حين وقعت علي المسرح فاقد الوعي..
أعد لي الملك طائرة تقلني للعلاج في الخارج
تكتبها: ايريس نظمي=عبدالحليم مندمج في الغناء.. لكن الإرهاق الشديد واضح علي وجهه.. عيناه غائرتان.. وجهه شاحب.. وعرق كبير يتصبب فوق جبينه وهو مندمج في الغناء.. لقد نصحه الأطباء بأن يتجنب الإنفعال.. لكن كيف لاينفعل وهو يغني من صميم القلب.. عواطفه جياشة.. أحاسيسه دائما طازجة.. الغناء شفاء لروحه العليلة.. وفجأة يسقط علي الأرض فاقدا وعيه.. القلق علي الوجوه خاصة الملك الحسن الذي يأمر بنقله فورا إلي المستشفي الفرنسي في المغرب
انخلعت القلوب المغربية التي تحبه واهتزت وهي تسمع الخبر.. لقد جاء حليم كثيرا الي المغرب وغني في القصر المالكي.. وغني في الشوارع غني للملك وللناس، وارتدي مثلهم الجلباب االمغربي وأحب العادات والتقاليد المغربية انه ليس فقط صديقا شخصيا للملك الحسن بل هو قريب من كل أبناء المغرب الذين أحبوا أغانيه المصرية وأيضا المغربية التي أصبحت علي كل لسان. عبر بصوته عن حياتهم وآمالهم وأفراحهم في أكثر من مناسبة..
لكن الملك الحسن قلق جدا عليه.. انه يسأل باهتمام اطباء المستشفي الفرنسي في المغرب عن حالته وهل أفاق من الغيبوبة وتوقف النزيف.
ويشعر الملك بالانزعاج الشديد وهو يسمع رأي الأطباء الفرنسيين (ان عبدالحليم لن يعيش طويلا بهذا الكبد.. أيامه في الحياة أصبحت معدودة.. لقد حدثت مضاعفات خطيرة في الكبد هناك أمل وحيد وأخير قد يكتب له الحياة.
وسأل الملك بلهفة: ما هو؟
قال الاطباء: ان تجري له عملية زراعة كبد.
في ذلك الوقت لم تكن زراعة الكبد قد حققت نجاحا كبيرا.. يأمر الملك الحسن باعداد طائرة خاصة مجهزة بكل وسائل العلاج الطبي لكي تنقل عبدالحليم فورا إلي باريس التي يمكن أن تجري فيها زراعة الكبد. موقف لاينسي لملك المغرب.. فعبدالحليم بالنسبة له ليس مجرد مطرب بل هو اكثر من ذلك..
ويحكي حليم مذكراته مع الملك الحسن منذ أول لقاء بينهما منذ سنوات بعيدة:
عرفت الملك الحسن منذ كان وليا للعهد.. كان تعارفنا من بعيد.. كنت قد رأيته في الخارج لكن لم يحدث بيننا تعارف كامل. وفي المرة الثانية رأيته في المغرب بعد أن أصبح ملكا.. جمعنا الحب الالهي ونشأت بيننا صداقة قوية.
وأذكر أنه قال لي ذات يوم 'يا عبدالحليم أنا أحب الموسيقي.. انني طوال النهار أعمل وأمارس شئوني كملك.. وفي الليل أسمع الموسيقي. كان أبي الملك محمد الخامس رحمه الله قد لمس وأحس حبي المبكر للموسيقي واندفاعي نحو سماعها وتعلمها. وفي أحدي المرات قال لي انني أربيك لكي تكون ملكا.. وأعلم أنني أقسو عليك.. أريد أن أعلمك اشياء ليس مفروضا أن يتعلمها الشخص العادي.. انك تحب الموسيقي وأنا أعلم ذلك واني مستعد أن أوفر لك كل ما يمت للموسيقي بصلة فإما أن تكون ملكا أو تكون موسيقيا.. ومعني ذلك أننا نقول أن هناك واحدا من العائلة المالكة كان من المفروض أن يصبح ملكا فأصبح موسيقيا.
وشعرت ياحليم بمسئولية كبيرة جدا تجاه بلدي ووطني والناس الذين سأكون مسئولا عنهم.. وبدأت أعمل وأتعلم لكي اكون ملكا لأقوم بمسئولياتي تجاه بلدي ووطني والناس الذين سأكون مسئولا عنهم. وتبقي هواية سماع الموسيقي راحة لي وسط أعباء ومسئوليات العمل. انني لا اكتفي بسماع الموسيقي بل واؤلف أيضا الموسيقي وأقود الفرقة الموسيقية'.
كان أول مرة أزور فيها المغرب عندما سافرت مع بعثة الفنانين المصريين وكنا قد أعددنا أغنية (أحنا الشعب) في ذلك الوقت.. ووجدت الجمهور المغربي يطلب هذه الاغنية إلي جانب الأغاني العاطفية الأخري.. وسرت في شوارع المغرب أردد هذه الأغنية.. ثم دعانا الملك إلي القصر حيث سمعنا الأغاني والموسيقي المغربية.. وبدأت أشعر أن الملك يقدرني تقديرا خاصا.. نشأ بيننا نوع من الحب الالهي.. ويبدو ان البعض ضايقهم نمو هذا الحب الإلهي بيني وبين الملك الحسن فسعوا للوقيعة بيننا لإفساد هذه الصداقة.
قالوا للملك ان عبدالحليم غني في الجزائر ضد المغرب.. صحيح انني غنيت في الجزائر لكن ليس صحيحا انني غنيت ضد المغرب.. وللأسف نجحوا في خطتهم ووشايتهم وأكاذيبهم.. وكانت النتيجة منع نشر أخباري في الصحف والمجلات المغربية.. ومنع اذاعة أي أغنية من أغنياتي من اذاعة المغرب. وقررت ان أشرح الحقيقة للملك.. كتبت رسالة مطولة أشرح له فيها موقفي تتضمن 'سمعت انهم قالوا لجلالتك اني غنيت في الجزائر ضد المغرب وهذا غير صحيح. كل ما حدث اني أعددت بعض الأغاني عن كفاح الجزائر ضد الاستعمار والاحتلال الفرنسي.. وهذا واجب وطني.. بل أعلم أن جلالتكم ساهمتم في هذا الكفاح هل شعب الجزائر لايستحق المساندة؟ ان الكفاح الجزائري يشرف العرب جميعا.. وغنائي للشعب الجزائري كان تعبيرا عن مشاعري كإنسان وفنان.
وانتظر وطال انتظاري دون ان اتلقي اية رسالة من الملك الحسن.. ولكني سمعت صوتي بعد ذلك يتردد من جديد من اذاعة المغرب.. وبدأت صوري وأخباري تعود مرة أخري إلي صفحات الجرائد والمجلات المغربية.
سافرت إلي المغرب بعد زوال غيوم الحقد وعاد الصفاء القديم إلي صداقتنا.. وغنيت في الأعياد.. وغنيت للملك اغنيات اذكره بواجبه نحو فلسطين الجريحة.. وأن تكاتف العرب سيجعل منهم قوة كبري لها شأنها وتأثيرها..
وبعد ذلك بشهر دعانا الملك معظم المطربين المصريين لاقامة حفل لولي العهد.. وفي هذا التوقيت بالذات حدث ووقع الانقلاب الفاشل ضد الملك والذي قاده الجنرال محمد اوفقير وزير الداخلية والقبضة الحديدية التي تحمي النظام وطلبني ثوار الانقلاب الفاشل ان أتحدث في الاذاعة فرفضت فعلاقتي بالملك انسانية وفنية.
ولن أنسي أبدا المرة الأخيرة التي زرت فيها المغرب يوم أن هاجمني النزيف اللعين بصورة مفاجئة ومزعجة كان الملك قلقا جدا من أجلي.. ونقلني فورا إلي المستشفي الفرنسي.. وظل يتابع اخبار المحاولات المتكررة لوقف النزيف الذي لم يهاجمني أبدا من قبل بمثل هذه الشراسة.. وأمر بنقلي فورا علي طائرة خاصة مزودة بكل وسائل العلاج الطبي لكي أواصل علاجي في باريس.. وايضا في الولايات المتحدة.
هذه قصتي مع الملك الفنان الانسان الحسن الثاني الذي احتفظ له في قلبي بكل الحب والاعزاز.
قارئة الفنجان التي تنبأت بالنهاية
بدأت أستعد لتقديم 'قارئة الفنجان'..
أنها ليست مجرد اغنية عابرة في حياتي..
بل تكاد تكون أقرب الاغاني التي قدمتها إلي قلبي لأنها بصراحة ارتبطت في عقلي ووجداني بقصة الحب التي أعيشها بكل احاسيسي.. لقد ولد هذا الحب وعاش مع (قارئة الفنجان).. ان كل هذا الذي يفيض من كلمات هذه القصيدة الرائعة التي كتبها الشاعر الكبير نزار قباني لم يكن الا تعبيرا عن قصة حبي التي ماتزال سرا خاصا لايعرفه أحد حتي أقرب المقربين..
لقد عشت الحب الحقيقي مرتين في حياتي.. المرة الأولي كانت تجربتي مع الانسانة التي ماتت ونحن نستعد للزواج وقتلت معها كل أحلام الاستقرار.
أما المرة الثانية فالتي أعيشها هذه الأيام وأجد كل معانيها في 'قارئة الفنجان'.
لا أنكر أن هناك علاقات عاطفية أخري مثل علاقتي مع سعاد حسني، وعلاقات طارئة لم تترك أثرا أو علامة باقية في حياتي.
وهذه المرة الثانية تشهد عليها 'قارئة الفنجان'.. قصة الحب التي أعيشها هذه الأيام جاءت بالصدفة وانتشلتني من ظروف صعبة.. لكن ما هي نهاية هذا الحب.. كلما حاولت أن ارسم له نهاية 'الاقيها مقفولة'.. هل ستكون نهاية حبنا نهاية مفتوحة؟
وسألت الطبيب.. أنا افكر في الزواج الآن ما رأيك؟
ورد الطبيب بالانجليزية انت 'Perfect'.. لكن لاتقدم علي الزواج الآن.
قلت: ليه؟
قال: الزواج لن يؤثر عليك من الناحية العضوية.. لكنه سيؤثر عليك من الناحية النفسية.
قلت له: لكني أنفعل وأنا أعمل كما أنفعل في حياتي اليومية ورد الطبيب: لكن الزواج حاجة ثانية.
وأصبح كلام الطبيب علامة استفهام دائمة في عقلي.. ولماذا ينصحني بعدم الزواج خلال العامين القادمين بالذات!
هل ستتكرر نفس تجربة الحب الأول.. وما هي القوي الغامضة المجهولة التي تتدخل لتجعل حبنا مستحيلا. أنه نفس الحب الذي تتحدث عنه 'قارئة الفنجان':
بحياتك ياولدي امرأة عيناها سبحان المعبود
فمها مرسوم كالعنقود ضحكتها انغام وورود
والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا
لكن سمائك ممطرة وطريقك مسدود مسدود
نعم هي ياقارئة الفنجان.. هي التي احبها.. لكن لماذا أري طريقي هكذا مسدودا لست متشائما بالعكس انني انسان متفائل.. وأحب الناس المتفائلين