رسائل حُب بليغ حمدي لوردة الجزائرية
جهاد علاونه
العدد: 3414 - 2011 / 7 / 2 - 18:28
المحور: الادب والفن
قالت وردة الجزائرية (عشقت بليغ حمدي ليس لأنه وسيم أو دنجوان,فأنا أحب الرجل الخشن أو غير الدنجوان ولذلك أحببت بليغ حمدي وعشقته) أما بليغ حمدي فقد مات حبا بوردة لأنها كانت بنظره ملكة من ملكات الجمال وفنانة عظيمة تستحق الإطراء والتمجيد وأن يُبنى لها تمثال من العشق والغرام وأن تدخل هي وهو وقصة حبهما التاريخ من أوسع أبوابه كدخول الأساطير الغرامية عليه, وذات حساسية عالية وخفيفة الروح والظل والدم.
كانت وردة الجزائرية تحيا بواسطة حب بليغ حمدي لها وكان بليغ حمدي يموت ألما من حبه وهيامه بها وكل نقطة دم في جسم بليغ حمدي كانت تقول لوردة الجزائرية ألحانا عظيمة وكلمات ليست كالكلمات ,وكل نقطة عرق من جبين بليغ حمدي كانت تشهد له بأنها رشحت شوقاً إلى وردة الجزائرية, كان الحب بين وردة وبليغ على أشده نهاره وعلى أتمه ليلا حين يزور الوله والهيام والهيجان العاشقين,وكل حبة سُكّرْ في دم بليغ حمدي احترقت في حب وردة الجزائرية وأحرقته وكل ساعات التأمل التي كان يتأملها بليغ حمدي كانت في حلمه بالعودة إلى أحضان وردة الجزائرية, وكل فكرة موسيقية كانت تخطر على بال بليغ حمدي حين تخطر بباله وردة الجزائرية, كان عاشقا وكأنه من عشاق القرون الوسطى وزمن الفرسان والنبلاء وكانت وردة الجزائرية تحكي لكل صديق وصديقة عن حب هذا الفنان العظيم لها ولفنها , وكل نبضة قلب كانت تنبض في قلب بليغ حمدي كانت تقول بأن ورده الجزائرية هي مصدر كل دقات قلبه , وكل دمعة كانت تنزل من عين بليغ حمدي كانت تناجي وردة الجزائرية وتسألها الوصال من بعد طول الجفا, كان بليغ حمدي هائماً على وجهه في حب وردة الجزائرية, والغريب في الموضوع بأن وردة الجزائرية هي التي قررتْ أن تعشق رجلا بمواصفات بليغ حمدي من وهي طفلة لم تبلغ الحلم بعد, وحين بلغت الحلم وعرفت ما الهوى قررت أن تعشق بليغ حمدي وأن تجعله يعشقها من قبل أن ترى صورته فقط لأنها سمعت ألحانه...كل لحن وضعه بليغ حمدي لوردة الجزائرية كان عبارة عن رسالة غرامية يرسلها إليها, وكل لحن صنعه بليغ حمدي لمياده الحناوي كان أيضا رسالة غرامية مبطنة إلى محبوبة العين والقلب والروح والجسد وردة الجزائرية, وكل لحن جميل الّفه الموسيقار المبدع بليغ حمدي للفنانة (شاديه / آه يا أسمراني اللون حياتي الأسمراني) كان أيضا رسالة شوق وحب عظيمة للفنانة الرائعة وردة الجزائرية, وفي يوم من الأيام وأثناء رؤية كوكبُ الشرق لبليغ حمدي نادته قائلةً(تعال يا واد..إيه!! أنت صحيح يا وَد عملتني كوبري على شان تبعث من خلالي رسالة للبنت اللي بتحبها؟) طبعا أشارت أو كانت تشير في ذلك إلى أغنية(بعيد عنك حياتي عذاب).
بعض الشخصيات الفنية الطربية والتمثيلية لا تقلُ حياتهم أهمية عن حياة الملوك والفلاسفة وشهداء العشق والغرام وقصص الهوى الأسطورية , ولربما ستفاجئون إذا عرفتم أنني أقرأ عن حياة الفنانين من ملحنين ومطربين وممثلين كما أقرأ تماما عن الفلاسفة والأدباء والملوك والأباطرة والتاريخ الطبيعي للإنسان العاقل, ودائما ما أحلم بالكتابة عن البطلة الشيوعية (تحيا كاريوكا) و(بليغ حمدي) و(سعاد حسني وعبد الحليم حافظ وعبده الحمولي وأبو العلا محمد وبديعة مصابني...الخ ) تماما كما أحلم بالكتابة عن فلاسفة قرأتُ عنهم الكثير ولم أكتب عنهم حتى هذه اللحظة..ووردة الجزائرية عدى عن أنها معشوقة ومحبوبة عاشق مجنون في العشق وعدى أنها فنانة عظيمة فإنها مناضلة سياسية بطريق الصدفة,حُكِم على وردة الجزائرية بالإعدام شنقا وكانت هذه القصة قد جعلتها في صفوف المناضلين السياسيين حين حكمت عليها الحكومة الفرنسية بهذا الحكم بعد أن غنت للثورة الجزائرية, وفي الحقيقة لم يحكم عليها بالإعدام لأنها جزائرية بل لأن جنسيتها فرنسية, وولدت في باريس سنة 1929من أب جزائري وأم لبنانية من عائلة(يموت) حيث كانت قد تزوجت من والد وردة الجزائرية من خلال قصة حب لا تتكرر إلا في كل ألف عام مرة واحدة وهنا نشعر بتكرار المشهد الغرامي حيث ذهبت والدة وردة الجزائرية(نفيسه يموت) لتتزوج خطفاً ( زواج الخطيفة) من بيروت إلى باريس, تماما كما خطف باريس الإله محبوبته(أوروبا) ابنة ملك الفينيق وجاء فيها إلى باريس.
وبليغ حمدي له عندي أهمية كبيرة لِما حملته ألحان بليغ حمدي من رسائل مبطنة إلى معشوقته وردة الجزائرية, فلم يعرف الفن المصري قصة حب أعظم من قصة حب وردة الجزائرية وبليغ حمدي ذلك الفنان المبدع الذي كتب كل ألحانها لوردة الجزائرية حتى أن كل الأغاني التي لحنها بليغ حمدي كان قد اشترك بكتابة كلماتها بنسبة 95% من كل قصيدة لحنها وكان لا يحب أن يضع اسمه على الكلمات , أما كيف تعرفت وردة الجزائرية على بليغ حمدي فهذا له قصة طريفة تتعلق بطفولة وردة الجزائرية حيثُ في طريق ذهابها إلى المدرسة كانت وردة تدخل سينما تعرض أفلاما عربية في مدينة باريس ويوم سمعت أغنية عبد الحليم حافظ(تُخونوه) فقررت أن تقطع علاقتها بالدراسة وبالمدرسة وأن تعشق ليس المغني الذي غنى وإنما الفنان الموسيقار بليغ حمدي الذي لحن الأغنية وبليغ حمدي كان عبقريا في العشق وفي التلحين فقد لحّنَ لأم كلثوم وهو في سن ال 28 سنة حين نعرف بأنه ولد سنة1931م وغنت له أم كلثوم سنة1960م وأول ألحانه عام1957م وهي أغنية (تخونوه) لعبد الحليم حافظ ومن ثم لأم كلثوم من خلال أغنية (حب إيه) سنة1960م وتبعها في أغنية(أنساك ده كلام)من كلمات مأمون الشناوي وكان محمد فوزي يريد تلحينها لأم كلثوم وفارق الدنيا ولم يتمكن من التلحين لأم كلثوم والغريب في الموضع أن محمد فوزي هو مكتشف بليغ حمدي الذي قال لأم كلثوم(عندي حتت واد مجدد وحتعيش أفكاره الموسيقية وتغنيها الناس 100سنه).
والذي أثّر في شخصية وردة الجزائرية وجعلها تغني عربي هو أن الملك فاروق كان يزور والدها في ملهاه الليلي بباريس وكان يوسف وهبي أيضا يتردد على نفس الملهى وكان فريد الأطرش من الذين يترددون على نفس الملهى وكانت وردة طفلة يافعة يوقظونها من النوم ليلا لتغني ليوسف وهبي ولفريد الأطرش وكانت تقلد أم كلثوم وأحيانا الشحرورة صباح, كانت قصة حب رائعة بين بليغ حمدي ووردة محمد فتوكي(الجزائرية) لا تتكرر هذه القصة إلا في قصة روميو وجوليت وعنترة العبسي وعبلة وامرء ألقيس وفاطمة وأنطونيو وكليوبترا وأخيرا بين أم وردة الجزائرية وأب وردة الجزائرية لترث عنهم هذا التراث العالمي الرومانسي, كانت قصة عشق بين الفن والفن والأصالة والأصالة, وهذا الكلام أو الوصف ليس تعبيرا إنشائيا مبالغا فيه,على العكس من كل ذلك فهذا الوصف ربما يكون قليلا على بليغ حمدي ووردة الجزائرية التي أحبت بليغ حمدي حبا جما في الوقت الذي لم تستطع أن تهبه طفلا أو أن تنجب منه طفلا أو طفلة, كانت وردة الجزائرية قد تعرضت للإجهاض ألقسري خمس مرات على مدى ست سنوات من استمرار العلاقة الزوجية التي تنبأ عبد الحليم حافظ بعدم استمرارها أو باستحالة نجاحها , وروت وردة الجزائرية لوسائل الإعلام مرة بأن عبد الحليم حافظ كان يغني يوم عرسها في منزل وردة وبليغ وهو يضحك أغنية(ابتدى ابتدى المشوار) وكان كلما وصل إلى (آه يا خوفي من آخر المشوار آه يا خوفي) كان ينظر إلى وردة ويضحك وكأنها رسالة لوردة بأن هذه العلاقة لن تستمر لمعرفتة بطبيعة بليغ ووردة, وكانت تنبؤات الوسط الفني صحيحة, أما بالنسبة لبليغ حمدي فقد وصفته وردة بأنه شخصية مجنونة وبوهيمية وبأنه سبق له أن تزوج ونسي الحضور ليلة زفافه.