مقالة للكاتب الكبير انيس منصور
بتلوموني يه؟
ضبط نفسي أغني في التليفون: بتلوموني ليه. وكنت أغنيها تلقائيا. وفي يوم تساءلت: لكن لماذا؟ لماذا أنا أغني هذه الأغنية الوحيدة.. ولماذا لم يسألني أحد عن السبب. صحيح الأغنية حلوة وبصوت عبد الحليم حافظ أجمل..
وانشغلت بهذا السلوك الغريب وفتشت في ذاكرتي عن السبب. ووجدت السبب وأدهشني أن أنساق وراء مشاعر لا مبرر لها.. فهذه الأغنية تحمل لي مشكلة أو تزيد إقناعي بشيء ما.
وعرفت السبب. فعندما ذهبت إلى محمد عبد الوهاب مع عبد الحليم حافظ والموسيقار كمال الطويل والشاعر الغنائي مأمون الشناوي لكي يسمع محمد عبد الوهاب صوتي. فإن اقتنع تركت التدريس في الجامعة والصحافة وتفرغت للغناء ـ وهى حكاية رويتها واضطررت إلى تكرارها في الإذاعة والتلفزيون. والسبب أنها غريبة أو مستغربة وأن محمد عبد الوهاب قد تناولها وحكى ما حدث.
وفي يوم دعاني محمد عبد الوهاب إلى الغداء في بيته.. ولم تكن السيدة حرمه في البيت. وكان علينا أن نستخرج الطعام من الثلاجة. وبعد أن فرغنا من الطعام أمسك عبد الوهاب العود وقال: أريد أن أسمعك الآن.. حتغني إيه؟
وكانت مفاجأة. وقلت: أغني أنا هويت لسيد درويش أو خايف أقول اللي في قلبي من تلحينك أو..
ـ الله..
ـ ولكن سوف أغني من تلحينك بتلوموني ليه..
وواتتني الشجاعة وغنيت وعبد الوهاب يقول: الله.. حلو قوي.. الله..
وأفسد هذا الإطراء من الموسيقار الكبير أن عبد الحليم حافظ قال لي: خد بالك إن عبد الوهاب مجامل.. ولا مؤاخذة: لو نهق حمار لقال له عبد الوهاب: أعد!
ولم أكن حمارا ولا كان صوتي نهيقا. وإنما غنيت لأنني أريد.. وأنني أغني لنفسي.. ومن يومها وأنا أغني لأي واحد. ولم يكن في نيتي أن أغني لمصر كلها واحدا واحدا.. وإنما كان غنائي نوعا من رد الاعتبار. وحمدت الله أنني لم أشتغل بالغناء. لأنني أتذوق الصوت الجميل. ولو كنت مطربا لأحببت هذا وكرهت ذاك ودخلت في معارك ظالمة لكل من ينافسني من الرجال والنساء!
وليس من حق أحد أن يلومني ولا أن أقول له: بتلومني ليه!