لايختلف اثنان علي أن عبد الحليم حافظ فنان عشقه الجميع من المحيط إلي الخليج, وأن لياليه الغنائية كان يتجمع فيها أبناء العروبة من المحيط إلي الخليج, كما أنه كان علي علاقة ود ومحبة مع أغلب الزعماء العرب وكم من حفلات أقامها عبد الحليم في المغرب وتونس وسوريا ولبنان, كانت تحظي بكثافة حضور من الجماهير كما لاقت أغنياته الوطنية التي تغني فيها بالعرب والعروبة, إقبالا كبيرا واستحسانا من كل محبيه وعشاقه في أنحاء عالمنا العربي.
عبد الحليم حافظ ـ بعد وفاته ـ حكي الكثيرون عنه حكايات العارف بتاريخه وخطاه ومنهم من قال بصداقة وطيدة كانت تجمع بينه وبين العندليب, حتي إنني عندما أشاهد الحكائين خلال الشاشات وهم يقولون ويسردون وقائع عن النجم الكبير تأخذني الدهشة ويملؤني العجب, مرة شاهدت واحدا منهم يقول إن عبد الحليم لم يكن يتلذذ من أكل الكشري إلا إذا كان من صنع يد زوجته أي زوجة المتحدث, وعندما التقيت هذا المتحدث بعد أيام سائلا أياه عن حكاية الكشري الذي لو أكل عبد الحليم ملعقة واحدة منه لطب ومات, فقال لي وببسمة خبيثة ترتسم علي شفتيه لو كنت مش مصدقني روح البساتين واسأله, ومعروف أن عبد الحليم مدفون في البساتين, ومرة أخري تحدث أحدهم عن الصلة التي ربطت بين عبد الحليم ومستشاره القانوني وشريكه في صوت الفن مجدي العمروسي وكيف كان شاهدا علي بداياتها معاصرا لتطورها منذ اللحظة الأولي, وعندما سألته عما قاله قال كلاما ما مفاده إنني ـ أي شخصي الضعيف ـ هو سبب هذه الصلة ولكن ـ هكذا قال ـ إنه يجتهد في القول واجتهاده هذا لون من أكل العيش ولعلي في هذا السياق أسرد قصة عبد الحليم حافظ ومجدي العمروسي الذي كان محطة مهمة في تاريخ ومسيرة عبد الحليم حافظ.
مجدي العمروسي زميل دراسة سنة بسنة في كلية الحقوق بجامعة فاروق الأول ـ الإسكندرية حاليا ـ التحقنا معا بالكلية سنة1945 وتخرجنا سنة1949, لم أكن علي صلة قوية بمجدي العمروسي ولكن كل الدفعة كانت تعرفه لأنه كان يجلس في نهاية المدرج وعندما يحين موعد انتهاء المحاضرة ويبدأ أستاذ المادة ليجور علي دقائق الفسحة مسترسلا في محاضراته كان مجدي يترنم بأغنية أم كلثوم التي تقول مش كفاية وهي أغنية قديمة لأم كلثوم تقول مش كفاية أن الأعادي في بعادي يفرحوا كان مجدي يردد المقطع مثل أم كلثوم وكان الأستاذ المحاضر يضحك ويغلق أوراقه ويغادر المدرج, وعلي مدي السنوات الأربع من دراسة الحقوق في الإسكندرية لم تتعد معرفتي بمجدي العمروسي إلا مجرد السلام والتحية, وتخرجنا وباعدت بيننا الأيام وفي سنة1954 وبينما أنا أترحل من عربة الإذاعة أمام مسرح الأزبكية لأقوم بتقديم أم كلثوم في أول حفل عهد إلي بإذاعته وجدت مجدي العمروسي علي باب المسرح, نظرنا مليا إلي بعضنا البعض ثم أخذنا بعض بالأحضان وعرفت منه أنه علي صلة بعازف القانون محمد عبده صالح وأنه في كل حفل تقيمه الإذاعة لأم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر يحضر من الإسكندرية التي يعمل فيها محاميا إلي القاهرة ليلتقيه محمد عبده صالح ويدخله إلي المسرح خلف الستارة ليستمع إلي أم كلثوم, أخذته من يده وأدخلته معي في البنوار المخصص للإذاعة وأصبح منذ هذه اللحظة يأتي إلي حفل أم كلثوم فألتقيه وأدخله المسرح حتي ولو لم أكن أنا مذيع الحفل, في تلك الأيام كان عبد الحليم حافظ في الطالع وكانت بيننا وبينه مودة وألفة وكانت لنا سهرات في شقة جلال معوض بشارع سليمان جوهر في الدقي وفي إحدي المرات اصطحبت مجدي العمروسي لسهرة من هذه السهرات, كما أنه اجتمع مع عبد الحليم في عيد ميلاده بشقتي في شبرا, وتعارف الاثنان بهذه الوسيلة, وفي صيف سنة1954 عندما ذهب عبد الحليم ليغني في مسرح كامب شيزار كان مجدي العمروسي نعم الرفيق ونعم الجليس فهو يستقبل عبد الحليم علي رصيف سيدي جابر ليركب سيارة مجدي ويعيش أيامه في الإسكندرية في شقة مجدي ثم بدأت الحكاية توسع وجاء مجدي إلي القاهرة ليصبح مستشارا قانونيا لعبد الحليم ثم شريكا في شركة صوت الفن بالطبع لم يعد مجدي إلي لقاءاته معي بعد أن أصبح قاسما مشتركا في سهرات عبد الحليم وكنت عندما التقيه بعد أن أصبح شريكا لعبد الحليم كنت أقول عيبي إنني لم أكتب معك عقدا بأن تعطيني10% من دخل شركتك لأنني كنت السبب في معرفتك بعبد الحليم وكنت بيضحك كثيرا رحمه الله عبد الحليم ومجدي العمروسي.