اسرار هروب"حليم" من "المسرح"
مازالت في حياة العندليب الأسمر أسرار كثيرة تحتاج لمن يزيح الستار عنها، خاصة أسباب ابتعاده أو ربما هروبه من
الوقوف علي خشبة المسرح.. فرغم النجاح الأسطوري الذي حققه طوال مشواره الفني فإنه لم يفكر في خوض
تجربة العمل المسرحي إلا مرة واحدة مع السندريلا الراحلة سعاد حسني إلا أنه تراجع في اللحظة الأخيرة!! فهل
كان حليم يخشي أبوالفنون؟ أم أن ظروفه هي التي منعته من هذه المغامرة؟ هذا ما نبحث عن إجابته لدي صنٌّاع
المسرح.
في البداية يقول المخرج حسن عبدالسلام: لاشك أن غياب عبدالحليم حافظ عن المسرح خسارة كبيرة له وللمسرح
أيضا، وأتخيل أنه لو كان قد خاض التجربة لأمكنه تحقيق النجاح الكبير تماما كما أثبت تميزه في الغناء والتمثيل
السينمائي.. والمرة الوحيدة التي فكر فيها العندليب في دخول تجربة مسرحية كانت معي.. بعد أن عرضنا عليه أنا
والمنتج سمير خفاجي أن يقوم ببطولة إحدي المسرحيات ومعه النجمة الراحلة سعاد حسني وبعد أن وافقا عليها
وبدأنا الاستعداد فوجئنا بتراجع العندليب الذي قرر تأجيل هذه الخطوة، لكنه لم يعد للتفكير فيها مرة أخري.
ويضيف حسن عبدالسلام: وأعتقد أن العندليب لم يكن مهيئا بالفعل لدخول مغامرة المسرح لأسباب كثيرة أهمها
حالته الصحية التي لم تكن تتحمل المجهود الكبير الذي يبذله الممثل المسرحي يوميا، بالإضافة لإخلاص العندليب
الشديد لفنه ويكفي أنه كان يتفرغ بشكل كامل لتقديم الأغنية الواحدة لعدة أشهر. فما بالنا بعرض مسرحي كامل
يأخذ منه وقتا ومجهودا أكثر بكثير.
ويؤكدأن العندليب لم يوافق علي دخول عالم المسرح خوفا من أن يسرقه من مشاريعه الغنائية التي وضعته علي
قمة الغناء العربي، لكنه كان يملك كل مقومات الممثل المسرحي المتميز وكان التاريخ بأكمله سيتوقف عند أعماله
المسرحية، لكن قناعاته وظروفه لم يسمحا بذلك.
مغامرة
أما د. هاني مطاوع فيقول: هناك عدة أسباب جعلت العندليب يبتعد عن خشبة المسرح أولها أن المسرح نفسه
يتطلب استعدادات خاصة جدا علي عكس السينما.. وعبدالحليم كان يمتلك ذكاء فطريا ازداد مع الوقت والعمل وجعله
يختار المجالات الناجحة فقط ولا يفكر في دخول أي مغامرات قد لا يستطيع تحقيق النجاح معها. كما أن الظروف
الصحية التي يعرفها الجميع عن عبدالحليم كانت سببا رئيسيا لابتعاده عن المسرح كما أن العروض المسرحية
الغنائية لم تكن منتشرة بالشكل الكافي وهو ما جعل عبدالحليم يقتصر علي الغناء في الحفلات والمشاركة في
الأعمال السينمائية..
ويضيف د. هاني مطاوع: وبصراحة أري أن العندليب اختار المجال الأفضل لأنه لم يكن ليحقق كل هذا النجاح علي
المسرح ويكفي أنه كان النجم الأشهر في تاريخ الغناء العربي.. وعموما فترة تألق حليم نفسها كانت عصرا للسينما
وللأغنية ولم تكن في صالح الأعمال المسرحية.
العمالقة
المخرج سمير العصفوري يوضح مفارقة غريبة وهي رغم أن العندليب لم يشارك في أي عمل مسرحي، فإن خشبة
المسرح كانت المكان المفضل لديه.. ويقول العصفوري: كان عبدالحليم يقضي أغلب أوقاته علي خشبة المسرح في
البروفات والحفلات ويكفي أنه وقف علي أشهر مسارح العالم والتي حقق من خلالها نجاحه الكبير.. لكن اهتمام
حليم الحقيقي كان بالغناء وتطويره من خلال العمل مع مجموعة كبيرة من أفضل المؤلفين والملحنين والموسيقيين..
وقد تفاعل مع الأحداث والمشاكل التي يعاني منها الناس وعبٌّر عنها من خلال أغانيه.. وأتخيل أن الجمهور نفسه لم
يكن يريد ممثلا مسرحيا اسمه عبدالحليم حافظ لأنه كان يحتاج لوجوده علي قمة الغناء.
ويضيف العصفوري: ويجب ألا ننسي الدور المهم الذي قام به حليم في السينما، فمن خلاله بدأت موجة جديدة من
الأفلام التي جذبت الجمهور من كل أنحاء الوطن العربي.. وبصراحة في هذا الوقت كانت السينما هي الأهم لدي
جيل العمالقة. فعبدالوهاب وأم كلثوم مثلا لم يخوضا تجربة المسرح واكتفيا بالغناء والسينما علي عكس الوقت
الحالي حيث يلجأ نجوم الغناء إلي المشاركة في العروض المسرحية التي تضيف إلي رصيدهم من النجاح
الجماهيري، ومنهم مدحت صالح وعلي الحجار.. وعموما عبدالحليم كان ذكيا في ابتعاده عن المسرح لأنه كان سيبذل
جهدا كبيرا لا يحتاج إليه لأنه حقق نجوميته الطاغية من خلال الغناء والسينما واستطاع أن يصل لمكانة رائعة في
قلوب الجمهور لن يضيف لها نجاحه المسرحي أي شيء.
الأوبريت
أما الكاتب سعد أردش فيقول: لقد وقف عبدالحليم حافظ علي خشبة المسرح لسنوات طويلة من خلال الحفلات التي
كان يقدمها ولكنه لم يقتحم عالم العروض المسرحية لأن الظروف لم تتح له ذلك.. وأعتقد أنه لم تعرض عليه عروض
قوية تتناسب مع نجوميته في عالم الغناء ولم يبادر هو للبحث عن النجاح في المسرح، لكنه قدم العروض الدرامية
من خلال حفلاته الناجحة وفي أفلامه السينمائية أيضا.
ويضيف سعد أردش: أعتقد أن المشكلة كانت بسبب المخرجين أنفسهم لأنني لم أسمع عن محاولة أي مخرج
للاستعانة بعبدالحليم في عروض مسرحية.
وأتخيل أنه لو كانت عرضت عليه كان سيقوم بها بجدارة وكان بإمكانه إحياء أمجاد الأوبريت بعد سيد درويش وزكريا
أحمد.. وهو في النهاية مكسب للمسرح المصري لم يستغله أحد.. وعموما الأمر كان يحتاج لدعم مؤسسة كبيرة
يمكنها أن تقدم عبدالحليم علي المسرح من خلال العروض الغنائية والاستعراضية التي تحتاج إلي دعم مادي كبير
وهو ما لم يحدث بالطبع.
أعمال خالدة
المخرج أحمد عبدالحليم يقول: المسرح في حد ذاته عمل شاق جدا خاصة المسرح الغنائي ويحتاج إلي مجهود هائل
يكفي أن الفنان يكون مطالبا بالتواجد علي المسرح لساعات طويلة يوميا وأن يغني بشكل مستمر في كل عرض
وهو مالم يكن يتحمله عبدالحليم حافظ بسبب مرضه، فقد اكتفي العندليب بالسينما لأنها لا تحتاج لمجهود كبير لا
علي المستوي الجسدي أو حتي النفسي.
فالمسرح يحتاج قدرة خاصة علي الإضحاك وهي لم تكن متوافرة عند العندليب فقد ابتعد عن المسرح وركز علي
السينما والإذاعة بالإضافة للحفلات التي كان يقيمها كل فترة مثل حفلات ليالي التليفزيون وغيرها.
ويوضح أحمد عبدالحليم أنه بالرغم من عدم تواجد العندليب في المسرح إلا أنه يمثل مرحلة من أهم مراحل الحركة
الغنائية في مصر، ومما لاشك فيه أن أعماله ستظل خالدة لدي الجمهور لفترة طويلة وبصماته الفنية لا يستطيع أن
ينكرها أحد.
التعالي!
وعن السبب الحقيقي وراء ابتعاد عبدالحليم عن المسرح يقول المخرج مراد منير: لا يستطيع الرد علي إجابة هذا
السؤال إلا شخص قريب جدا من عبدالحليم حافظ ولكن في رأيي الشخصي أنه لو وقف عبدالحليم علي خشبة
المسرح لكان بإمكانه أن يحقق النجاح الكبير لدي الجمهور، وأن يكون إضافة حقيقية للمسرح.
ويوضح مراد منير: إن عبدالحليم حافظ كان يقوم بحفلات علي خشبة المسرح وكان يبذل مجهودا كبيرا جدا وكان من
الممكن أن يقدم عروضا مسرحية ولكن لم تتح له الظروف ولا أعتقد أنه كان يتعالي علي المسرح كما يدعي
البعض.. وعموما لقد خسرنا الكثير بسبب ابتعاده عن المسرح فهو صاحب صوت جذاب وإحساس قوي وقدرة عالية
علي التأثير علي الجمهور وكلها من مقومات النجم المسرحي.
هبوط حاد
أما المخرج أحمد زكي فيقول: لو أن مسرحية غنائية عرضت علي عبدالحليم حافظ لقبلها بالتأكيد.. ولكن المسرح
الغنائي في مصر كان يعاني من هبوط حاد في هذه الفترة رغم أنه بدأ بشكل قوي قبلها بسنوات مع سلامة
حجازي وسيد درويش لذلك لم تكن الفرصة مواتية لعبدالحليم ليخوض هذه المغامرة.
ويضيف المخرج أحمد زكي: من أهم أسباب عدم وقوف عبدالحليم علي خشبة المسرح أنه لم يكن يري في نفسه
ممثلا مسرحيا.. وكان يقول دائما علي نفسه أنه مؤدي فقط.. وقد قال لي هذا الكلام أكثر من مرة خاصة عندما كان
سيدخل فيلما جديدا مع عبدالوهاب وقال لي أنا لست مطربا فأنا عازف أوبرا!!
فالعندليب من وجهة نظري لم يفكر مطلقا في دخول مغامرة المسرح مع أنه يمتلك كل مقومات النجاح.