توفيق قاسم العقابي عميد الرابطة
المشاركات : 6160 العمر : 65 النقاط : 9139 تاريخ التسجيل : 02/03/2011
| موضوع: في ذكرى ثورة يوليو....أغاني عبد الحليم الوطنية الخميس 21 يوليو 2011 - 23:34 | |
| بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو...... كل عام ومصر والمصريين والعرب بألف خير
<p class="MsoNormal" dir="RTL" style="margin-top:5.0pt;margin-right:0cm;margin-bottom: 5.0pt;margin-left:0cm;line-height:normal;mso-pagination:none;mso-layout-grid-align: none;text-autospace:none"> أغاني عبد الحليم حافظ الوطنيةأغاني عبد الحليم حافظ الوطنية , تعبر عن عاطفة وجدانية , عكست تطور الشعر العامي على يد صلاح جاهين , ونضج الألحان الجميلة التي أبدعها محمد عبد الوهاب , وسار على دربه محمد الموجي وكمال الطويل , ولعل الأخير هو الأكثر تألقاً في صوغ عشرات الألحان , التي واكبت مرحلة الأحلام عن قهر الصحراء وبناء الأوبرا والغناء على رأس بستان الإشتراكية .
عندما تتأمل كلمات صلاح جاهي الرائعة , تشعر بقدرة الشعر على تحويل المفاهيم السياسية الشاملة , إلى كلمات تصل إلى القلب والعقل معاً , أنظر مثلاً إلى تعبير < وبقرش الإدخار نتحدى الإستعمار > وهو ترجمة شعارات سياسية إلى ألحان ترددها الجماهير . وعندما أستمع إلى كلمات أحمد شفيق كامل في أغنية < السد العالي > أقف أتأمل مسيرة كاملة من مرحلة متميزة , بدأت بتأميم القناة ثم وقوع العدوان الثلاثي حتى فترة بناء السد العالي , الذي وصفه الشاعر عزيز أباظة < يفتح الرزق وهو سد > . وسماع أغاني عبد الحليم الوطنية يُكشف عن ظروف عصر , كان محظوظاً بوجود هذه الأسماء حوله من أم كلثوم حتى فريد الأطرش , والوصول إلى نجاة وفايزة أحمد ومحرم فؤاد وغيرهم من أصوات رائعة عانقت تطور الأغنية العربية وبروز المدارس التجديدية في قلبها . ويكفي تأمل دور الملحن علي إسماعيل وأسلوب توزيعه الموسيقي واستعانته بالآلات الشعبية المصرية مثل < الناي > و < المزمار البلدي > . ولعل أوضح صورة لمجمل منهجه الموسيقي يتألق في توزيعه للحن كمال الطويل < يا أهلاً بالمعارك > ثم الآخر < المسؤولية > حيث تجلى البناء الموسيقي البديع وعزفه على أوتار التراث الشعبي .
وقد تعانق صوت عبد الحليم حافظ مع مرحلة الخمسينيات ووجود الثورة المصرية . وكان بدء المسار مع عمل وطني عاطفي رقيق كتبه صلاح جاهين بإسم < إحنا الشعب > . ولا يمكن أن تأتي هذه الأعمال الجميلة , إلا من إقتناع داخلي يتعانق فيه الوجدان مع العقل بمحبة الوطن وعشق أحلامه والتغني بطموحاته الجليلة . وأغاني < حليم > الوطنية إنجاز حقيقي بالفن الموسيقي والكلمات الشعرية . وهي تندرج في قالب جميل من الخلق الفني , لذلك تستمر حتى الآن , على الرغم من التعتيم عليها ورفض إذاعتها , لعلها تتوارى في ظلام الذاكرة التاريخية .
كتب صلاح جاهين أعماله الوطنية بصدق وإيمان , لذلك عندما حدثت النكسة , تأثر عالمه بشدة وإنهار تماماً , وحاصرته أمراض الإكتئاب , لأنه حمل بأشعاره ملامح الحلم الذي تغنى به وإعتبره الحقيقة وتجاوز مرحلة الأمل .
وقد برزت خلال عصر جاهين , كلمات أحمد فؤاد نجم , التي تسخر من التجربة كلها ورموزها , من أول < أم كلثوم > حتى < حليم > نفسه , مع التوقف عن صلاح جاهين والتهكم عليه بطريق ساخرة للغاية , مست بالتأكيد روح الشاعر الذي كان يعاني من المرض وأضافت المزيد إلى عذابه الشخصي .
نقد نجم الجارح والعنيف , قفز عقب النكسة , حيث وجد أن غياب الحرية هو المسؤول الأول عن الضياع وحالة < الوكسة > التي مرت بها مصر , وإن كان نجم قد صالح < عبد الناصر > بعد غيابه في قصيدة جميلة نتيجة ما جرى في عصر السادات من تفريط في كل شئ . ورصيد الشاعر الشعبي أحمد فؤاد نجم بهذه القصيدة يتخطى الأخطاء , لأن النية الوطنية لدى < ناصر > كانت صادقة , وإن اضطربت بفعل غياب العدسة الديمقراطية الصافية .
كان نجم صادقاً في هجومه وتصالحه , إذ أن دافعه الأول حبه لمصر وعشقها والذود عن مصالحها . وقد دفع ثمن هذا الحب بضريبة باهظة في السجون والمنافي , بينما اللصوص يتمتعون في كل العصور بالحماية والثراء .
أغاني < حليم > الوطنية بدورها صادقة , ونتيجة تواكب تطور الأغنية مع نمو الشعر العامي ووجود مدارس موسيقية متألقة , خرجت من معطف محمد عبد الوهاب وأشاعت جواً من البهجة والإبتكار . وأدى الطرب دوره بهذه الأعمال عبر قناعة كاملة , ولم يُجبر عليها من أي طرف , ولا يمكن للإبداع أن يحدث بالقهر أو نتيجة وجود مشاعر عدوانية سلبية على الإطلاق . ويمكن رؤية إرث عبد الحليم حافظ الوطني من خلال هذه النافذة , حيث أن المطرب لا يبدع وهو مقيد أو يشعر بنار الكراهية .
وقد هيمن صوت < حليم > على الساحة المصرية والعربية بالكامل , وحاول الإنفراد بشهرته وتأثيره ودخل في معارك شرسة مع رموز أخرى مسيطرة مثل < أم كلثوم > لكنه لم ينجح , نتيجة شعبيتها الطاغية , وحب عبد الناصر لها . كما أن المطرب فريد الأطرش تعرض لإيذاء من حليم , مما أُضطر عبد الناصر للتدخل أيضاً لحمايته وتكريمه ومنحه جائزة مرموقة لتأكيد على حب مصر كلها لفنه الجميل .
هذا التدخل لا يعني أن عبد الناصر كان يكره عبد الحليم حافظ , كما إدعى الإذاعي وجدي الحكيم , الذي خرج بمناسبة ذكرى وفاة العندليب , ليتحدث عن السياسة ويوجه العداء الشخصي لهذه الفترة الناصعة بهذا الهجوم الحاد , إذ لا يمكن على الإطلاق خروج كل هذه الأعمال الوطنية والرائعة والجميلة , وهناك حالة كره أو ضغط أو إهانة من النظام آنذاك لمطرب في حجم عبد الحليم حافظ .
وقد تمتع حليم بنجاح ساحق وهيمن على الحياة الفنية كلها , وكان صوته في كل مكان وأفلام تسيطر على الساحة السينمائية , وتحتفي به الصحافة والكُتاب الكبار مثل مصطفى أمين , هيكل وكامل الشناوي وغيرهم من أسماء لامعة ومؤثرة في هذا العصر .
وكان الكاتب إحسان عبد القدوس , يحب صوت عبد الحليم , الذي أدى دور البطولة في فيلم < الوسادة الخالية > المأخوذ عن رواية كتبها إحسان . كما أن < حليم > أيضاً ظهر في ثلاثية < البنات والصيف > في حكاية سينمائية أخرجها صلاح أبو سيف وتضمنت اللحن الجميل < جواب حب > ثم أغنية راح .
وفي الحديث الذي أدلى به وجدي الحكيم يتحدث عن كراهية جمال عبد الناصر لعبد الحليم حافظ , إذ أراد تفجير قنبلة دخان شديدة الإنفجار , لكنه بهذا الموقف يسعى لنسف عصر كامل وإطلاق الرصاص عليه من إنحياز واضح لمرحلة < السادات > الذي يبدو أنه كان معجباً به . ومن حق < الحكيم > الولع بالسادات , لكن ليس بتزييف الحقائق , ومحاولة طرح هذه الأكاذيب , إذ لا يمكن قبول أن عبد الحليم حافظ أنشد كل هذه الأعمال الوطنية الرائعة في عشق الوطن , وهو مضطهد ومحاصر وممنوع من السفر والكلام ويتعرض لإهانة بالغة وشتائم على يد صلاح نصر مدير الإستخبارات العامة في هذا الوقت .
إن < حليم > كان مطرب النظام القائم آنذاك , واستفاد من هذه العلاقة في ترويج نفسه والهيمنة على الساحة . وهناك إتهامات له بمحاولة إقصاء كل الأصوات الأخرى حتى ينفرد بإهتمام المستمعين والجمهور . وعندما لمع نجم المطرب < محمد رشدي > بأداء أغنية < عدوية > من كلمات عبد الرحمن الأبنودي ولحن بليغ حمدي , تحرك العندليب لحصار هذا الصوت وتلك الموجة , وإستطاع إحتكار شعر الأبنودي وألحان بليغ في أعمال شعبية تستفيد وتستثمر موجة رشدي التي إكتسحت الحياة المصرية في الستينيات .
تدخل عبد الناصر لحماية فريد الأطرش من حليم , وتكريمه , ينصب في خانة تحترم جهود هذا الفنان الرائع الذي أثرى الحياة الفنية المصرية والعربية وتعرض لمضايقات من < حليم > ورغبته بالإنفراد بكل شئ . وموقف تكريم الأطرش , يعبر عن قيمة واضحة , وليس الهدف إهانة عبد الحليم حافظ , كما يقول وجدي الحكيم الذي يسعى لترويج لأعماله ومذكرات ينوي كتابتها بهذه الفرقعة السخيفة .
إن فن عبد الحليم حافظ كله , سواء العاطفي أو الوطني , إبن الظروف التي تجمعت وتراكمت وجاءت بهذا الزخم الجميل من الألحان والكلمات . وكانت هناك مساحة أمام هذا الإبداع لينطلق , وقد خدم الأهداف ونوايا هذه المرحلة , عبر تبادل المصالح والمنافع أيضاً , فعبد الحليم , أدرك طبيعة الحياة المصرية وضرورة المصالحة مع الظروف القائمة والنظام الموجود , لذلك إنفتحت أمامه كل الأبواب .
وقد غنت < أم كلثوم > كما فعل عبد الوهاب للملك < فاروق > , ولم يكن ممكناً فعل شيئاً يختلف عن هذا المزاج العام . وعندما تغيرت الأحوال وتبدلت إنتقل الغناء إلى الثورة ثم إلى زعيمها في دلالة للتعبير عن نمط البناء الهرمي المصري المسيطر منذ عهد الفراعنة حتى الآن .
وقد تحلقت المشاعر حول < حليم > لأنه لم يشهد العهد الملكي الماضي , وتفجرت موهبته وصوته مع عصر جديد مختلف, لذلك حاز على الإعجاب وانفتحت أمامه كل الفرص من شهرة ومال ومجد , لا يزال ينعم به , على الرغم من رحيله عن عالمنا .
سيرة < حليم > يمكن رؤيتها في ضوء متغيرات مصر , من عهد < فاروق > إلى عصر < ناصر > ثم الهزيمة القاسية وصعود < السادات > والإنتقال إلى ضفة أخرى , تعرض خلالها عصر جمال للتشويه حتى لا يتكرر مجدداً , لذلك تم التركيز على نسفه في أذهان المصريين .
وحملة وجدي الحكيم , هي فصل آخر من الهجوم المستمر منذ عام 1970 حتى الآن . والمعركة الجديدة , تؤكد أن مطرب هذه المرحلة والذي تغنى بالثورة , كان يعاني من الإضطهاد والحصار والظلم والإهانة , وأن قائد النظام كان يكرهه ولا يطيقه , لكن السؤال , لماذا كان يسمعه ويرحب به ويذهب إلى حفلاته ويستمع إلى كلمات وألحان بصوت العندليب تشيد به وتمدحه وتثني عليه بطريقة تصل أحياناً إلى المبالغة الشديدة .
إن ثقافة مترددة وخائبة وفارغة , تتكفل دائماًَ في هدم كل شئ . وعندما جاءت الثورة ركزت على تدمير العهد الملكي وزرع الكراهية ضده بكل الوسائل , وبعد غياب عبد الناصر , إنطلقت الحملة ذاتها تكرر هذا السيناريو السخيف . وعلى الرغم من أن نظام < السادات > لم ينته تماماً , فإن بعض المختلفين معه فتحوا النيران بكثافة عليه , بهدف تلويث سيرة الزعيم السابق , والتركيز على الآخر الجديد .
وعندما تقرأ التاريخ العربي في أحقاب متنوعة , لا تعرف على الوجه اليقين , أين الحقيقة فمثلاً الكتابة عن رئيس وزراء مصر الوفدي في عهد ماقبل الثورة مصطفى النحاس , تعرض لتشويه بالغ , كذلك فؤاد سراج الدين وزير داخلية نظام الوفد . وبعد إختفاء عصر ثورة يوليو بطبعته الناصرية , بدأت مدافع القصف والتدمير تواصل تحركاتها .
ويبدو أن الحملة لا تزال مستمرة , دون سند تاريخي أو موضوعي أو حتى آخر يحترم عقول القراء وقدراتهم على التأمل والخروج بأحكام ما , مرتبطة بظروف الواقع . فلم يكن ممكناً أن يبدع عبد الحليم حافظ بهذا الشكل الرائع عبر أغانيه الوطنية , وهناك حالة كره غير معلنة بينه وبين عبد الناصر , وأن النظام الذي كان يمدحه بصوته , اعتاد إهانته وشتمه بألفاظ بذيئة , كما أخبرنا وجدي الحكيم.(نشر هذا المقال في مجلة صباح الخير عام 2004
| |
|