التاريخ: الأربعاء 16 سبتمبر 2009
وفاء حلمى فى حوار مع الكاتب الراحل الكبير محمود عوض ينشر لأول مرة
مفاجأة: محمود عوض كان يجهز لإصدار رواية «شيء اسمه الحب» ومجموعة «فى عيد ميلاد الأسد»
»المثقف واجبه التفاعل مع الناس وليس مع المثقف الذى يسكن الشقة المجاورة »أنا ضد نظرية أن يكون المثقف جمعية استهلاكية!! »معظم المثقفين العرب إما عالة على جهة حكومية أو عالة على حزب »السياسيون العرب يتمنون أن يكونوا كتاباً والكتاب يتمنون أن يكونوا سياسيين.. والنتيجة
لا كتاب ولا سياسيين
»مفارقات مثيرة فى حياتى من بطولة إحسان عبد القدروس وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ
ست سنوات مرت على إجراء هذا الحوار.. يوم ذهبت لإجراء ذلك الحوار المطول مع الكاتب الكبير محمود عوض رحمه الله، كانت تلك هى المرة الأولى التى أقابله فيها.. وكنت مشوقة لمقابلته، فقد قرأت له وأنا طفلة فى المرحلة الإعدادية كتابه البديع «أفكار ضد الرصاص»، الغريب وقتها أنى فهمت الكتاب وانفعلت معه لدرجة البكاء.. ثم رحت أبحث عن كتبه وكانت مكتبة مدرسة «مصر الجديدة» عامرة بالكتب المهمة، ووجدت كتابيه «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» و«عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد».. وكانا عبارة عن مقطوعات أدبية رفيعة المستوي، والمدهش أن كثيرات من زميلاتي، أحببن كتبه وتبادلناها، وهو ما يؤكد عظمة محمود عوض ككاتب يستوعبه الصغار ويحبه الكبار..
والمفارقة أن يوم ذهبت لإجراء هذا الحوار مع الكاتب الكبير كان خارجا لتوه من المستشفى بعد أزمة ربوية ألمت به، يومها وافق على الحوار بشرط ألا يزيد على ساعة، بسبب حالته الصحية، ووافقت وذهبت فى الموعد المحدد، وكان فى كافيتريا نقابة الصحفيين، متصورة أنه خلال ساعة سأنجز حوارا يأخذ صفحة كاملة كما اتفقت مع رئيس التحرير، فإذا بالحوار يمتد ويطول لما يزيد على ثلاث ساعات.. وإذا بالأستاذ عندما بدأ يتحدث فى قضايا الوطن تناسى تعبه، يتشعب الحوار فى اتجاهات عدة.. من السياسة للاقتصاد للثقافية للفن والأدب..
وإذا بالحوار الذى كان مخططا له صفحة، يمتد لثلاث صفحات، وهذا الجزء المنشور اليوم كان مخططا له أن يكون الحلقة الثالثة من حوار طويل وممتد مع الكاتب الكبير ينشر على ثلاثة أسابيع كل أسبوع حلقة على صفحة، وبالفعل نشرت الحلقة الأولى منه بجريدة «العربي» فى 3 أغسطس 2003، ونشرت الحلقة الثانية فى الأسبوع التالى 10 أغسطس، ثم فجأة وقبل نشر الحلقة الثالثة من الحوار بيومين فقط، طلب منى كاتبنا الكبير محمود عوض أن أؤجل نشر الحلقة الثالثة، رغم أنه فى كل مرة كان يتصل بى تليفونيا ويتوجنى بثنائه على جهدى وقدرتى على الإمساك بسخونة الحوار..
اندهشت وسألته عن السبب فكان رده أن الحلقة الأخيرة أقل سخونة لهذا كان يجب أن أبدأ بها لا أن أختم بها الحلقات.. حيث كانت الحلقة الأولى والثانية فى منتهى السخونة، حيث حاورته فى الأوضاع المتفجرة فى العراق وفلسطين وأمريكا والبترول العربي.. وفى الثانية تطرقت إلى الأوضاع المتأزمة فى مصر اقتصاديا وسياسيا، أما الحلقة الثالثة والأخيرة التى بين أيدينا فكانت عن الثقافة والأدب والفن وأهله، وعلاقة كاتبنا الكبير بأهل الفن، وعن كتبه التى كان يعد لإصدارها ومنها كتاب «بالعربى الجريح» الذى لم يكن قد استقر بعد على اسمه الحالي، إنما كان عنوانه «محمود عوض فى الشباب»، أما المفاجأة هنا، فهى إعلانه عن التجهيز لإصدار رواية ومجموعة قصصية.. وهو الأمر الذى أكده لى فيما بعد فكان يتمنى أن يعود للأدب من جديد.. لهذا أتمنى أن تنتبه أسرة كاتبنا الكبير ويبحثوا عن تلك الكنوز حتى لا نحرم من أدب رفيع المستوي..
ولما كان الكاتب الكبير محمود عوض مصيباً فى تأجيل نشر هذا الجزء من الحوار أجلته لأجل غير مسمي.. ومرت الأيام وقد شرفت بصداقته وثقته.. وكتبت عنه وعن كتبه عدة مقالات.. ودارت بيننا أحاديث متصلة.. وظل هذا الجزء من الحوار مؤجلا أو منسيا، وإذا بى أعثر عليه وأنا أبحث عما سوف أكتبه عنه بعد أن غادرنا.. وهو ما لم أكن أتخيله حتى فى أبشع الكوابيس..
هذا هو الجزء الثالث والأخير من الحوار المطول مع الكاتب الكبير محمود عوض:
{ أستاذ محمود ألا ترى أن هناك انفصالا بين النخبة المثقفة كتابا وسياسيين وبين الجماهير؟
}} طبعا أوافقك فأحد مشاكلنا الكبرى فى العالم العربى هو أن السياسيين يتمنون أن يكونوا كتابا، والكتاب يتمنون أن يكونوا سياسيين، والنتيجة لا عندنا كتاب ناجحون، ولا سياسيون ناجحون.
فى رأيى أن سبب ذلك الانفصال هو عدم وجود المثقف المستقل. فمعظم المثقفين العرب إما عالة على جهة حكومية، أو عالة على جهة حزبية، ويندر وجود المثقف المستقل لأسباب تاريخية وذاتية. كذلك من مشاكل المثقفين أنهم يتحاورون مع بعضهم وليس مع الناس. متناسين أن المثقف واجبه بالدرجة الأولى التفاعل مع الناس، وليس مع المثقف الآخر الذى يسكن الشقة المجاورة. لأن المثقفين ليسوا بحاجة لبعضهم، المحتاج للمثقف هو المواطن العادي. محتاج لرؤية مثقف لديه «رادار» يريه الغد قبل أن يأتي.
{ كيف ترى الإعلام الآن؟
}} الآن حدثت طفرة وزيادة عددية فى عدد الصحف والجرائد لكن ليس فى النوعية. صحف كثيرة لكن أشك فى أنها أفضل.. إذاعات أكثر لكن هل تأثيرها أكبر أشك.. عندنا محطات تليفزيون «العدد فى الليمون» لكن هل تصل للمواطن الذى يجب أن تصل له أشك.
{ ماذا عن الكتب ولدينا الآن انفجار فى النشر؟
}} نفس الحال وسأضرب لك مثلا، طه حسين كرمتنى الظروف فى شبابى أن أكون من القريبين منه، طه حسين فى عز مجده كان أكثر كتاب من كتبه يوزع 5 آلاف نسخة، لكن كان تأثيره فى المجتمع المصرى والثقافة المصرية مثل ذلك مليون مرة.
{ وما سبب ذلك فى رأيك؟
}} اليوم لا توجد المدارس الفكرية ولا الصالونات الأدبية، كل مثقف يقدم عزفا انفراديا.
{ أليس هذا مطلوبا فالإبداع فردي؟
}} ممكن يكون مقبولا لأن هناك جزءا فى الثقافة فيه هذا دائما، المثقف ذاتى أقرب من الموضوعي، لكن إلى جانب الذاتية لابد من وجود إحساس بالمسئولية.. تجاه المجتمع الذى أشبهه بالمركب.. أنا كفرد فى مركب لا يمكن أن تغرق المركب وأنا أظل وحدى طرزان، لما تغرق كلنا نغرق، لما تنجو كلنا ننجو.. فهذا الإحساس يتوارى الآن.. وأحيانا أشعر بأن انطواء المثقفين الحقيقيين أحد مظاهر الأزمة وهذا شيء مرعب، أن نرى فى هذا الوقت العديد من المثقفين آثروا الانزواء والانطواء بسبب إحساسهم بأنهم غير مؤثرين.
{ متى يفقد الكاتب تأثيره فى مجتمعه؟
}} الكاتب يفقد التأثير عندما يعتقد أنه غير مؤثر، ويكون مؤثرا عندما يقنع أنه مؤثر.. وسأضرب لك مثلا.. فى أوائل السبعينات طلب منى د.سيد أبو النجا رئيس مجلس إدارة دار المعارف وصديقى وهو كان من حكماء الإدارة فى مصر، كتابا لينشره قلت له عندى كتاب لكنه غير ملائم لك لأنك معتاد أن كتبك بتحقق توزيع جيد، لكن هذا الكتاب الذى أشتغل فيه لن يوزع، ضحك وقال فيه كاتب يقول على كتابه سيسبب خسارة قلت له لأننا أصدقاء، ضحك وتساءل عن سبب تأليف كتاب لن يوزع، قلت له لأن القضية التى يتناولها أنا مؤمن بها وهى تشرح العلاقة بين السياسة والثقافة أو مثقف السلطة من خلال أربع حالات تطبيقية اسمه «أفكار ضد الرصاص» يتناول قاسم أمين وكتاب تحرير المرأة وعبدالرحمن الكواكبى وكتاب طلائع الاستبداد وعلى عبدالرازق وكتاب الإسلام ونظام الحكم، وطه حسين وكتاب الشعر الجاهلي، فى هذا الكتاب أناقش كيف دار الصدام بين المثقف والسلطة السياسية وعندما عرف أننى أعمل فى الكتاب سنة كاملة تحمس لنشره فى سلسلة اقرأ، وهى سلسلة شهرية بعشرة قروش وكان أجرى عنه بعد سنة عمل مائة جنيه، وصلت 85 جنيها بعد خصم الضرائب، ونزل الكتاب، وتدور الأيام ويعاد طبعه تسع مرات، وطبع فى دار المعارف وفى دار الشروق، وذات مرة أنا ومصطفى حسين الذى رسم الغلاف، رحنا نحسب عدد النسخ التى طبعت منه فصعقنا لأنها وصلت لأكثر من ربع مليون نسخة.
ففى المغرب كان مقررا فى الدراسات الجامعية وفى الكويت.. إضافة لمصر إذن لو كنت حسبتها بالورقة والقلم لما كنت كتبته ولا أضعت سنة من عمرى فى تأليفه.
{ تقصد من ذلك أن يقدم الكاتب ما يؤمن به دون انتظار المكسب؟
}} أنا ضد نظرية أن يكون المثقف شهيدا، لكن أيضا ضد نظرية أن يكون المثقف جمعية استهلاكية «من إيده لبُقه.. ومن بُقه لإيده».
{ معروف أنك صادقت أهل الفن أم كلثوم عبدالحليم وعبدالوهاب وبليغ وكمال الطويل كيف بدأت علاقتك بهم؟
}} بدأت بالصدفة عندما كانت الصفحة الأخيرة فى أخبار اليوم أهم صفحة أدبية وثقافية وباستمرار كانت مخصصة للكتاب الكبار، فإذا بإحسان عبدالقدوس عندما كان رئيس تحرير الأخبار يأتى فى أحد الأيام، ويطلب منى أن أكتب الصفحة الأخيرة فصعقت من المفاجأة لأنى كنت وقتها سنة 1968 كنت تقريبا «عيل» وكانت ثقة أكبر مما توقعت، وشرط أن يكون المقال الأول عن أم كلثوم، فقلت له لا أعرفها، فقال إذن كلمها فقلت له إنها واضعة حول نفسها سور الصين العظيم، ولا يستطيع الاقتراب منها سوى الكتاب الكبار رؤساء التحرير أصحاب الصحف، فابتسم وأعطانى تليفونها اتصلت بها مرة واثنتين وثلاثا أنا مجهول بالنسبة لها، وفى يوم كنت شعرت بملل وقررت أن تكون آخر مكالمة، قلت لو لم تعطنى موعدا سأقول لإحسان: "الله الغنى عن الصفحة مش عايزها"..
وأم كلثوم كان عندها «رادار» ردت على وسألتنى أنت بتتكلم من أين الآن؟ قلت من الجريدة فقالت ممكن تأتى الآن فقلت نعم، وكنت فى هذا الوقت أقل الأوقات استعدادا نفسيا عندي. فذهبت وأخذ الحوار ساعة ثم بقيت ساعتين نتكلم فى مواضيع أخري، وقبل صدور الجريدة يوم السبت جاء إحسان وسألني، إن كنت عرضت البروفات قبل النشر عليها، واندهشت وقلت إننا لا نعرض بروفات على المصادر، فقال:
"دى أم كلثوم يا محمود" وطلب منى برجاء، فأفحمنى وكان الموضوع بادئا بالجملة التالية:
«.. إلا المرأة» وعندما رأت أم كلثوم الموضوع اندهشت وقالت الجملة ناقصة أين الخبر، فطبقت البروفة وسألتها: من فينا يفهم فى الغناء أكثر أنا أم أنت؟ ظهرت على وجهها المفاجأة وقالت أنا طبعا، فقلت لها وفى الكتابة أنا أفهم أكثر، وأنا عندى عيب لما أتكلم انفعالاتى تظهر على وجهى فواضح إن أنا كان على وجهى الانزعاج فنظرت أم كلثوم إلى ثوانى شعرت كأنها ترغب أن تلقى بى من الشباك، قالت كمل، وكان لسان حالها يقول: "ربنا أبتلانى بأخينا لما نشوف آخرتها" وخرجت من عندها وذهبت للجريدة، وسألت إحسان هل أم كلثوم اتصلت بك، اندهش فحكيت له ما حدث. الغريب أنها لم تتصل والمفاجأة بعد النشر بثلاثة أيام يوم الاثنين دق التليفون فى بيتى لما رديت وجدت أم كلثوم تخبرنى بأن سعيد فريحة صاحب دار الصياد والشبكة وكان صديقا شخصيا لها، ومن المقربين ومنها، أنه قرأ الحوار وأعجبه، ويريد إعادة نشره فى إحدى مطبوعاته، فقالت له استأذن من الكاتب وليس مني، وكان هذا ذكاء من أم كلثوم واعتبرته نوعا من الترضية، بعد أن اعتقدت أنها آخر مرة ولن أراها بعد ذلك إطلاقا، ومنذ هذه المكالمة ولدت بيننا صداقة استمرت حتى رحيلها، لدرجة لما رغبت دار أخبار اليوم بعد ذلك بشهور تخرج كتابا عن أم كلثوم لتكريمها لأنها كانت تقدم حفلاتها للمجهود الحربي، ولأنهم كانوا يريدون للكتاب أن يوزع خاصة أن السلسلة لم تكن توزع ولما عرضوا عليها الفكرة أصرت أن أكون أنا المؤلف.
وكان كتاب «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» وأثناء نزول الإعلانات عنه اتصل بى أحد أقاربها، ويملك أن يتكلم باسمها معترضا على اسم الكتاب معتبرا أنه إهانة لأم كلثوم ولمح أنه رأى أم كلثوم. ولأعرف رأيها اتصلت بها، وقلت لها عن محادثة قريبها، فانزعجت أن هناك من تكلم باسمها، وأكدت لى أن من أجمل الأفكار فكرة العنوان.. وخرج الكتاب وأعيد طبعه فى أسبوع واحد.
{ وماذا كان رد فعل أم كلثوم؟
}} دعتنى لقضاء أسبوع فى الإسكندرية فى فندق السلاملك داخل قصر المنتزه وكان معها سكرتيرتها، إحسان، كنت طوال النهار معها فى الفندق، وفى آخر النهار آخذ سيارتى وأنزل الإسكندرية أسهر مع أصدقائي. ولما أصبحت صديقا لعبدالوهاب سألنى عن هذه الدعوة فاندهشت، لأنى لم أخبر بها أحدا، فقال إنها هى التى أخبرته، فقلت مادامت هى التى قالت فقد حدث، فكان مندهشا جدا أنها دعتنى على حسابها الخاص، وأعاد هذا السؤال مرات كما لو كان يسمع أحد غرائب الطبيعة. ثم لفت الأيام ودعانى هو فى المغرب. وقتها كان مدعوا من الملك الحسن، وأنا مدعو من «باطن» عبدالوهاب وفى اليوم الأخير، وذهبت ووقفت فى «الرسبشن»، فسألنى عن سبب وجودى فأخبرته لا أعرف إن كنت أنت الذى ستدفع حساب غرفتى أم لا فضحك لأنى مازلت متذكرا اندهاشه من دعوة أم كلثوم.
وبعد كتاب أم كلثوم الجنيه الذهب فى الفن، طلب إحسان من عبدالوهاب أن نخرج كتابا عنه فاشترط أن يكون من تأليفي، ومن وقتها بدأت علاقتى بعبدالوهاب ومنه تسلسلت للآخرين بليغ حمدى وعبدالحليم، وكمال الطويل، ومحمد الموجي..
{ كيف بدأت علاقتك بعبدالحليم وأهم ذكرياتك عنه؟
}} كنت قريباجدا من عبدالحليم فى سنواته الأخيرة، والقصة الوحيدة التى قام ببطولتها دراميا للإذاعة كانت من تأليفى وكان اسمها «أرجوك لا تفهمنى بسرعة» مع نجلاء فتحى وعادل إمام. وفى وقت من الأوقات كان متوقعا أن يكون الكتاب الثالث عنه ففوجئ أنى معتذر. وقد أخذت وقتا طويلا ليقتنع بسبب اعتذارى عن عدم تأليف كتاب عنه. وتصور خطأ أننى رفضت من باب التعالى أو أنى غير معجب به وهذه ليست الحقيقة.
{ فما هى إذن الأسباب الحقيقية للرفض؟
}} أنا لم أكتب عن أم كلثوم وعبدالوهاب كتابة فنية، إنما كتبت تحليلا للشخصية وللعصر. وكان نوعا جديدا من الكتابة كنت أجربه ووجدت تجاوبا من القراء. ولم يكن من طموحاتى الاستمرار مع آخرين حتى لا أرتبط ككاتب بهذا اللون. لأن اهتماماتى الأساسية كانت منصبة على الأدب والرواية بالإضافة للسياسة. فخشيت إذا كتبت عن عبدالحليم أن يحبسنى القراء فى هذا المربع، خاصة أن فريد الأطرش أرسل لى صديقا مشتركا يريد هو الآخر كتابا عنه.
{ ومتى زال سوء التفاهم؟
}} فى سنة 1973 كانت ذروة التنافس على الإذاعة فى شهر رمضان، وكان التليفزيون لم يأخذ هذه المساحة بعد. وكانت المنافسة مركزة على محطات الإذاعة وأهم حاجة فى محطات الإذاعة العمل الدرامى الذى يقدم بعد الإفطار، وكانت كل محطة حريصة على تقديم تمثيلية يلعب بطولتها أفضل وأكبر النجوم وكان عبدالحليم من الممثلين المطلوبين.. يعرضون عليه ذلك كل سنة وهو يؤجل للسنة التى تليها. حتى جاء المخرج الإذاعى الكبير محمد علوان من إذاعة الشرق الأوسط، وكان أهم ما يقدمه للإذاعة من السنة للسنة هو المسلسل الدرامى الذى يخرجه فى شهر رمضان، وفى إحدى مكالمات علوان الروتينية بعبدالحليم ليذكره أنه مازال مصرا عليه، فى هذه المرة عام 1973، وافق حليم فذهب إليه علوان، ومعه عقد من الإذاعة ليجعله يوقع قبل أن يرجع فى كلامه، وأخبره بأن الإذاعة أعطته تفويضا فى قبول أى شروط له، فقال حليم أنا لى شرط واحد وهو ليس شرطا ماديا وكتب بخط يده فى العقد موافق بشرط أن يكتب القصة محمود عوض ووقع.
فقال له علوان محمود صديقى سأذهب له فورا فقال له حليم لا اتركنى أتصرف، وفى اليوم التالى ولم يكن عندى خلفية اتصل بى عبدالحليم وسألنى إن كنت مرتبطا بمواعيد فى هذا اليوم فأجبت بالنفى فقال إذن سنذهب فى مشوار خاص أنا وأنت، جاء وأخذنى بالسيارة من البيت وفى الطريق كان السائق ذاهبا للطريق الصحراوى فقلت له رايحين إسكندرية وراجعين تانى يوم وكانت تلك رحلة مألوفة رحلة قصيرة يوم.. وذهبنا إلى شاليه العجمى سهرنا ولما صحيت لم أجد لا عبدالحليم ولا السيارة ولما سألت الغفير عنه عرفت أنه خرج مبكرا وقال للغفير أنت مسئول عن الأستاذ محمود ليل نهار أكله وشربه، اندهشت وتصورت أنه نزل الإسكندرية ساعتين ثلاثة وراجع..
بعد ذلك بخمس ست ساعات رن التليفون «ترنك»، وكان المتصل حليم وكان يضحك بشدة، سألته ما الحكاية قال أنت معتقل إلى أن يشاء الله، أنا وقعت عقد ورمضان قرب وأنا واثق أنك عندك قصة. لهذا لن ابعث السائق بالسيارة إلا لما تكون خلصت، وتم الاعتقال حتى انتهيت من المسلسل. وقام ببطولته مع نجلاء فتحى وعادل إمام ويوسف وهبى وتصادف فى اليوم العاشر من رمضان فتوقفت جميع البرامج والمسلسلات وتحولت لبرامج حرب فيما عدا هذا المسلسل لأن الإذاعة كانت باعت بالفعل الحلقات للدول العربية فكان يجب الاستمرار فيها.
{ عنوانه غريب ككل عناوينك!
}} نعم أنا كل عناوينى غريبة من أول كتاب «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد» الذى كان غريبا وقتها ثم أصبح موضة لعدد من الكتب التى صدرت بعد ذلك. لما كتبت «أرجوك لا تفهمنى بسرعة». كان غريبا جدا بعدها إحسان كتب «أرجوك لا تعطنى هذا الدواء»، المقصود إثارة دهشة القارئ دون الإخلال بالمضمون حتى آخر كتاب صدر لى منذ سنوات كان اسمه «وعليكم السلام»..
{ هل هناك كتب ستصدر لك قريبا؟
}} عندى مجموعة كتب جاهزة للنشر، منها كتاب بعنوان «محمود عوض فى الشباب» وهو عبارة عن مجموعة من المقالات عددها حوالى خمسين كنت كتبتها فى مجلة الشباب ككاتب ضيف عندهم منذ 1997 حتى العام الماضى 2002، وهى تجربة أخذت منى حماسا أكثر لاهتمامى بقارئ المجلة. إضافة لرواية بعنوان «شيء اسمه الحب» ومجموعة قصص قصيرة بعنوان «فى عيد ميلاد الأسد».
أتى هذا المقال من جريدة العربي
http:/www.al-araby.com/docs
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.al-araby.com/docs/article2142182268.html