حاول الكثير من المطربين - على مدار أكثر من ربع قرن - تقليد العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وكثير منهم حاولوا تقمص شخصيته وصوته وانفعالاته إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل وبعضهم اختفى من على الساحة الغنائية تماما وبقى عبد الحليم فقط بأغانيه وإحساسه الراقى، ورغم الرأى الذى كان يقول دائما إن حليم لم يكن أجمل الأصوات الموجودة على الساحة الفنية استطاع أن يعيش بيننا حتى بعد رحيله بـ 33 عاما كاملة، لأن نجاحه لم يكن وليد الصدفة بل نتاج جهد وعرق، لذلك كان لابد أن يعرف مقلدوه أن حليم قصة إنسانية ومشوار كفاح وليس مجرد مطرب صوته "حلو".
المطرب الوحيد الذى غنى لحليم وهو محتفظ بشخصيته كان هانى شاكر حسبما يرى الموسيقار هانى مهنى فى تصريحات لـ"اليوم السابع" وأضاف: هانى أفضل من غنى لعبد الحليم، واحتفظ بشخصيته فى غناء أغنياته ولم يحاول تقمص شخصيته مثلما فعل عبده الشريف الذى حاول أن يصنع من نفسه حليم جديد بتقمص شخصية حليم وانفعالاته وأدائه فى الغناء، ما جعل الجمهور ينفر منه لأن حليم مازال وسيظل موجوداً فى قلوبنا جميعا لأن أغنياته صنعت له هو فقط.
ومعظم المطربين حاليا يبدأون مشوارهم الفنى بغناء أغانى لعبد الحليم بل إن عمرو دياب عرف بين أصدقائه فى بداية مشواره الفنى بمطرب سواح لأنه كان حريصا على أن يغنيها دائما فى المناسبات من أجل لفت نظر الجمهور له، وهى مفارقة قدرية حيث فى بداية مشوار حليم لم يتقبل الكثير من الناس صوته أو طريقة أدائه، ليتضح فيما بعد أن صوته يتطلب طريقة خاصة فى التعامل مع الألحان، وهو ما أدركه المطرب حيث حرص على التعامل مع أسماء فنية كبيرة سواء فى عالم الألحان أو التأليف، وكان عليه أن يجد مكانا له وسط أصوات غنائية كانت تسيطر على الساحة الفنية فى مصر مثل أم كلثوم، فريد الأطرش، محمد عبد الوهاب.
معظم المطربين والمطربات يحاولون تقليد حليم رغم أن العندليب كان يرفض التقليد ويصر على يغنى أغانيه الخاصة، فى بداية مشواره واستمر إلى أن أدى أغنية "على قد الشوق" التى لحنها كمال الطويل ولقيت نجاحا كبيرا، بعدها تعرف عبد الحليم على ملحنين وكتاب كبار وتعامل معهم، فبالإضافة إلى كمال الطويل تعامل مع محمد الموجى، بليغ حمدى، محمد حمزة والشاعر السورى الكبير نزار قبانى الذى غنى له رائعة "قارئة الفنجان"، وبتعامله مع أسماء فنية من هذا الحجم، ترك لنا عبد الحليم حافظ إرثا فنيا يصل إلى أكثر من 250 أغنية، فضلا عن مشاركته فى 16 فيلما، آخرها فيلم "أبى فوق الشجرة".
ولم يكن نجاح عبد الحليم نتيجة كفاحه وحبه الشديد لفنه فقط، بل نتيجة ذكاء فنى واجتماعى كبير ليس له حدود، واتضح هذا الذكاء من أحد المواقف التى رواها مجدى العمروسى عن حليم والناقد الفنى جليل البندارى، حيث روى العمروسى أن حليم علم أن البندارى كان يسب أى شخص يجرى معه حواراً صحفياً إضافة لكونه حاد الطبع، وسليط اللسان، لذلك رفض حليم أن يجرى معه أى حوار صحفى ، فى نفس الوقت كان حليم يعلم أن إجراء مثل هذا الحديث سوف يضيف إليه الكثير، لذا استشار صديقه محمد حسنين هيكل رئيس تحرير مجلة "آخر ساعة" وقتئذ والتى كان سينشر بها الحوار، وطلب هيكل من البندارى إجراء الحديث مع حليم فى مكتبه، واستجاب البندارى وكتب أسئلة على الورق لحليم تحمل فى آخرها هجاء لحليم مثل "انت جايبنى قدام هيكل عشان ما اشتمكش يا.....؟، وتعامل العندليب مع الأمر بذكاء وأجاب عن جميع الأسئلة رغم الشتائم الموجهة له، وهو ما أعجب البندارى وأصبحا صديقين بعد ذلك.
مشوار عبد الحليم الفنى وذكاءه الغنائى وصدق إحساسه يلخصه الموسيقار محمد عبدالوهاب فى جملة واحدة حيث قال فى أحد حواراته "وجه عبد الحليم جمال القبح، وعبد الحليم لا يصدق إلا حين يغنى"، وبسبب هذا الذكاء وهذا الكفاح منذ بداية حياته الفنية وحتى آخر يوم فى عمره مازال حليم أسطورة الغناء فى الوطن العربى، الآلاف من الأشخاص سنين طويلة يريدون معرفة الإنسانة التى أحبها ليس رغبة فى كشف سر أراد إخفاءه، ولكن للرغبة فى معرفة من التى استطاعت الحصول على قلب معشوق النساء، وتنوعت الروايات حول حبية حليم، لكن الرواية التى كانت أقرب إلى الصحة هى سكرتيرة عبد الحليم الخاصة رواية زينب عبد القادر التى أكدت أن حليم لم يحب سوى ديدى الألفى، ورغم معارضة أهلها لعلاقتها به، تحدت الجميع حتى وصل الأهل إلى قناعة باستحالة إبعادها عن طريقه، وأهداه والدها إبراهيم الألفى شقة فى عمارته بسيدى بشر بالإسكندرية