[b] من مجلة صباح الخيرمارس 2010 يقول الكاتب الكبير منير عامر صعد حليم الى القمة على سلم من الحلم والالم والحلم الذى رواه حليم هو ذلك الاخلاص الذى ينضج به صوته الخلاب فى كل تفصيلة من تفاصيل الاداء وهو معاملته لكل اغنية من اغانيه معاملة اى مايسترو عالمى من حيث تعرف اى مايسترو على قدرات كل عازف ومحاولة ضبط روح كل عازف مع الته لتنسجم من خلال البروفات مع بقية العازفين والمطرب الحق هو من يقوم بتمثيل الكلمات فلايكتفى بتلوين الصوت فقط بل لابد ان يكون مفتوحا على المشاعر ويمكننا ان نقول ان اثنين فقط قد تبوءا تلك القمة وهما ام كلثوم وحليم
ومن ينظر الى الفرقة الموسيقية التى تعزف مع حليم سيرى انضباط كل كمان مع كل ضربة ايقاع مع كل نفخة فى اى الة من الات النفخ ومن قضى ساعات مثلى فى غرفة مكتب حليم الموجودة بجانب غرفة نومه سيجد اسطوانات الموسيقى الكلاسيكية لكبار المؤلفين العالميين ولااظن ان اصرار حليم على تكرار البروفات لكل اغنية كان عن جهل ولكنه كان يحترف مزج اعماق ومشاعر كل عازف فى الفرقة مع كل كلمة من كلمات الاغنية وكل جملة موسيقية
وهانذا اضحك من مشهدين فى الذاكرة الاول وهو يغار من الطويل حين اعطى سعاد حسنى فى خللى بالك من زوزو كل طاقات الاحساس فيعلق انها مطربة تتنازل عن الغناء لشقيقتها الكبرى نجاة ويؤكد ان كل لحن يؤلفه الطويل يترك وراءه كمية من الجمل الموسيقية تكفى لتلحين عشرات الاغانى
والثانى عندما استطاع حليم انتزاع الابنودى من محمد رشدى وكتب له التوبة ليوزعها على اسماعيل كاغنية راقصة فهاج الابنودى ضد اللحن ولكن حليم علق قائلا ستعيش هذه الاغنية لاجيال وسيحسدنا عليها من ياتى من المطربين بعدنا وذكرت الابنودى بذلك عندما غنتها ماجدة الرومى فقال الابنودى رحم الله حليم كان اكثر حساسية للمستقبل
وعندما التقط بليغ حمدى من انفاسه اللاهى طوال الوقت بمعهد الموسيقى اجده وهو يخاف من سطوة ام كلثوم على من يلحنون لها ولكنه يصحب بليغ فى رحلة الى المغرب ثم رحلة الى امريكا ولايضن باى قدر من الاسطوانات يقتنيه بليغ
ولن انسى ايام اكتوبر 73 واراد ان يغنى للانتصار فاخذ عنوان مقال كتبه الاستاذ محمد حسنين هيكل وجعلها مقدمة لاغنية عاش اللى قال الكلمة بحكمة فى الوقت المناسب واكمل الشاعر محمد حمزة بقية الكلمات فاين بليغ ليكمل اللحن البحث يجرى ليلا ونهارا عن بليغ فلايجده حليم فيمسك بالعود ليلحن هو الجملة الموسيقية الاولى فى هذا اللحن ثم ياتى بليغ ليكمل اللحن
وعندما تستولى وردة على كل وجود بليغ يكاد حليم ان يجن لان الطويل ضنين للغاية فى التلحين وبليغ نتشر بين ام كلثوم ووردة وكل من يطلب منه لحن فيوقظ الصداقة بينه وبين الموجى ويقوم الموجى بتلحين رسالة من تحت الماء ومعها يامالكا قلبى ولن انسى تلك الليلة التى حضرت غناؤه لها فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامع القاهرة وكيف صعدت سيدة على المسرح لتحكى له خناقتها مع زوجها فيضحك لها واساله اخر الليل هل انت طبيب نفسى يضحك وهو يقول قل ذلك لصديقك احمد عكاشة حتى يكتب شرائط اغنياتى بدلامن الدوية وكان حليم يزور عكاشة فى تلك الايام لانه يرغب فى التخلص من حالة التفاؤل والتشاؤم التى تغمره كطوفان عارم فلم يكن عند عكاشة حل لذلك سوى الاستماع لحليم ومحاولة كتابة مهدى للتوتر الغامر الذى يعانى منه كلما فرغ من اداء اغنية جديدة ثم ينسحب هذا التوتر المتشائم ليحمل محله توتر جديد بمناسبة الاغنية الجديدة
ومازلت اسمع ماقاله لى احمد عكاشة عن هذا الموهوب بغير ضفاف عبد الحليم حافظ الاغنية بالنسبة له هى رسالة منه الى الحياة كى تاذن له بالبقاء فيها فالكبد المتهالك يسرق ايام العمر وهو يطرد الموت بالغناء
ومازال حليم حتى كتابة هذه السطور يطرد الموت بالغناء رغم وجوده تحت الثرى