د. عبد المنعم عمارة
عبدالحليم حافظ بين السياسة والفن
الأحد، 8 أبريل 2012 - 16:00
Add to Google
طيب هل تسمح لى أن أخرجك وأخرج معك من هذا المناح السياسى الذى تعيشه مصر الآن.. لا أحد كان يتصور أنه ستقوم ثورة شعبية فى مصر وقامت والحمد لله، ولا أحد كذلك كان يتصور أن يصل الحال بمصر للحالة التى عليها الآن التى لا تعجب أحداً، لا شباب الثورة ولا الأحزاب المدنية ولا غالبية شعب مصر.. مصر فجأة أصبحت بلد الأزمات، ساعات يبدو كأن هناك «حد عايز البلد ما تقومش» من ولماذا؟ الله أعلم، ومن فضلك لا تحدثنى على الطرف الثالث ولا عن مؤامرة تأتى لمصر من الخارج.
ده سبب يجعلنى أحاول ألا تكون مقالتى هذه سياسية، فالناس انتفخت بالسياسة.. والذى كان ليس لديه ميل للسياسة والذى كان يتخوف منها، ظهرت له على حقيقتها، علماء السياسة والعاملون فى السياسة يعرفونها جيداً ولهذا أجمل وأحسن كلمة قالوها عنها «اللعنة على السياسة» Damx Politics. كيف تحب السياسة وهى تعلمك وتؤكد عليك هذه الجملة الشهيرة «عدو عدوى صديقى»، «صديق عدوى عدوى» مشكلة السياسة أنك لو وضعت رجلك فيها.. فلن تستطيع إخراجها ولو لم تصدقنى راجع مواقف الحكام الذين تكرههم شعوبهم ولا يريدون أن ينسحبوا بحجة أن الشعب هو الذى يتمسك بهم.. السياسى ملزوق بغرة «بكسر الباء» فى الكرسى ولا يستطيع القيام منه..
عزيزى القارئ
قررت وأستسمحك فى ألا يكون هذا المقال سياسياً.. على الأقل لا أزعجك، كفاية عليك برامج التوك شو، وكفاية عليك ما يدور فى جلسات مجلس الشعب.
وأخذت أفكر وأفكر وأفكر وقلت لنفسى وجدتها، كما قال العالم نيوتن عندما سقطت التفاحة من الشجرة التى أمامه، طبعاً القياس مع الفارق.
جاء الربيع وهو بالنسبة لى يعطى التفاؤل والابتسام والأمل، وجاءت معه ذكرى عبدالحليم حافظ وجيلى وربما الأجيال التى بعدى، له فى نفوسنا ذكريات حلوة، حيث تعلمنا منه الحب والهجر والفراق ثم زواج البطل بالبطلة كما يحدث فى كثير من أفلامه.
وكمحب وعاشق لحليم من الطبيعى أن أتابع الاحتفالات التى تقام بمناسبة ذكراه.. خمسة وثلاثون عاماً منذ وفاته ويتكرر كل عام صورة طبق الأصل مما يقال، والمضحك أنه فى كل عام يقولون لك قبل ذكراه «أسرار جديدة فى حياة عبدالحليم حافظ» وتكتشف أنه لا أسرار جديدة ولا يحزنون، مرضه؛ حبه لسعاد حسنى، زواج أو لا زواج علاقاته بأصدقائه، علاقاته بالرؤساء والحكام والملوك العرب.
هنا فكرت فى سؤال وأردت أن أطرحه على حضراتكم، ما دمنا فى موسم وأوكازيون السياسة.
السؤال هو: ماذا كانت تمثل السياسة فى حياة حليم؟ ما هويته السياسية؟ هل هو ليبرالى، اشتراكى، رأسمالى، يمينى، يسارى، وسطى، سلفى، إسلامى معتدل، ثائر بالطبيعة، أم ثورته ثورة لفنه فقط؟.. هل هو وحدوى قومى؟.. هل هو ناصرى؟.. هل هو ساداتى؟.. هل كان يناصر الشعب أم يناصر ناصر فقط؟ رأيت أن هذه المقالة هى محاولة للخلط بين السياسة والفن؟ هى محاولة لاكتشاف عبدالحليم السياسى أكثر من عبدالحليم حافظ الفنان.
هى محاولة لمعرفة سر العلاقة بينه وبين عبدالناصر، هل هى علاقة حب بالرجل، هل هى علاقة فنية؟ هل هى علاقة توصيل عبدالناصر لقلوب الشعب المصرى؟
حضرات القراء
لقد غنى للاشتراكية أغنيته الشهيرة «على رأس بستان الاشتراكية» فقلت لنفسى حليم اشتراكى.. غنى لجمال عبدالناصر أغنية «يا جمال يا حبيب الملايين» قلت حليم ناصرى.
غنى للملك الحسن ملك المغرب «ليالى العيد وياليلة محلاكى» وغنى للكويت «من الجهرة للسلمية» ولتونس «يامولعين بالسهر».. وغنى لوحدة مصر وسوريا «غنى يا قلبى وهز الدنيا وقول مبروك» وغنى كذلك «أجمل عيد مصر وسوريا اتخلقوا من جديد».. إذن الرجل قومى وحدوى يؤمن بالوحدة العربية، ومناضل من أجل تحقيق هذه الوحدة، وغنى لكفاح شعب الجزائر «قضبان حديد اتكسرت». تصورته رأسمالياً وليس يسارياً أو شيوعياً عندما رفض أن يغنى لشاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم وهو رفيق طفولته بالملجأ فى الزقازيق عندما قال «اثنين شيوعيين يعلمونى الوطنية» يقصد نجم والشيخ إمام.
تصورته ساداتياً عندما غنى بعد انتصار أكتوبر «عاش اللى قال» يقصد الرئيس السادات ولكنه لم يذكر اسمه، حيث إن تعليمات السادات كانت عدم الغناء باسمه كما كان يحدث مع الرئيس عبدالناصر.. قلت إنه ثائر وثوري عندما غنى للشاعر الكبير مأمون الشناوى «ثورتنا المصرية حياة وعدالة اجتماعية».. لاحظ أنه تقريباً نفس شعار ثورة 25 يناير.
عزيزى القارئ
دار هذا فى رأسى، ولهذا قررت أن أتصل بالناقد الفنى الكبير طارق الشناوى الذى أعتبره قيمة كبيرة فى النقد الفنى الصادق والموضوعى، وطرحت عليه فكرة المقال والسؤال الخاص بهوية عبدالحليم حافظ السياسية.
وقد رد على بصراحة بأن الفنان حليم لم يكن له أية وجهة نظر سياسية، بل لم يكن له وعي سياسي أو خلفية سياسية ينطلق منها؛ فالواقع السياسى المصرى وكل الأحداث التى مرت بها مصر جعلت موقفه الفنى أكبر من مواقفه السياسية.. وأضاف أن علاقته مع ناصر كانت علاقه مصلحة متبادلة عبدالناصر يوفر الحماية لحليم، كما حدث فى حالات كثيرة تعرض لها عبدالحليم حافظ مع صلاح نصر ومع مصطفى أمين.
وأن عبدالحليم كان يغنى للشعب حتى يحب عبدالناصر وهو ما نجح فيه وأن ناصر استفاد من غناء عبدالحليم له وللثورة.
حضرات القراء
إذن على ضوء تحليل الناقد الفنى طارق الشناوى، عبدالحليم لا كان اشتراكياً ولا قومياً ولا وحدوياً ولا شيوعياً أو يسارياً ولا ليبرالياً ولا رأسمالياً ولا ناصريًا أو ساداتيًا، باختصار عبدالحليم حافظ الفنان تغلب على عبدالحليم السياسى وأن كل غنائه كان من أجل فنه أكثر من أى شىء آخر.
ويتبقى سؤال أخير: ما رأى حضرتك فى هذا الكلام!