أثر الفنانين الحلبيين في الموسيقا والغناء المصريين
حلب
فضاءات الجماهير الثقافي
الخميس 12-7-2012
فضاءات الثقافي
إذا كانت اللغة العالمية للتفاهم بين الشعوب هي لغة الفن والموسيقا.. فإن للحلبيين ريادتهم وتذوقهم الخاص في هذا الجانب إضافة إلى بصماتهم الواضحة والموثقة تاريخياً في التأثير بتجارب الآخرين الذين فيما بعد ظهرت أسماؤهم تتألق في مجال الغناء والتلحين الموسيقي.
وحلب مدينة الفن كانت ولا تزال مهداً لمعظم الموسيقيين العرب وتعتبر معاهدها الموسيقية (معهد حلب الموسيقي تحديدا) من أول المعاهد الموسيقية في الوطن العربي، ويعود لموسيقا هذه المدينة الفضل في تأسيس وحفظ القواعد الموسيقية وإيقاعاتها والفنان (عمر البطش) يعتبر في هذا السياق ملحن الموشحات الأول في حلب حتى أن كبار الموسيقيين العرب والمصريين تحديداً كانوا يأتون إليه ليسمعوا إبداعه الموسيقي واللحني، وليتعلموا منه. ويذكر أن موسيقار مصر الشيخ سيد درويش قدم إلى حلب وأقام في بيت عمر البطش فترة زمنية طويلة استمرت عامين تأثر فيها سيد درويش بألحان وإبداع الفنان الحلبي عمر البطش الذي كان عالماً بفنون النوتة والذي كان حافظاً لكل النغمات العربية والموازين الإيقاعية ويقال إنه اجتمع يوما ًبالموسيقار محمد عبدالوهاب وكان واسطة التعارف الشيخ علي الدرويش وعندما أراد أن يمتحنه عبدالوهاب طلب منه سماع موشح من مقام (السيكاه الأصلي) وتكاد تكون هذه النغمة مفقودة في ألحان الموشحات وفعلاً أسمعه عمر البطش موشحاً قديماً صاغه له بإحكام المبدع الفنان, وأثبت له مقدرته الإبداعية اللحنية. أما أشكال التأثر الأخرى فقد بدأت مع هجرات الحلبيين الأوائل وغيرهم من المهتمين بشؤون الموسيقا العربية إلى مصر فالبدايات كما تشير إليها الوثائق كانت في القرن الحادي عشر الهجري عندما سافر العالم الموسيقي (شاكر أفندي الحلبي) إلى مصر عام 1840وقام بمهمة تحفيظ المغنين هناك الموشحات والقدود الحلبية وأثمر هذا الجهد فيما بعد في تأليف كتاب (الموسيقا الشرقية) الذي ضم أكثر من مئتي موشح وجميعها وثقت من خلال ما حفظه وما تعلمه الموسيقيون والملحنون المصريون من شاكر أفندي الحلبي حيث يعود الفضل في توثيق هذه الموشحات إلى (كامل الخلعي) مؤلف الكتاب المذكور. وبذلك انتقلت الموشحات إلى مصر عن طريق الفنان شاكر أفندي الحلبي الذي قام بتلقين أصولها وضروبها لعدد من الفنانين المصريين الذين حفظوها بدورهم وأورثوها لمن جاء بعدهم وأبرز من اهتم في الموشحات من مصر الفنانون محمد عثمان وعبده الحامولي وسلامة حجازي وداوود حسني وكامل الخلعي وسيد درويش. وتأتي مساهمات أبي خليل القباني تلميذ الموسيقي الحلبي المبدع (أحمد عقيل) ومارون النقاش من خلال إقامتهما في مصر حيث يعود إليهما الفضل في تأسيس المسرح الغنائي الدرامي هناك أما أشهر تلامذة القباني فكما هو معروف لدينا هو الفنان (سلامة حجازي) رائد المسرح الغنائي المصري. وقديماً كان يعتقد المصريون أن آلة الكمان الموسيقية لا تتناسب مع الغناء العربي الشرقي لكن بعد سفر الموسيقي الحلبي وعازف الكمان الشهير (أنطوان الشوا) وابنه إلى مصر وسماع المصريين المعزوفات والألحان الشرقية لـ (أنطوان) تغيرت نظرتهم وتم اعتماد هذه الآلة وإضافتها إلى التخت الشرقي الموسيقي. ويأتي دور (كميل شمبير) هذا الفنان الحلبي الذي ساهم بشكل فعلي في الارتقاء بالموسيقا العربية فهو يكتب لسيد الملحنين الشيخ سيد درويش النوتة ويرافقه في المساهمة والتأثير الشيخ علي القصبجي الذي عمل منشدا ومرتلا دينيا وهو حلبي المولد ووالد ملحن مصر الأول (أحمد القصبجي) الذي غنت له سيدة الطرب في مصر رائعته اللحنية (رق الحبيب). أما الشيخ علي الدرويش صاحب كتاب (النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية) الذي درس في المدرسة السلطانية علم الصولفيج وقواعد الغناء والأناشيد فقد كانت رحلته إلى القاهرة غنية جداً، واستقبل فيها استقبال العلماء، واتفق معه على شراء كتابه القيم الخاص بتدريس الموسيقا للسنوات الثلاث الأولى، بعد أن أقرته لجنة من الموسيقيين الأعلام من أمثال: محمد القصبجي، ود. الحفني، ومصطفى بك رضا وغيرهم، ثم تعاقد المعهد معه على تدريس آلة الناي وفق المنهج الذي وضعه بنفسه، والمساهمة في حفلات ونشاطات المعهد. وقد مارس الشيخ علي الدرويش التدريس في المعهد لغاية العام 1931 بما عرف عنه من إخلاص الأستاذ العالم لمهنته، وكان من بين تلامذته: رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب، وعازف الناي الشهير والموزع عزيز صادق، كما اتصلت به أم كلثوم ودرست على يديه ما يهمها في الإلقاء الغنائي. أما أحمد عقيل فهو من أعلام الغناء في هذه المدينة الموسيقية العريقة (حلب) وقد أخذ عن فنونه كثير من أعلام الموسيقا المصرية نذكر منهم الشيخ يوسف المنيلاوي وعميد الموسيقا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عبدو الحمولي وأيضا عميد المسرح الغنائي المصري الشيخ سلامة حجازي وهؤلاء جميعا قدموا حينها إلى حلب وتأثروا بروادها ومبدعيها من المغنين والموسيقيين. أما مجدي الحسيني عازف الأورغ الشهير فعندما سمعه عبد الوهاب قال : الواد ده جواه شيطان عشان يبقى سنه صغير كده وبيعزف بالمهارة دي» كما نصحه فريد الأطرش أن يسير على هذا المنوال، وكان صديقاً حميماً لعبد الحليم حافظ، وصاحب أم كلثوم في أغنية أقبل الليل . وهو أشهر عازف أورغ عربي، واحد من أسرع عشرة عازفين في العالم باعتراف موسوعة غينيس للأرقام القياسية، مصري الجنسية، من أصول سورية، ولد في عام 1960، عُرف بترحاله الدائم بين مختلف المدن العربية، الأوروبية، والأمريكية، يُقدم عروضه المبهرة، حاصدًا تصفيق وإعجاب الجماهير. وعن صداقته مع العندليب فقد بدأ الحسيني رحلته طفلاً يشارك في برامج الأطفال، بعد أن أتقن في بيته ومدرسته العزف على الأورغ، فشارك في برنامج جنة الأطفال مع الأطفال وقتها: هاني شاكر، صفاء أبو السعود، نورا، وبوسي، الفنانين المشاهير حاليًا، وكان ضيف شرف هذه الحلقة من البرنامج العندليب عبدالحليم حافظ، وكانت هذه نقطة البداية لدخول الحسيني عالم الاحتراف، فلأول مرة يلتقي العندليب وجهاً لوجه، وبعد ذلك بعشرة أعوام استمع عبد الحليم لمجدي الحسيني وهو يعزف على الأورغ أثناء بروفات أغاني فيلم أبي فوق الشجرة وكان عبد الحليم شغوفاً بمثل هذه الآلات الإلكترونية فاستمع إليه باهتمام وتركيز ومنذ ذلك اليوم نشأت بينهما صداقة كبيرة وقرر حليم أن يعزف معه باقي أغاني الفيلم. أما تعاونه مع أم كلثوم فكان حين دعاه السنباطي عن طريق ابنه أحمد وعزف أمامها جزءاً من أغنيتها «ودارت الأيام»، وبعدها بأيام بدأ معها العمل في بروفات أغنية أقبل الليل». انضم للعمل مع عبد الحليم حافظ، ورافقه حتى وافته المنية عام 1977، كما عزف مع كوكب الشرق في عدة حفلات، وهو لم يتجاوز عامه السادس عشر، كما أسس فرقة توست شو.