كانت السندريلا سعاد حسني وما زالت الاسطورة.. فما زلنا نتذكرها ونشتاق إليها، وكلما شاهدنا أفلامها التي تصلح لليوم والغد وللسنوات القادمة، نشعر انها تعبر عنا وعن احاسيسنا واحلامنا.. كانت تشعرنا في افلامها بأنها الأخت والحبيبة والجارة، والحلم
والتمني.. بأداء متنوع من السحر، مستمد من موهبة مشعة انعكست صدقا وتألقا وتميزا فى الأداء وفي عشق لإسعاد الناس التي تقبل على مشاهدة افلامها حتى يومنا هذا.. لأنها أفلام دخلت القلوب. كانت تصنع بعناية.. كانت تصنع بحب يظهر في كل لقطة على شاشة السينما، يراها الجمهور ويحس بها. وهذا هو ذكاء الفنانة التي لا تموت ذكراها برحيلها، والتي استغلت ذكاءها في اختيار فريق العمل الذي صاحبها من مخرجين ومؤلفين ومصورين ورفقاء نجاحاتها.. واؤكد هذه هي الفنانة التي لن ولم تتكرر حتى الآن.
غادرت سعاد حسني الحياة منذ عشر سنوات، وتحديدا في الحادي والعشرين من شهر يونيو عام 2001، لكني أحسست أنها ما زالت تعيش بيننا حين قامت ثورة الشباب في 25 يناير، وتخيلتها في ميدان التحرير تقف بين الشباب الثائر لتعبر عن امالهم وطموحاتهم في اغنيات كتبت خصيصا لهم.. ومن أجل تحقيق احلامهم واهدافهم الوطنية.
بالتأكيد لم تقصد سعاد حسني ان تصبح أغنية "الدنيا ربيع" من بين أهم الأغنيات التى ترددت ولا تزال عن مصر بعد ثورة 25 يناير .
قبل عشر سنوات، رحلت السندريلا سعاد حسنى عن عمر يناهز الثامنة والخمسين بعد حياة عريضة امتلأت بالنجاح والصخب والشائعات التي احاطت بحياتها، ولم تتركها حتى بعد موتها وسقوطها من شرفة شقتها في لندن والتي قيل وقتها انها حادثة انتحار.
ولا احد يعلم حتى الآن، على وجه اليقين، ما إذا كانت انتحرت او قتلت، لكن ما هو مؤكد أن جثتها وجدت ملقاة اسفل عمارة مشؤومة في لندن، حيث كانت تقيم هناك في شقة مع صديقة لها من مصر.
الحاضرة الغائبة
الذين يقولون إن سعاد حسني انتحرت لديهم اسبابهم، وأهمها انها كانت يئست من الشفاء بعد ان طال علاجها في لندن، وفقدت نجوميتها، حيث انها ماتت معنويا ولم يبق الا ان تموت جسديا.. وقد انتهى التحقيق الطويل في انجلترا الى انها انتحرت.
اما الذين يقولون انها قتلت، فلديهم أيضا اسبابهم، واهمها انها كانت بدأت تتماثل للشفاء، وانها قالت للمقربين منها انها سوف تعود الى مصر، بل انها سوف تعود الى السينما بدليل انها تقرأ سيناريوهات عرضت عليها. وفي المحصلة فإن جملة تصرفاتها قبل موتها لا توحي أنها مقبلة على الموت بل على الحياة.
ومعنى هذا ان موت سعاد حسنى سوف يظل لغزا، مثل موت النجوم من امثالها.. فلا احد يعرف حتى الآن سر موت الأميرة ديانا، ومارلين مونرو، واسمهان، وداليدا، وسوزان تميم، وغيرهن من النجمات الشهيرات.
ورغم رحيل سعاد حسني منذ عشر سنوات، إلا أن الصحافة لم تتوقف يوما عن الكتابة عنها. فهي الحاضر الغائب طول الوقت، وخصوصا فى هذه الايام عندما تقدمت اسرة الفنانة الراحلة ببلاغ الى النائب العام بتوقيع اختيها جانجاه وجيلى عبد المنعم حافظ قدمته المحامية برلنتي عبد الحميد شيخون طالبت فيه بفتح التحقيق في القضية واتهمت فيه اربعة اشخاص بينهم مسؤول كبير فى النظام السابق بالتورط في مقتلها بعد ان اعلنت عن رغبتها في كشف المستور من خلال كتابة مذكراتها ونشرها في كتاب او تسجيلها في حلقات تلفزيونية، وطلبوا الاستماع لعدد من الشهود من الشخصيات المهمة مع تقديم ادلة جديدة.
معالم الشخصية
ظلت سعاد حسني ذات الوجه الانساني الانيق الناعم، على مدى 32 عاما تملأ الشاشة بالحيوية والفن، تخطف العيون والانتباه، وتخلق جوا من العذوبة والشقاوة البريئة. ارتبط بها الجميع شبابا وفتيات وكبارا.. الكل وجد فيها الحلم المفقود، فرضت وجودها بقوة على الجماهير من خلال تنوع ادوارها بين الشقاوة والحب والمراهقة والغناء الاستعراضي، واشهر اغنياتها "يا واد يا تقيل" التي غنتها في فيلم "خللي بالك من زوزو" عام 1972 ولها بصمات واضحة في مثل هذه الادوار التي ادتها امام اشهر نجوم الشاشة العربية والتي جعلت منها حلم كل شاب، كموهبة فنية مكتملة المواصفات للفتاة الأنثى التي داعبت خيال الستينيات بكل طموحاته واحلامه واحباطاته.
فرس جامح
كانت السندريلا سعاد حسني كحصان جامح لا أحد يستطيع ان يوقف اندفاعها، وكانت لديها قدرة فائقة على توظيف امكانياتها لخدمة الدور الذي تلعبه.. كانت خليطا فريدا من المهارات الغنائية والتمثيلية والاستعراضية، يندر ان تتكرر. فقد استطاعت ان تجسد اعمالها السينمائية على الشاشة الكبيرة ادوارا مختلفة، إننا لن نجد دورا واحدا يشابه الدور الذي سبق ان لعبته.. نجدها البنت الرومانسية الحالمة نعيمة في فيلم "حسن ونعيمة" عام 1959، وهذا الدور يختلف تماما عن دور الفلاحة البدائية فاطمة الذي لعبته في فيلم "الزوجة الثانية" عام 1967. كما ان دور "زوزو الماظية" في فيلم "خللي بالك من زوزو" حيث تؤدي دور طالبة جامعية وبنت لفنانة من شارع محمد علي، يختلف تماما عن دور البنت المراهقة "ايمان" الذي لعبته في فيلم "الثلاثة يحبونها" عام 1965، وتختلف ادوارها ايضا مثل دور مديحة في فيلم "غروب وشروق"، وتهاني في "على من نطلق الرصاص"، وزينب في "الكرنك"، وليلى في "الحب الضائع"، وعايدة في "اين عقلي"، وناهد وميرفت في "بئر الحرمان" واحسان في "القاهرة 30"، وسهام في "اهل القمة".
الأرقام لا تكذب
لم يبالغ الذين اطلقوا عليها "سندريلا الشاشة"، فقد كانت من ابرز فنانات جيلها ان لم تكن ابرزهن على الاطلاق. ان نظرة واحدة لسجل افلام سعاد حسني يمكن ان تعطينا دلالة نهائية، فالارقام لا تكذب ابدا. واهم مثل يضرب عادة هو عدد المخرجين الذين عمل معهم النجم، فقد عملت سعاد حسني مع 37 مخرجا منهم 36 مصريا يمثلون مختلف الاجيال من أقلهم شأنا إلى أعظمهم، تعاملت مع جميع نجوم السينما المصرية من الخمسينيات حتى الستينيات والسبعينيات باستثناء الفنانين فريد الاطرش واسماعيل ياسين، حتى اصبحت بطلة امامهم، ثم بدأ اسمها يكتب قبل اسمهم مع منتصف السبعينيات، ثم صعد فرسان سباق جدد في ظلها خلال فترة السبعينيات والثمانينات اصبحوا نجوما كبارا فيما بعد.
كان النجم الاسمر احمد زكي آخر سلسلة نجوم الشاشة الذين وقفوا امام سعاد حسني ولمدة 13 عاما، قدما معا بإبداعهما ضمن الابداع الكلي أربعة أفلام تعتبر نموذجا هاما من نماذج التفاعل والمقدرة على الارتفاع لمستويات جيدة من فن الاداء التمثيلي، تكمل حلقة من التعاون الفني بين سعاد حسني وبين نجوم مرحلة خصبة بدأت في السبعينيات وجمعت بينها وبين محمود ياسين وحسين فهمي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز وعزت العلايلي نجوم هذه الفترة. ثم جاء احمد زكي بمواصفاته المختلفة عن الملامح الكلاسيكية للسينما، وكذلك ملامح هؤلاء النجوم، ليكمل معها، او تكمل هي معه، مسيرتها الفريدة كممثلة استطاعت التألق وقدمت ابداعات متاميزة مع زملاء المهنة في ثلاثة اجيال متتالية.
أغلى من الرجال
من الجدير بالذكر هنا ان سعاد حسني كانت واحدة من نجمات السينما المصرية اللاتي لهن بصمات واضحة في السينما المصرية، ووصل أجرها ذات يوم لتكون اغلى من اي نجم رجل من نجوم الشباك على غير عادة هذه السينما تاريخيا، والدليل على ذلك انه في استفتاء احسن مائة فيلم مصري الذي اجراه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1996 بمناسبة مئوية السينما المصرية، حصلت سعاد حسني على المركز الثاني بعد فاتن حمامة بفارق فيلم واحد، وبرصيد تسعة افلام هي: القاهرة 30، الزوجة الثانية، غروب وشروق، زوجتي والكلب، الكرنك، الاختيار، خللي بالك من زوزو، اهل القمة، وعلى من نطلق الرصاص.
لقاء يتجدد
كان من حسن حظي انني عرفت السندريلا سعاد حسني اثناء عملها في فيلم "الطريق" مع رشدي اباظه وشادية عام 1964، ثم تعددت اللقاءات بصورة دائمة في منزل مدير التصوير السينمائي المعروف وحيد فريد بحضور عدد كبير من الفنانين، منهم الفنانة ليلى فوزى وزوجها الاعلامي جلال معوض وصلاح ذو الفقار وفؤاد المهندس والمخرج حلمي حليم وصباح وكوثر شفيق وسعيد ابو بكر ونادية لطفي.
ولا ابالغ إذا قلت ان خفة دمها مدهشة، وحكاياتها مسلية، وصراحتها مخيفة للبعض. لكن طيبتها جعلتها تحتل مكانا مهما في قلوب كل من عرفوها، وعلى مدار سنوات طويلة اصبحت من اقرب الناس اليها على الصعيد الشخصى، وكثيرا ما كان يدور بيننا حوار افصحت فيه عن عشرات الاسرار والخفايا ليس من حقي البوح بها، لكن كان من اهم ما حكته لي ذات يوم انها احبت فنها اكثر من اي شيء اخر ، وان هذا الحب منعها من الزواج بعبد الحليم حافظ اكبر مطربي عصره، وحتى غيره في هذه المرحلة، فهي تعشق شغلها لدرجة مرضية.
زواج لم يتم
تعجبت كثيرا مما قالوه عن "حدوتة" زواج السندريلا سعاد حسني من العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ .. رغم اني كنت من المترددين الدائمين على بيت اعز الناس عبد الحليم حافظ، ولم اشاهد سعاد حسني ابدا هناك في حياتي، فكيف تزوجته؟!
ليس صحيحا ما قيل من اشاعات بأن الغرام كان على اشده بين سعاد وعبد الحليم، فالمجتمع الفني في مصر لا ينسى ابدا ان من أجمل قصص الحب التي سمعها وشهدها في أوائل الستينيات قصة الحب الذي جمع بين قلبي سعاد حسني وعبد الحليم حافظ، وهو حب ملأ قلب العندليب الاسمر بالسعادة واورث السندريلا الناعمة الهموم والمتاعب والقلق النفسي، حتى وصل بها الحال في النهاية الى ان تنفي ما يردده البعض عن علاقتها بالعندليب على انها علاقة حب، حتى قيل انها هي التي تحبه "وهو مش واخد باله"، وهذا ما جعلها تشعر بالألم من هذه التعليقات التي كانت تجرحها وتحرجها امام جمهورها الذي تحبه وتحرص عليه.
عقدة الخوف
ولا شك ان عبد الحليم حافظ كان صادقا فيما رواه عن حبه الأول، ومع هذا فإن حبه للسندريلا بعد ذلك كان ايضا حبا قويا، وان كان هذا الحب قد تحكمت فيه بالنسبة للعندليب عقدة الخوف، لأنه عندما أحب سعاد كان وضع قدمه على اول طريق الشهرة، وبات يساوره خوف من ان يخسر ولو نسبة ضئيلة من المعجبات فيما لو تزوج، ولأنه ثانيا كان بدأ يحس باعراض المرض الذي اخذ يدمر كبده، وتصور معه ان الزواج سوف يصبح مرهقا له وللمرأة التي يختارها لتكون زوجته.. كان عبد الحليم يقسو على نفسه، ويخنق في صدره كل قلقه ومشاعره وخوفه من المستقبل، مما خلق هوة بينه وبين سعاد اضطرت معها في النهاية الى القول انه بالنسبة اليها ليس اكثر من زميل تحترمه، وليس هو فتى الاحلام الذي تحبه!
وبعد ذلك تزوجت سعاد المخرج علي بدرخان، الذي رأت فيه زوجا من طراز خاص، وهذا لا يعني ان عبد الحليم حافظ لم يعجبها.
ولأن سعاد حسني كان لها عقل راجح استطاعت ان تجد في علي بدرخان ضالتها المنشودة. وأنا متأكد أن سعاد وعبد الحليم حافظ لم يتزوجا فعلا، ليس فقط لأنني كنت ملازما لهما خطوة خطوة، لكن لأني استشهدت بمدير التصوير وحيد فريد، وهو الذي اكد لي عدم زواجهما فعلا.
ملف مفتوح
ما زال ملف قضية مقتل السندريلا سعاد حسني مفتوحا، فالقضية التي شغلت الرأى العام على مدار السنوات العشر الماضية، ما زالت قادرة على جذب الانتباه وإثارة الفضول لمعرفة المزيد من اسرارها. فالقضية في حد ذاتها واحدة من اشهر الالغاز فى عالم الجريمة، بالإضافة إلى الجدل القانوني الذي اثارته القضية، وما زال مستمرا منذ الايام الاولى لوقوع الجريمة التي واجهت عددا من الازمات القانونية، لما لها من ابعاد دولية وسياسية.