[b]
من مجلة الكواكب
بقلم الكاتب الصحفى محمود فايد
عندما نشرت احدى الصحف اليومية المغربية خبرا يقول ان حليم اصيب بنزيف حاد ودخل المستشفى فوجى مدير مستشفى ابن سينا بطوابير من البشر تقف امام بنك الدم الخاص بالمستشفى للتبرع بدمائهم لحليم وبعد ان تجاوز المرحلة الحرجة من ازمته الصحية سال عن مصدر كميات الدم التىنقلت اليه قالله الطبيب ضاحكا يابخت المرضى الذين من نفس فصيلة دمك وتبرعوا بدمائهم لك
هكذا فان ضريبة الفن قاسية واحيانا تكون قاتلة وكما قال الشاعر الايطالى دانتى كتب على باب جهنم ايها الراحلون اتركوا وراءكم كل امل فى النجاة وباب جهنم هو باب الفن الجميل فلانجاة لمن يدخله من الالم والمرضى او الخوف وفى اساطير الاغريق ان كهوف الخلود لايدخلها الامن قطع ذراعه او ساقه ثمنا للدخول وقد اعطى حليم لهذه الكهوف معدته وكبده وحرمانه وكان هذا ثمنا فادحا والذين عانوا قد اختصروا اعمارهم من اجل ان يقولوا شيئا جميلا وكان حليم قد تسللت الى اعماقه البلهارسيا تمتص رحيق الاداء الجميل والحزن النبيل حقا لقد حقق حليم مجدا لايصل اليه احد ولكنه مجد بلامتعة وكان لديه المال بغير الحرية والشهرة بغير الصحة اى ان الله قد اعطاه الكثير ولكنه حرمه من الاكثر
وفى مرة طلبت لقاؤه لعمل صحفى وجاءنى صوت على الطرف الثانى من التليفون انه مريض وعليك ان تنتظر شهر وقررت ان احذف هذا اللقاء مؤقتا ولكن بعد عشر دقائق رن التليفون لياتينى صوت العندليب خافتا وقال انا اسف فلم يحسن من رد عليك بالحديث وانا اشرف بلقائك ولكن فى البداية ادعوا الله ان اشفى ووعدته بالدعاء له ولكن الاحداث توالت وساءت حالته وسافر الى لندن وكان سفره الاخير الذى عاد بعده فى تابوت لتستقبله الجماهير بحرارة الوداع والم الفراق واحسست بالم شديد لموته لا لاننى لم احقق اللقاء بيننا ولكن لانى احسست اننى غير مستجاب الدعوة وذهبت الى احد علمائنا الازهريين الذى اكد لى ان الدعوة يستجيبها الله بثلاث صور اما ان تستجاب كما دعوتها واما ان يخفف الله بها قدرا قاسيا كان سوف يحدث او يدخر الله الدعوة الى يوم القيامة ليخفف كربة بها من كرب اليوم العظيم
وتذكرت الشيخ الامام متولى الشعراوى حين اكد ان حليم مات شهيدا استجاب لحديث شريف يقول مامعناه ان من مات بعيدا عن وطنه وبيته وكان الالم فى بطنه مات شهيدا وعند هذا الحديث اختلف العلماء فمنهم من يرفضه ومنهم من يقره و ولكن ايا كانت الامور فان حليم كان مثالا للفنان الذى تحول الى شمعة تنير للاخرين وتسعدهم وهى تحترق لقد كان حليم قيثارة السماء التى تنساب نغما يلهب مشاعر الناس وتتدفق عطاء وحب للجميع حتى تعبت الاوتار وبدات تتقطع وترا وترا وبدات بعد ذلك تتردد نغماتها فى الافق وتعيش فى قلوب الجماهير واحاسيسهم رغم مرور كل تلك السنوات على رحيله لذلك فان الفنان لايقاس عمره بوجوده على الارض ولكن بتراثه الذى عاش من بعده تماما كما حدث مع كل فنان على وجه الارض واثار مصر شاهدة على ذلك اليس الفنان هرما يحكى تاريخ امة كذلك كان العندليب عبد الحليم حافظ