مجلة العربي
أعد الملف - أشرف توفيق
اعز الناس:
عدى النهار..عزمى عبدالوهاب عبدالحليم حافظ؟ متى سمعت بهذا الاسم لأول مرة؟ لا أذكر سوى أنه تسلل إلى غرفتى بهدوء، حتى أصبح يسكنها معى لدرجة أننى فى مرحلة من حياتى تمنيت أن أكون عبدالحليم حافظ، الذى لم يكن فى تلك الفترة غير رسول غرام بامتياز، كانت فى صوته، وربما ملامحه، انكسارة المحب، ويتم العاشق المهجور، كان مثلنا تماما، نحن أبناء الفلاحين، عاشقا فقيرا، مصابا بالبلهارسيا، وحزينا بصدق جارح. وعندما أستعيد موال عدّى النهار أتذكر أن عمرى وقتها، لم يكن قد تجاوز السنوات الثلاث، بينما كان عمر هذا الوطن مثقلا بسنوات تقصم الظهر، ولأن الانتصار الخاطف فى 1973 كان لحظة فرح مؤقت، بقيت عدى النهار أغنية تشبه شمس الظهيرة فى صيف يونيو الحارق. استعدناها فى أغلب الأوقات، عند هبوط طائرة السادات فى مطار بن جوريون ذات ليل، واحتلال بغداد فى التاسع من أبريل، واغتيال عرفات بعد حصاره فى رام الله، ودعوة الحزب الوطنى للاستفتاء على التعديلات الدستورية.كشف لنا عدى النهار وجها آخر من وجوه عبدالحليم حافظ، لم يكن عاشقا مهزوما، ولا واقفا على راس بستان الاشتراكية كان بسيطا وصادقا وحزينا، وأحببنا الأغنية وظللنا نستعيدها باستمرار، رغم أننا تجاوزنا تلك اللحظة التى غنى فيها.. عدى النهار.. والمغربية جايه، تتخفى ورا ضهر الشجر.. وعشان نتوه فى السكة.. شالت من ليالينا القمر. كنا مجموعة من الشباب فى قرية صغيرة، وكان اليسار راية كبيرة، نقف تحته، فترمى فى طريقنا آلاف الأقمار، كانت السكة واضحة، وكان اليساريون وحدهم هم من يليق بهم أن يقولوا: وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها.. جانا نها ماقدرش يدفع مهرها كانت صورة مصر فى الأغنية جديدة وطازجة،نعرفها نحن أبناء القرى الذين لم يصدقوا مصر التى فى الأغانى، كانت مصر هنا مختلفة تماما، حقيقية مثلما كان عبدالحليم حافظ حقيقيا. كان عبدالحليم حافظ اكتشاف الناس الغلابة لذلك مات قصير العمر، شأن هذا الشعب، الذى سرقوا عمره، كان حنجرة الصامتين، أولئك الطالعين من الغيطان والمصانع والمتاجر والمدارس والساحات وكانت الأغنية تختصر تاريخ عبدالحليم حافظ وتاريخ شعب يذهب إلى النهار، تاه العندليب بعد ذلك حين غنى عاش اللى قال فى السبعينات، هو نفسه لم يصدق أن هذا الصوت صوته، وكانت عدى النهار أيقونة كل العصور التالية، والترجمة الصادقة لما تعيشه أجيال ولدت حول العام السابع والستين. لم يقدم لنا حليم فى عدى النار إجابات ولا اقتراحات ولا أحلاما، رغم أنه غنى تحلم ببكره.. واللى هيجيبو معاه لم يكن واثقا من شيء، اهتز يقينه بالطبع، لذلك سأل: يا هل ترى الليل الحزين أبوالنجوم الدبلانين.. أبوالغناوى المجروحين.. يقدر ينسيها الصباح كانت صورة بلدنا ع الترعة أكثر جرحا بصدقها، وأكثر رسوخا بعمقها، كانت هى الأقوى والباقية فى الوجدان.. رغم مرور كل هذه السنين!. لحن الوفاء بوسى عبد الحليم حافظ كان ولايزال بعد مرور 30 عاما على رحيله، هو المطرب المفضل والأقرب لقلوبنا، ليس فقط لى ولأبناء جيلى، بل لكل الأجيال التى عاصرته، والتى أتت بعده، بل ولمن ولد بعد رحيله وأكمل هذا العام عامه الثلاثين. فقد عبر حليم عن مشاعرنا فى مرحلة المراهقة والشباب، وكل أغنية من أغانيه كانت لها ذكرى خاصة فى حياتنا، وعن نفسى انا أعشق كل ما قدم حليم، وأخص أغانيه التى قدمها فى أفلام لحن الوفاء، وشارع الحب، وأبى فوق الشجرة وأخص من هذه الأفلام أغنية لحن الوفاء فقد كانت ولاتزال لها ذكرى جميلة فى حياتى لا أنساها، وكلما سمعتها إلى الآن أدخل فى حالة خاصة جدا، وأعيش مع موسيقاها وكلماتها بصوت حليم الدافئ. قولوله الحقيقة نجوى فؤاد عبد الحليم حافظ كان بالنسبة لى الأخ والصديق والمعلم، وكان دائما رحمه الله يتفاءل بوجودى معه فى فيلم أو أى حفل أشارك فيه ويكون هو نجمه، ويحضرنى هنا أول يوم تقابلت معه فيه، كنت فى حالة هيسترية من شدة الفرح بأننى سأرقص على أغنية لعبد الحليم حافظ، لم يصدق عقلى ذلك، فقد كنت فى ذلك الوقت عمرى 16 عاما، وكنت مخطوبة للموسيقار الراحل أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية فيما بعد، وسعد حليم جدا بهذا، وطلب منى أن أرقص معه على أغنية قولوله الحقيقة فى فيلم شارع الحب ولم أصدق نفسى، ورقصت كما لم أرقص من قبل، ونجح الفيلم ونجحت الأغنية بشكل كبير جدا، ولا أنكر طبعا أننى بعدها أصبحت من أشهر الراقصات فى مصر والوطن العربى.فقد ارتبط بى إلى درجة كبيرة جدا، وأنا كذلك، لدرجة انه كان يريدنى أن أقدم الدور الذى قدمته الفنانة الكبيرة نادية لطفى فى فيلم أبى فوق الشجرة ولكنى وقتها فى مطلع السبعينات لم أكن نجمة شباك كما أننى لم أكن ذات خبرة، ودارت نقاشات طويلة بهذا الشأن فى شركة صوت الفن، وقدمته نادية لطفى، وأهديتها وقتها بدلة رقص من عندى، وكنت أذهب لحليم فى الاستوديو وانا احمل معى الطعام الذى يحبه الخبيزة ومعى تُرمس الشاى، وكان يتفاءل جدا بزيارتى.. رحمه الله، فلن انسى هذه الأيام أبدا. أعز الناس سيمون أعز الناس من أحب الأغنيات إلى قلبى، لانها تحمل مضمونا مختلفا وجديدا لم يتطرق إليه أحد من قبل، فهى تدور حول أننا نتقابل مع أناس فى حياتنا، وقد نعشق أناسا، ولكننا لا ننسى حبايبنا لأنهم أعز الناس، وهو أحد أهم حبايبنا الذين لن ننساهم أبدا. فقد أحببت كل أغانى عبد الحليم لأنها لا تحمل أى معان للانتقام، بل تحمل كل الرومانسية والمشاعر الرقيقة، مثل بلاش عتاب، وأى دمعة حزن لا، كما أننى لا أنسى كل أغانية الوطنية التى عبرت عن أهم فترات تاريخنا المعاصر فى حياة مصر والوطن العربى. حاول تفتكرني هانى مهني ثلاثون عاما تألقا ونجاحا، لم يحظ بها مطرب ولد لحظة رحيل حليم، أو حتى قبل رحيله بسنوات وعاش بيننا كل هذه السنوات يغنى ويملأ ألبومات بأغانيه ويوزع الملايين منها، ثلاثون عاما وحليم فى تألق مستمر وكأنه يعيش بيننا وأكثر، ثلاثون عاما ولم ننساك، ولن ننساك، ثلاثون عاما تعيش بيننا وفى قلوبنا. فقد كان أول لقاء جمعنى به عام 1971 فى حفل على مسرح الجامعة، وقدم يومها أغنية حاول تفتكرنى وكنت أشعر برهبة داخلية لأننى أقف خلف عبد الحليم حافظ، غير أننى فى الوقت نفسه شعرت بالفخر وأننى مسكت النجوم بيدى لأن حليم اختارنى لأعزف خلفه، غير أنه سرعان مازالت الرهبة والخوف ما إن لمست فيه الحنان والصدق والطيبة والتواضع إلى أقصى درجة، وأتذكر بعدها فى مرة من المرات وبعد انتهاء الحفل، انصرفت الفرقة ولم أجد من يحمل معى الأورج إلى خارج المسرح، فوجدته يعرض على ذلك، وعندما رفضت بشدة أن يقوم هو بحمله معى، أصر وأقسم برحمة أمه أن يحمله معى وفعل.وبمرور الوقت أصبحنا أصدقاء، وكما كان يقول هو دائما أصبح بيننا عيش وملح، وسافرت معه لإقامة حفلات عديدة فى سوريا وتونس والمغرب والجزائر، وفرنسا وإنجلترا، وكنت فى كل سفرة أعيد اكتشاف هذه الشخصية الغريبة التى لم أر مثلها، فى صدقها وحنانها ومشاعرها. أجمل صدفة منه فضالي لا شك أننى أعشق كل أغانى الفنان المرهف الحس الجميل عبد الحليم حافظ، غير أن أغنية صدفة تحديدا من أحب الأغانى إلى قلبى، فقد تمت خطبتى بطريق الصدفة، وكنت وقتها لم يتعد عمرى 16 عاما، وبدأت وقتها أستمع إلى أغانى عبد الحليم، ولفتت نظرى بقوة أغنية صدفة لأنها كانت تعبر عن الحالة التى أعيشها من وجود الحب فى حياتى صدفة وأنا فى هذه السن المبكرة. وتضحك منه وبعد فسخ الخطبة كانت أحب أغنية إلى قلبى هى تخونوه ولكنى عشقت كل ما غنى. صورة.. كلنا كده عايزين صورة عزت العلايلي هذه الأغنية العبقرية التى كتب كلماتها الراحل العبقرى الثانى صلاح جاهين، والتى كتبها بصورة نادرة رائعة عبر بها عن كل طموحاتنا وأحلامنا، عبر بها عن جيلنا وكل ما تمنيناه، عن المرحلة التى عشناها وتنفسناها، وفى الحقيقة ليست هذه الأغنية فحسب، بل كل أغانى المرحلة، ومن بينها أيضا حكاية السد التى أرخت أيضا لحدث مهم ومرحلة مهمة من أهم مراحل تاريخ مصر الحديث والمعاصر، بناء السد العالى، أحد أهم إنجازات ثورة يوليو العظيمة، وكذلك بقية أغانية الوطنية التى كلما استمعت إليه، ليست فقط تحرك شيئا بداخلك وتعيد لك شجن وذكريات زمن جميل مضى، بل تجعلك تحزن على ما نحن فيه وما وصلنا إليه، بعد أن كنا فى القمة فى كل شيء، أصبحنا أمة نستجدى أى شيء، ولا نطاله، فضلا عن ذلك فإنه بسماعك لهذه الأغنية تجد أنها تؤرخ لهذه المرحلة سياسيا واجتماعيا، بل ورومانسيا، ترصد أهم المتغيرات التى مرت على مصر والوطن العربى، تشعرك أنك لست وحدك فى هذا الوطن، تشعرك بأننا أمة كبيرة لها عزتها وكرامتها وكيانها، ولها كلمتها ولها وجودها.. ولكن للأسف ما إن تنتهى من سماع الأغنية الآن، حتى تفيق على واقع أليم ومهين وصعب.. أنا لك على طول دنيا عندما استمعت أول مرة لأغنية أنا لك على طول خليك ليا شعرت بأن هذا المطرب الجبار يستطيع أن ينفذ إلى قلب كل من يسمعه دون استئذان، فعلى الرغم من أننى ولدت بعد رحيله، وولد مع مطربين كثيرين خرجت للدينا وجدتهم باعتبارهم مطربى ومطربات جيلى، إلا أننى وجدت أن هناك شيئا خاصا يميز هذا الفنان عن كل مطربى جيله والأجيال السابقة له واللاحقة عليه، هناك كيمياء خاصة تتفاعل وتفرز مشاعر وأحاسيس تتسلل إليك فتحدث ارتباطا وثيقا بينك وبين هذا الفنان الرائع، تفرح وتحب معه، وتحزن وتبكى له ومن أجله. بحلم بيك ميرنا المهندس بحلم بيك انا بحلم بيك.. وبأشواقى مستنيك، وإن مسألتش فيا يبقى كفاية عليا عشت ليالى هنية أحلم بيك.. أنا بحلم بيك من أجمل ما سمعت صوتا ولحنا وكلمات وأداء.. هل هناك أجمل من ذلك، هل هناك أجمل من أن تنعزل عن العالم المحيط بك وتجلس تنصت إلى صوت الحب صوت الرومانسية، صوت العندليب. فقد خرجت وتربيت منذ نعومة أظفارى على هذا الصوت الحالم، عشقت كل ما قدم، وكم كانت سعادتى وفرحتى عندما أسند إلى دورى الأخير فى فيلمى الجديد الذى أستعد لتصويره، وأقدم فيه دور فتاة رومانسية من هواة سماع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، شعرت بأن الدور أنا أو مكتوب من أجلى، لأننى كذلك بالفعل، فهو رمز الرومانسية فى عصره والعصور اللاحقة عليه، وأعتقد سيكون فى العصور التالية له. صافينى مرة شويكار لقد عشقت حليم كإنسانة وفتاة مراهقة، قبل أن أكون فنانة، فقبل أن أعمل بالفن كان لحليم أصدقاء لديهم كابينة فى بلاج ميامى بإسكندرية، وكان دائما يسهر معهم عندما يذهب لإسكندرية، وكان هؤلاء الأصدقاء مشتركين، وكنت دائما أسهر فى حفلاتهم عندما يكون حليم عندهم، وفى مرة من المرات سمعت منه صافينى مرة وشعرت بأن هناك مطربا مختلفا عن كل ما سمعنا، ثم غنى على قد الشوق ومن يومها أصبحت متيمة بهذا الفنان لما لمست فيه من هذا الكم المتدفق من المشاعر والأحاسيس. فقد جمعتنى بحليم صداقة حقيقية، لدرجة أنه لم يخش أن يعرفنى على الفتاة التى أحبها، وكانت قطعة من الجمال نفسه. رحم الله حليم فهو فنان لا ينسى، مثله مثل كل العمالقة الكبار، أم كلثوم وعبد الوهاب وفؤاد المهندس وأحمد زكى وغيرهم.. رحم الله الجميع.قارئة الفنجان عبير صبري أعتقد أنه لايوجد أحد لايحب عبد الحليم، سواء ممن عاصروه، أو من جاءوا بعده، أو حتى من سيأتون فيما بعد، فقد كان فنانا جميلا، فنانا يشبه عصره الذى كان جميلا فى كل شيء، وأعتقد أن هناك حكمة إلهية برحيل حليم فى هذا التوقيت تحديدا الذى رحل فيه، لأنه كما كان هذا الوقت هو رحيل الفن الجميل برحيل أم كلثوم ومن بعدها عبد الحليم، كان هذا أيضا إيذانا برحيل كل شيء جميل فى كل المجالات. فقد أحببت عصر حليم من خلاله، وأحببت أغانيه وأعماله، غير أننى ارتبطت كثيرا بأغنيته الأخيرة قارئة الفنجان فقد شعرت بأنه اختصر فيها كل ما يريد أن يقوله فيما هو قادم،.
http://www.al-araby.com/docs/1052/article4427.html