[b]
من كتاب العاشق الذى رحل عبد الحليم حافظ للكاتب الشاعر على توفيق ناجى
فى حياة كل شعب وكل امة يولد فنان صادق واصيل يستمد فنه واصالته من نبض شعبه فيشاركهم مشاعرهم واحاسيسهم وايضا افراحهم واحزانهم ويحاول دائما ان يكون البسمة على كل شفاه حزينة وان يكون بلسما لكلقلب جريح ولذلك فان الشعب يتوجه على عرش الفن ويتوجه اميرا للحب والعاشقين
وقد خرج من ارض مصر الخضراء الطيبة فنانون عظماء تفانوا فى حب الشعب والوطن وعاشوا يتغنون باسمه على مدى السنين فى كل زمان ومكان
خرج فنان الشعب سيد درويش ليقود الشعب وهو يغنىبلادى وخرجت كوكب الشرق لتقود الشعب فى روائعها الوطنية فغنت للوطن مصر التى فى خاطرى وخرج الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ليشدو لمصر انا يامصر فتاك بدمى احمى حماكى وخرج غيرهم ممن تفانوا فى حب الوطن وليشعلواحماس الجماهير وليلهبوا روح الامة فى معارك الحرب والسلام وقد عاشوا جميعا يتغنون بالوطن والشعب فى مختلف الازمنة والعصور
ومنذ اكثر من ربع قرن من الزمان خرج الى الحياة الفنية انسان فنان خرج من اعماق هذه الارض ارض مصر الطيبة انسان وهبته الارض خصوبتها ووضعت فيه الطبيعة جمالها ووهبه الله صوتا عذبا واحساسا مؤهفا ليصبح نبض شعبه وامته وليصبح نغمة يتغنى بها الشعوب العربية لانه عاش للحب وتغنى بالحبومااجمل ان تكون الحياة اغنية حب ومااروعان تصبح الحياة نغمة حب
خرج حليم ليغنى لمصر ايضا بل انه تفوق وتعدى كلل من غنى للوطن من قبل فغنى لمصر على مر السنين فى كل معركة وفى كل ملحمة وفى كل نصر
خرج حليم على راس هذا الشعب ليغنى بالاحضان ويااهلا بالمعارك واحلف بسماها وبلدى يابلدى وفدائى وعدى النهار وصباح الخير ياسينا وقومى يامصر وياجوامع كبرى للنصر وغيرهم الكثير من سيمفونيات الحب الخالدة لوطنه الحبيب مصر ولشعبه الاصيل شعب مصر الذى الهمه فنه وانغامه واغانيه
ان حليم يوم كان يخطو خطواته الاولى فى طريق الفن الاصيل لم يكن سوى انسان عادى ولم يكن ليتصور يوما بانه سيصبح نجم مصر وفخر الامة العربية كلها فقد اخذ فى الكفاح واستمر فى الصعود يوما بعد يوم يبذل كل مالدية من جهد ومن عطاء حتى اصبح فنان العروبة باجمعها واصبح فنانا لمائة مليون عربى واصبح صوته واسمه رمزا للحب
ولم يشا القدر ان يكون حليم انسانا عاديا بل حمله كل ظروف وصفات حياة ابناء هذا الشعب فخرج فقيرا كعامة الشعب ووهبه جسدا ضعيفا كما وهبه قلبا نقيا عامرا بالحب وجعله مع كل هذا مريضا مرضا طويلا ليشعر دائما بالام شعبه واحزانه وهو ذلك الانسان الذى خرج من ريف مصر وقراها والقاعدة الشعبية الاصيلة تعلم الانسانالقيم والمبادىء والاخلاقيات وتزرع فيه الايمانوالحب والخير والقدرة على التحدى والتصميم لذا اصبح حليم محبوبا للجماهير على امتداد الارض العربية
وحليم لم يكن مجرد فنان ولامطرب ولكنه كان صرخة حزينةاطلقتها احزان السنين صرخة ضد الفقر والمرض فقد قضى على الفقر بصراره على النجاح وقضى على التخلف بايمانه بالعلم وحرصه على الثقافة والبحث عن كل جديد فى الفن والادب ولكن الشى الوحيد الذى لم لم يستطع ان يقهره هو المرض لانه كان جزءا لايتجزا من شخصيته ومن صوته وحنانه لذلك رفض المرض وابت الام ان تتخلى عن جسده النحيل حت اخر لحظات العمر ولقد كمته الايام كما كرمه القدر وكرمه الشعب وامته باكملها فصعد الى اقصى درجات المجد والشهرة بعد طول عناء وطول صراع ولقد اصبح صديقا لاشهر الملوك والرؤساء والامراء وايضا لكبار الفنانين العالميين والادباء والمفكرون
لقد كان حليم عاشقا لجماهير شعبه وامته فاصبح يوما معشوقها وكل اغنية غناها من بين شفتيه كانت ملحمة حب خالدة وكل دعاء صادق خرج من بين ضلوعه كان صلاة قلبية وكل نشيد شدا به فى حب مصر هو صلاة حب
وحليم مهما جاد الزمان بفنان عظيم فلن يكون ابدا مثله لانه كان احدى فلتات الزمان واحدى معطيات القدر التى لاتتكرر ابدا وحليم كان فنانا بكل ماتحمله كلمة فنان من صدق وابداع وكان فنانا رائعا بكل ماتحمله هذه الكلمة وكان انسانا ايضا بكل معانى الانسانية