عاشق الربابة .. عبده موسى .. غنى مع عبد الحليم على مسرح (البرت هول) في لندن
ارسال الى صديق طباعةطباعة مع التعليقات تكبير/تصغير الخط
من طبيعة الانسان ،نسيان اغلب ما يمر على حياته من مثيرات وحواس ، ربما كانت تدغدغ مشاعره وابداعاته او شكلت شخصيتة العاطفية او الانسانية والحضارية .
..و الغناء العربى الحديث و القديم ، تكون من استعراض وأداء ألحان مختلفة ومقامات موسيقية تنوعت عبر شخصيات الغناء العربي ورموزه في مجالات الغناء والتلحين والتوزيع والموشحات ومختلف الاشكال الموسيقية الشرقية والعربية الاسلامية.
ان ان البحث في المنسي من تراث الاغنية العربي ، هو نبش في القوالب الغنائية القديمة، التي باتت مع جهود مبدعيها منسية الى حد ما .
الباحث والكاتب «زياد عساف» ظل يقلب ما نسي من الرموز والاغاني والحكايات وخص « ابواب - الراي « بثمرات جهودة التي تنشرها منجمة كل ثلاثاء في هذا المكان من الملحق حيث سيتم طباعته على اجزاء في القاهرة. لقد ارتقى الغناء العربي مع ظهور الحركة القومية العربية فى مواجهة الثقافة التركية السائدة على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولى ومحمد عثمان ، ، عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وطروب وفيروز وام كلثوم كما لحن وابدع جماليات حياتنا وفنوننا امثال: سلامة حجازى وابراهيم القبانى وداود حسنى وأبو العلا محمد وسيد الصفتى محمدالقصبجى وسيد درويش وزكريا أحمد ومحمود صبح ومحمد عبد الوهاب،ورياض البندك وجميل العاص ومحمد القبنجي وغيرهم كثر.
زياد عساف
باحث متخصص بالموسيقى والغناء والسينما وأدب الطفل
عبده موسى، صوت قوي يجمع بين العذوبة والأصالة، كل من عرفه عن قرب وكل ما كتب عنه يشيد بما يمتاز به من طيب الخلق واللطف وحسن المَعشر، قدم للأغنية الأردنية الكثير، وأرشيف الإذاعة والتلفزيون يزخر بأعماله التي نهلت من التراث والفلكلور الأردني، كان صوت الأردن في بلاد عربية وأجنبية من خلال المهرجانات والاحتفالات التي دُعي إليها، في سوريا وتونس والبحرين ولبنان وتركيا ولندن ورومانيا.
من مواليد 1927، في مدينة إربد، شمال الأردن، بدأ من خلال الإذاعة الأردنية في أواخر الخمسينيات، فكان أشهر من عزف وغنى على الربابة في الوطن العربي.
نال عدة جوائز محلية وعربية، منها ميدالية الحسين للتفوق، وجائزة أفضل مطرب وعازف في مهرجان تونس 1971. ودرعاً تقديرياً من مهرجان رام الله للفنون، ودرع رابطة الفنانين الأردنيين.
«دقي.. دقي.. يا ربابة»
الربابة كانت هي المعادل الموضوعي لحالة اليتم والوحدة التي عاشها بعد وفاة والديه وهو في سن صغيرة، فالربابة تحضن وتراً وحيداً ويتيماً. كحال عبده موسى، لذا نشأت بينهما أُلفة وصداقة قدم من خلالها أعذب الأغنيات والألحان.
امتاز عبده موسى بصدق الأداء، لأنه عبر عن جذوره في أغنياته، فهو يعود في أصوله إلى نسل الأمير جساس، الذين عانوا من الشتات في جميع انحاء العالم ، جراء حرب البسوس التي استمرت عقوداً من السنوات، فكانت أغلب أغنياته تعبر عن واقع الحال من الغربة والسفر والفراق.
ونلحظ ذلك في أغنياته «يا طير اللي طاير دربك على باب الله»، و»سافر يا حبيبي وارجع لا تطول بالله الغيبة»، ومن أغنيته «يا عنيّد يا يابا» الشهيرة:
«لاقعد بتالي الليل يا عنيد يا يابا....والله واذكر وليفي
وبحجة الحلمان يا عنيد يا يابا.....والله ولابكي عاكيفي
ومن أغنية «لاطلع على راس الجبل»..»شرَّف حبيبي شرَّف.. وأنا دمعي الليل تحرق.. الله يجازي اللي فرق.. وضيّع مني نصيبي».
وكثير من المطربين العرب تغنوا وذكروا الربابة في أغنياتهم ومعظمها بأسلوب عبده موسى معبرةً عن حالة الوجد
والفراق ، المطرب اللبناني سمير يزبك تغنى بالربابة في اوائل السبعينيات «دقي دقي يا ربابة دقي ع فراق الحبابا.. بعدما راحوا وغابوا.. ورثوا بقلبي العذابا».
ومن ألحان محمد سلطان غنى محمد قنديل «وتر الربابة» «ببكي وتر الربابة... للمغرمين صبايا .. اللي ليلهم سنة... اتاري العشاق غلابا... معرفتش كيف غلابا.. إلا لما عشقت أنا»، وفي صعيد مصر جابر أبو حسين الشهير براوي الربابة لم ينسى الاطفال بتقديم عروضاً خاصه لهم ضمن مسرح العرائس من خلال غنائه وعزفه، والربابة هي الآلة الرئيسية في غناء السيره الهلاليه والشهيرة بصعيد مصر خاصة، ومن لبنان ايضاً غنت سميره توفيق «يا دقاق الربابة خلي اللهجة بدوية.. الله يعلم بالقلوب والزين الغالي عليا».
ومن أغنيته «اشتقنالك يا خال» غنى محمد العزبي «والقلب اللي حب ومال غنى عالربابة وقال.. لامشيلك صحاري واطويلك براري.. واشوفك يا خالي يا خالي.. مهما البعد طال»، وتغنى بها محمد رشدي في أغنية عرباوي «والله يا هوا مغرم صبابا... وقالو لي اهل الهوا غلابا انا قلت شاري وما دمت شاري.. لو كانت نغم قلبي ربابة».
ومن الأغاني القليلة التي تم ذكر الربابة للتعبير عن حالة الفرح أغنية وردة «حلوة بلادي» التي غنتها أيام العبور في حرب 73، «وأنا على الربابة بغني... واغني غنوة الحرية...».
ثنائيات
اشتهر عبده موسى بالأغنيات الثنائية مع مطربات من الأردن والدول العربية، واهم ما تميز به المطرب عبده موسى في هذه الثنائيات انها كانت تتسم بالرزانة من حيث الكلمة واللحن والصورة ولا يوجد بها ما يخدش الحياء كما نراه في معظم أغاني الفيديو كليب الدارجه هذه الأيام، هي أغنيات تعتبر من أجمل ما تزخر به مكتبة الإذاعة والتلفزيون الأردني، شاركته هيام يونس في أغاني مثل «يا طير يا اللي طاير»، و»سافر يا حبيبي وارجع»، و»جدلي يا ام الجدايل»، و»اطلع على راس الجبل»، وشاركته المطربة المصرية غادة محمود في أغنية «يا عنيّد يا يابا»، والتي أعادها دريد لحام في مسلسل «صح النوم» الجزء الثاني مع تغيير بالكلمات لتتواءم مع الموقف الدرامي وقتها.
ومن الأردن شاركته سهام الصفدي ب»هيه يا ام الشامة»، و»يا زينة يا بنت الخال»، و»غزلان العين»، و»ردي شاليشك ردي»، و»ها لله هالله.. يا جملوا» مع المطربة الأردنية «سلوى» و»على الأحباب يا مسافر» مع المطربة الأردنية عايدة شاهين.
«دموع عبدالحليم حافظ»
انضم عبده موسى لفرقة الفنون الشعبية الاردنية عام 1967 وغنى في لندن بمصاحبة الفرقة على مسرح «البرت هول» وكان ضمن المشاركين وقتها في هذا الحفل العندليب الاسمر عبدالحليم حافظ الذي اصر على ان يقدمه للجمهور واشاد بتميزه وانفراده في العزف على آلة الربابة، والاغنية الشعبية،وكان قبل ذلك بقليل التقى به في جلسة خاصة استمع خلالها حليم الى عزفه وغنائه حتى ذرفت دموعه من البكاء، وتقول المطربة هيام يونس ايضا في ذكرياتها من خلال كتاب «سيرة فنان» للمؤلف حسين عبده موسى عن ذاك اللقاء الذي جمع عبده موسى والفنان عبدالحليم في بيت شقيقتها وكيف ان حليم افترش الارض قرب عبده موسى وقال له مداعبا «خذ نصف ما عندي من غناء واعطني ان اغني على طريقتك».
زار عبد الحليم الاردن اكثر من مرة ، وفي لقاء تلفزيوني معه اجراه المذيع والاعلامي الاردني جودت مرقه في اوائل السبعينات، سأله عن رأيه في الأغنية الاردنية ، فأجاب: انه زار الاردن للمره الاولى عام 56 واطلع على الاغنية الاردنية ، والان لاحظ وجود تطور ملحوظ في مسيرة الغناء الاردني .
«الاغنية الاردنية في ستينات القرن الماضي»
عوامل كثيرة ساهمت في ازدهار ونهضة الاغنية الاردنية في ستينات القرن الماضي فالاذاعة الاردنية وقتها قامت بدور مهم ومتميز بدعم الاغنية مما ادى الى بروز نجوم غناء وملحنين انتشروا محليا وعربيا، فبالاضافة لعبده موسى لمعت اسماء اصبحت علما في مسيرة الاغنية منهم توفيق النمري اسماعيل خضر محمد وهيب فهد نجار ميسون الصناع وفيصل حلمي ولم تكتف الاذاعة الاردنية بدعم المطرب المحلي بل كانت لها مساهمات لظهور عدد من المطربين العرب من امثال سميرة توفيق هيام يونس دلال الشمالي كروان وسجل مطربون عرب اغنيات من الحان اردنية مثل وديع الصافي ووردة وفايزة احمد وهدى سلطان ونجاة الصغيرة.
لم تكن تعاني الاغنية المحلية وقتها من ازمة كتاب الاغاني لوجود اسماء لامعة في مجال التأليف والكلمات منهم رشيد الكيلاني وعبدالرحيم عمر وسليمان المشيني وحيدر محمود.
عامل مهم لا نستطيع اغفاله ادى الى تأكيد وجود الاغنية الاردنية على خريطة الغناء العربي وهو وجود لجان متخصصة كانت تجيز الاغاني من حيث الكلمة واللحن والاداء، حافظت الاغنية الاردنية حينها على طابع الفلكلور والتراث الاردني الذي يتسم بالتنوع ما بين الريفي والبدوي والبحري وهذه الخصوصية شكلت الهوية للغناء الاردني فامتازت بالتفرد والاحساس الصادق الذي تواصل معه المستمعون محليا وعربيا.
عبده موسى بعد الرحيل
ثلاثة عقود واكثر مرت على رحيل ملك الربابة عبده موسى ،ولا يمكن في حال البحث والحديث عن الاغنية الاردنية ان تتخطى دوره واعماله بل هي نماذج لكل الوان الغناء في الاردن، وان كان رحيله في سن الشباب خسارة للاغنية العربية وليس المحلية فقط، الا ان رحيله ابقى صوته شابا وقويا وجميلا من خلال الاستماع الى اغانيه، فكثير من المطربين الذين عاشوا طويلا حدثت تقلبات وتغيرات في اصواتهم جعل المستمع يشعر بالاسى بعد المقارنة بين الامس واليوم، وحاول معظمهم اعادة الاغاني القديمة بتوزيع جديد ،لم تنجح هذه الظاهره وبقي التسجيل القديم انقى واجمل،وليس هناك وصف اجمل لعبده موسى مما قاله الدكتور محمد غوانمه عميد كلية الفنون الجميله في جامعة اليرموك، انه كان مبدعا في انتقاء كلمات جميلة لا يخجل الفنان بغنائها أمام الرجل والمرأة وأمام الصغير والكبير ، واهم عبرة نستخلصها من مسيرة الفنان عبده موسى ان الاغنية العربية لن تتطور الا بالعودة الى الفلكلور وهذا ما سار عليه اساطين الطرب من بدايات القرن العشرين وما يسمى بالاغنية الشبابية هي اقرب الى الضجيج منها الى الغناء، وليست سوى اصوات ضعيفة متشابهة كما قال عنهم عبدالوهاب في اواخر ايامه «اصواتهم مثل وجوه اليابانيين فلا تستطيع ان تميز بين اشكالهم».