19 عاماً على رحيل بليغ حمدي.. وكأنه لم يذهب!!
موسيقار لمع معه الكبار وأحب الجيل الشاب من الفنّانين
بليغ حمدي
في مثل هذا اليوم 12 أيلول/ سبتمبر توفي الفنان المتميّز بليغ حمدي عن 62 عاماً تاركاً إرثاً كبيراً من الألحان والمعزوفات التي أثرت التراث العربي في مجال الأنغام الأصيلة.
غاب هو وبقيت ابداعاته (تخونوه، حكايتي مع الزمان، زي الهوى، حبيبتي من تكون، ردوا السلام، كل حب وأنت طيب، عدوية، دار يا دار، وحشتوني، ألف ليلة وليلة، موعود، طاير يا هوى، أنا بعشقك..) وصولاً الى ما لحّنه للشيخ سيد النقشبندي.
استمعنا الى نتاجه بأصوات كثيرين وكثيرات (فايزة أحمد، أم كلثوم، نجاة الصغيرة، شادية، صباح، عزيزة جلال، ميادة الحناوي، محمد رشدي، هاني شاكر، علي الحجار، ثم سميرة سعيد ولطيفة التونسية). وأطلقت عليه ألقاب عديدة، أبرزها: ملك الاحساس الصادق والخاص، ولم يعرف بعد ما هو مصير المسلسل الذي توقف عدة مرات خلال التحضير لأن الشخصية تتطلب ممثلاً متميزاً ورسا الأمر أخيراً على محمد نجاتي لكن الموعد لم يحسم بعد.
مداح القمر.. هذا هو عنوان المسلسل. لفنان راقٍ مبدع قال لنا في واحدة من لقاءاتنا به ما أذهلنا من كثرة صدقه:
«إياكم والكلام الثقيل والسلبي عن الجيل الشاب من الفنانين، إنهم وأنتم لا تعلمون ذلك يغنون لزمان سيجيء بعدكم فلا تضحكوا عليهم ولا تسخروا منهم». وأعطى يومها مثالا على ذلك أحمد عدوية وقال انه برز في فترة لمعان الكبار وكلما أراد أحد الكلام عن إسفاف أتى على سيرته وأشبعه تعابير مهينة، لكن لاحظوا اليوم بأن كل الذين يغنون اليوم هم صورة عن عدوية الأمس، نعم لقد كان سابقاً عصرنا.
هكذا هو بليغ صادق، مباشر وصارم.
وهو نفسه الذي ترك مصر وعاش في باريس لسنوات ليعود بعدها الى القاهرة مظفراً ومحفوظ الكرامة - الشخصية والفنية، عندما تمت تبرئته من التهم الموجهة إليه بشأن مصرع المغربية سميرة المليان في شقته، لقد كان متدفقاً بالأفكار ويحب جداً المواهب الجديدة والتي كان يسعى للاهتمام بها ما أمكنه الحال، والظرف والمزاج أيضاً، في وقت لا ننسى ان الفنانة ميادة الحناوي كان ممكناً أن تعطي نتيجة أفضل لو اكملت المشوار مع بليغ، لكننا ندرك الظروف التي حكمت تلك الفترة مع وجود الكبيرة وردة.
لم يكن بليغ يعتذر عن اجراء لقاءات صحفية، لكنه كان يسأل: أنت بتكتب من إمتى، وتعرف إيه عنّي؟، ثم يقرر ما إذا كان سيوافق أم لا. هكذا هو صريح، وبإمكانه أن يلحن وهو نائم، في أي وقت، وعندما يعتقل النغمة التي يبحث عنها ينتشي ويضحك من كل قلبه، ويدرك ان هناك تواطؤاً خاصاً من النغمات الجميلة والخاصة معه.. هكذا قال لنا ونحن في منزله بشارع صغير متفرّع من شارع جامعة الدول العربية بالقاهرة، في الطبقة الثانية من بناية قديمة يصلها كل الصدى المزعج من الشارع، لكنه كان سعيداً، ويقول: ما أعرفش أعيش في منطقة خالية من الحركة، والضجة، لكن وقت الابداع لا يسمع الا الموسيقى في داخله.
مات في سن غير متقدمة.
62 عاماً فقط.. نعم لم يكن عجوزاً، وكان يشعر دائماً بدماغه ممتلئاً، كما صدره ممتلئاً، كان يريد أن يفيض ويتحوّل الى ما هو أهم من كل الأجواء التي تحصل من حوله، هو كان يريد الكثير، مات وخزانته ممتلئة بالكامل، الكثير الكثير مما عنده لم يطلقه، مات وفي نفسه وروحه الكثير جداً من الموسيقى، ونتذكر اننا عندما سألناه ما الذي تريده أيضاً من الموسيقى بادرنا: جعل الناس سعداء، أن يدندنوا دائماً بأجمل الانغام.
أراد أن تعم الموسيقى وتنوجد في كل مكان. في وقت كان يدرك ان انغامه بأصوات الكبار كانت حاضرة على أرفع مستوى، وبالتالي يغنيها الجميع من كل قلبهم. وهو أمر جعل من حضوره الفني، حالة متقدمة، رائعة ولافتة في وسط يشكو دائماً من كثرة العابرين فيه وقلة من يستوقفون الأذن للاستماع إليهم.
19 عاماً ليست شيئاً عندنا.
فما أبدعه يحضر معنا، وأمامنا في كل وقت، ونحن أوفياء بالفطرة لكل ما هو جميل هكذا علّمتنا النغمة الشرقية الخاصة والمتميزة جداً، لذا فالصورة المرتسمة عنه في قلوبنا تغنينا عن أي لقاء مباشر آخر به، قال الكثير وأقنعنا وجعلنا نتفاعل مع الموسيقى ككائن ينبض بالحياة..
محمد حجازي