عبدالحليم حافظ في لبنان
كان الموسم الصيفي في لبنان مهرجانا مفتوحا لعدة أشهر حيث يقصده المصطافون العرب من كل البلاد العربية لتمضية صيف حافل بالطقس الجميل والمطاعم المميزة بأكلها المتنوع وحفلاتها الموسيقية التي تستضيف عمالقة الطرب العربي وعلي رأسهم عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش.. ولم تمض حفلة لعبدالحليم في مدرج لبنان عالية دون مشكلة جماهيرية أو بين الجمهور وقوي الأمن الداخلي.
كان حليم يحضر إلي لبنان بعد انتهاء احتفالات الثورة التي كان يقدم فيها كل عام أغنية جديدة يكتبها صلاح جاهين ويلحنها كمال الطويل وينتظرها الملايين.
وكان متعهدوا الحفلات الحريصون علي نجاحها يحرصون من هنا علي ألا يسبب قلقا في الحفل الذي ينتظره الآلاف كل عام.. فكانوا يطلبون من حليم ألا يغني أية أغنية ثورية ناصرية "بالأحضان، يا أهلا بالمعارك، المسئولية، بلدي يا بلدي" حرصا علي عدم استفزاز أحد في لبنان.. وكان حليم يتظاهر بالقبول.. لكنه ما أن يصعد إلي المسرح حتي يبدأ هتاف الناس وبشكل متواصل ناصر، ناصر، بالأحضان بلدي يا بلدي.. وهو يبتسم محاولا تهدئة الهتافات فيعطي إشارة للموسيقي بما يظنه الناس استجابة لمطالبهم لكن الجميع يكتشف أن حليم سيغني أغنية عاطفية.. والناس تشتعل من جديد بالهتاف بالأحضان.. ناصر.. ناصر..
وعندما يبدو أن حليم سيستجيب لما يطلبه الحاضرون، كان الجمهور يفاجأ بصعود رجال الدولة الذين كانوا تحت رئاسة ماروني مسعاد في الشيعة لجمال عبدالناصر ليطلبوا من حليم التوقف عن تقديم أية أغنية سياسية.
مقابل رجال الدولة كان فوج إطفاء بيروت يصعدون أيضا إلي المسرح لحماية عبدالحليم ولمجابهة رجال الدولة.
كانت حفلات عبدالحليم سياسية بامتياز وخاصة أن الناس كانت تعتبره سفير ثورة 23 يوليو ولم يمر في تاريخ شعب أو أمة مطرب تساوت فيه أغانيه السياسية مع أغانيه العاطفية وقد برع في النوعين مثلما كان حال عبدالحليم حافظ.
وقد حفظت ذاكرتي أن حليم واجه الموقف نفسه في إحدي الاحتفالات الرسمية في الكويت وبحضور شيوخ الأسرة الكريمة الحاكمة، حيث طلب منه أحدهم وحرصا علي عدم إغضاب أحد ألا يغني أية أغنية ثورية ناصرية فوافقهم.. لكنه ما أن بدأت الموسيقي خلفه تغزف مقدمة أغنية عاطفية.. أهواك من ألحان الموسيقار محمد عبدالوهاب حتي هبت جماهير الكويت طالبة منه أغنية بالأحضان كلمات صلاح جاهين وألحان الموسيقار كمال الطويل.
ولم يتوقف هتاف الناس حتي توقف عزف موسيقي أهواك.. ثم نظر عبدالحليم إلي الصفوف الأولي من الحضور من علية القوم مشيرا لهم برفع حاجبيه بأنه مغلوب علي أمره.. ثم أُعْطِي الإذن.. لـ.. بالأحضان
نقلا عن مجلة روزا اليوسف