبح الفيلم أضحوكة حقيقية، ذلك العجز في المادة المصورة، يتضح بقوة في مشهد تذكره وهو مريض، الذي أعيد كما هو نحو ثلاث مرات، دون أدنى تغيير في زوايا الكاميرا على الأقل، لذلك كانت الاستعانة بكم هائل من الحشو، بلقطات تسجيلية عن الفترة الناصرية التي حفظناها عن ظهر قلب، مع مشاهد غناء هيثم طوال الفيلم بمناسبة وبدون، وحتى يتفادى عرفة الملل الذي تسرب للجمهور رغماً عنه ـ وهو ما كان واضحاً منذ البداية ـ لجأ إلى حركة الكاميرا التي لا تتوقف بشكل متوتر وعصبي، سيصيبك بالدوار في النهاية.
الكارثة الحقيقية في فيلم حليم، اذا أردنا أن نصف الفيلم كسيرة لعبد الحليم حافظ، هو أن الجمهور بعد دقائق من بداية الفيلم الرائعة (التي أفسدوها بالمداخلات المملة للتعليق على شخصية حليم، كما لو كان فيلماً تسجيلياً خالصاً)، لم يعد يشاهد حليم، فالشخصية ذابت تماماً تحت عيون زكي المرهقة، الذي أصبح الجمهور يتابع أنفاسه الأخيرة وهي تضيق أكثر مع كل جملة حوار ومع كل حركة، فتحول فيلم حليم إلى سرد اللحظات الأخيرة في حياة زكي، ناهيك عن الإشارة كثيراً بعد وفاة زكي بتشابه حالته الصحية والحياتية مع حليم، وترسيخ ذلك في أذهان المشاهدين من قبل وسائل الإعلام، حتى ضاعت ملامح الفيلم إلى الأبد فلا هو عن حليم ولا هو عن زكي، هو عن إنسان يتعذب لإسعاد الناس. ولا أحد يعرف تماماً أين ذهبت الـ 18 مليون جنيه تكلفة إنتاج الفيلم، وفي أي معامل بلندن طبعت وصممت من أجله خصيصاً مؤثرات بصرية لم تشهدها السينما المصرية من قبل، فالخدع المقدمة تقنياً متوسطة الجودة وأحياناً رديئة ومثيرة للشفقة إذا ما قورنت بالخدع المقدمة في كليب سليم الترك الذي مزج بين يوري مرقدي وسعاد حسني، ناهيك عن مشهد المعركة الذي نفذ في ساحة صغيرة مع خدع تقليدية أخرى، والسؤال المتبقي هو: ما الطائل وراء كل ذلك، فلا الخدع أبهرت الجمهور وأعمته عن مساوئ الفيلم، ولا أضافت تقنية حديثة للسينما المصرية، ولا خدمت الفيلم درامياً بالشكل المطلوب، كان من الأفضل توفير كل ذلك ليخدم التصوير الخارجي الذي شاهدناه مرة واحدة أو اثنين بسيارات متهالكة من كثرة تأجيرها، فالكاميرا لم تغادر الأستديو طوال الفيلم مما أفقدنا الإحساس بزمن الفيلم، وحتى عندما تم استغلال صناعة الخدع في لندن، تم تصوير هيثم هناك في لقطات سريعة، ويكفي أن تلقي نظرة على أحدث موديلات السيارات التي كانت تسير بجواره وهو مستقل تاكسي ذاهب للمستشفى، لتعرف إلى أي درجة كانت الدعاية خادعة.
ولنحاول أن نتجاهل كل ذلك ونسأل سؤالاً آخر: هل فيلم حليم نجح في سرد تفاصيله بشكل مشوق للجمهور العادي، الذي قد لا يعرف كل تلك الخلفيات، لن أتحدث عن السيناريو والجمل الحوارية من عينة «إحنا عاوزين نقدم حاجة جديدة للناس، بس أي حاجة جديدة بتتهاجم والناس مش بتفهمها»، وهي لغة حوار كانت قد تكون مقبولة في مسلسل مثل أم كلثوم مثلاً، لكن هل على المتفرج أن يشاهد حليم طوال النصف الثاني مجرد عاشق تقع الفتيات تحت أرجله، المشاهد الرومانسية جاءت كلها كتلة واحدة، فبعد عرض سريع لأزمة نوال عاشقة حليم، والمشهد المفتعل لانفصال حليم عن السندريلا، تأتي قصة حب حياته مع جيهان، بحب من أول نظرة، ثم صدفة خارقة للعادة، ومشاهد تقليدية مفتعلة وتأتي في خلفية الصورة الأهرامات والشواطئ والأماكن الفاخرة، مع مشهد ركيك لرفض جد جيهان حليم زوجاً لها، ونهاية مأساوية بموت حبيبته بين ذراعيه، نعم هذا ما حدث وهذا ما سيجعل المشاهد يتأكد تماماً أنه يشاهد أحد أفلام عبد الحليم، وليس فيلماً عن قصة حياته.
أمر مخجل أن نتحدث عن أداء أحمد زكي وهو لا يستطيع التقاط أنفاسه، هيثم ابنه وقع في أزمة حقيقية مع الجمهور، الذي سيقارنه بين حليم تارة وبين أبيه تارة أخرى، ناهيك أن التركيز بالكامل منصب عليه منذ بداية الفيلم، والمطلوب أن يبهر الجمهور بحجم موهبته، اختبار ثقيل نجا منه بمهارة، موهبته اتضحت أكثر لحظة اكتشافه المرض، لكن يحتاج للكثير من التدريب والتوجيه، جمال سليمان لم يصمد أمام زكي الذي سرق منه الكاميرا، الذي كان شغف الجمهور الحقيقي، منى زكي في دور لم يساعدها، خاصة ان الجمهور انتظر شيئاً أكبر لكتابة اسمها بعد زكي مباشرة، سلاف فواخرجي لن تلحظ أنها ممثلة جيدة سوى في المشهد الأخير، بسبب الدور الملائكي التي حبست فيه، عزت أبو عوف كان نسخة حية من عبد الوهاب، الأمر ليس في طريقة الكلام أو الإيماء، لكن لاحظ طريقة وقوفه وجلوسه لتدرك إلى أي الممثلين ينتمي.
وبرغم ظروف تصوير الفيلم طوال الوقت في الاستديو، فأنسى أبو سيف صنع أجواء ستذكرها السينما المصرية طويلاً، مع طاقم مساعديه من إكسسوارات وملابس وماكياج أعادتنا لأجواء السبعينات، وربما كانت تلك من المميزات القليلة بالفيلم، خاصة مع موسيقى عمار الشريعي الذي تعامل مع تنويعات من ألحان أشهر أغاني عبد الحليم، لكن بشكل تقليدي وكان سيئا في أكثر من موضع، ويكفي أن تلحظ مشاكل الصوت في مشهد زيارة سعاد حسنى أثناء بروفة حليم بالمنزل، الذي كان تسجيلاً بفرقة موسيقية كاملة في حفلة وليس بعدة آلات في منزل.
أسئلة كثيرة ستظل تلح عليك طوال الوقت بعد مشاهدة الفيلم، هل تحقق هكذا حلم أحمد زكي الذي دام أكثر من عشر سنوات؟ وهل لو شاهده عبد الحليم نفسه كان سيسعد به؟ وهل سعدت الجماهير التي ذهبت لوداع نجمهم المفضل في آخر أفلامه؟.
[/size]