عبده موسى.. ربابة تبكي وصوت شجي يطرب السامعين
الدستور ـ هشام عودة
لعل الربابة هي اكثر حزنا على رحيل فنان كبير بمواصفات عبده موسى ، الذي استطاع بوعيه ومهارته نقل ترنيمات وترها الوحيد من فضاء "الشق" و"المضافة" الى فضاء لا حدود له عبر اثير الاذاعة والتلفزيون.
الصدفة التي جعلت الرئيس الراحل هزاع المجالي يطرب الى انغام ربابته ، هي التي فتحت امامه ابواب الاذاعة عام 1958 بقرار من الرئيس نفسه ، لتصبح انغامه واغنياته والحانه وجبة دسمة لغذاء الروح.
وقد ادرك الرئيس الراحل وصفي التل ان الفنان عبده موسى القادم الى هذا الميدان بفطرته ووعيه وربابته ، يحتاج الى علم يتسلح به ويسنده في مسيرته ، فعين له استاذا يعلمه القراءة والكتابة ، ونجح الفنان في تحطيم جدران الامية التي احاطت به بسبب سطوة الفقر وضيق ذات اليد ، وصار قادرا على قراءة القرآن الكريم وغيره من مراجع المعرفة في وقت قياسي.
اغنياته البسيطة بكلماتها والحانها وطريقة ادائها ، جعلت منه مطربا محبوبا ، بين اوساط النخبة والعامة ، لذلك لم يكن مستغربا ان يكون الفنان عبده موسى ضمن موكب الملك عبد العزيز ال سعود في زيارته للقدس مطلع الستينات ، وان يستقبله بعد ذلك بعشر سنوات الرئيس الراحل حافظ الاسد بعد اعجابه بلونه الغنائي المتفرد.
كان عبده موسى الفنان الاردني الذي يقف على مسرح البرت هول محتضنا ربابته التي اشاعت الدفء في المكان ، ودفعت بالفنان الراحل عبد الحليم حافظ للاشادة به على المسرح ذاته ، ويسجل له ان قدم للفن العربي مجموعة من الاغنيات التي ظلت منحازة للطرب الاصيل ، شاركته في ادائها مجموعة من الفنانات من ابرزهن اللبنانية هيام يونس.
لم يدخل المدرسة ، ولم يدرس الموسيقى ، لكن الطفل النبيه عبده موسى ظل منبهرا امام قدرة العازفين على تقديم الحان جميلة على الربابة ، وكان يتسلل خلسة لتداعب اصابعه ذلك الوتر السحري ، ليصبح وهو في العاشرة من عمره عازفا بارعا.
في عام 1967 التحق عبده موسى بفرقة الفنون الشعبية ، وعندها تقدمت ربابته ذات الوتر الواحد ، لتنافس الالات الموسيقية الحديثة ، وتقودها على المسرح وهي تقدم الحانا حازت على حب الناس واعجابهم.
الفنان المولود في عاصمة الشمال اربد عام 1927 ، وجد نفسه يتيم الاب والام ، ليرعاه شقيقه الاكبر ، وتكون مدينة رام الله انطلاقته الفنية الاولى ، لتتوسع دائرة انتشاره من عمان ، قبل ان يغادر الدنيا في العشرين من حزيران 1977 وهو في قمة عطائه الفني.
في قصيدته "مرثية الحقيقة" انتبه الشاعر حيدر محمود الى حجم الخسارة التي تركها رحيل الفنان المبدع عبده موسى ، فقال عن ربابته:
لعلها الوحيدة التي بكت
هذه الربابة العتيقة
لعلها الوحيدة الصديقة
كانت رغيفه وسيفه
وخيمة انتظاره الطويل
ومات في سبيلها
فهو شهيد اثنين
حبه وجوعه النبيل
ورغم فنه الفطري وبساطته وتواضعه ، الا ان الفنان عبده موسى وقف بكامل هيبة ربابته الى جانب فنانين كبار مثل عبد الحليم حافظ ووديع الصافي وسميرة توفيق ودريد لحام وغيرهم.
امير الربابة ، بل امير الطرب الاصيل الذي تربت على صدى اغنياته ذائقة جيل ما زال يحن لتلك الايام التي اعلت من شأن المواهب الحقيقية ، لكن صوت الفنان عبده موسى والحانه الشجية غابت منذ سنوات عن اسماع عشاقها ، رغم امتلاء رفوف الاذاعة والتلفزيون باغنياته الجميلة ، التي تنعش ذاكرة الناس وتذهب بهم الى حيث الاصالة التي يجب الا تغيب عن وعي اجيالنا.
ربما كانت "مضافة ابو محمود" اشهر البرامج الاذاعية في تلك المرحلة ، هي التي قدمت الفنان عبده موسى لجمهوره ، في وقت اسهمت فيه مشاركة الفنان في توسيع دائرة حضور تلك "المضافة" في بيوت الاردنيين ، وصار للربابة حضورها البهي في يوميات الاذاعة ويوميات جمهورها الواسع.
"جدلي يا ام الجدايل" وغيرها الكثير من الاغنيات الجميلة ارتبطت في اذهان الاردنيين ، بذلك العصر الذهبي للاغنية الاردنية الذي كان الفنان عبده موسى احد فرسانه الكبار.
تقول الرواية المتداولة انه بعد ان ادى صلاة الفجر ، فاضت روحه الى بارئها وهو في الخمسين من عمره ، وقد انجب ستة ابناء وثلاث بنات ، صار منهم الطبيب والمحامي والفنان ، بل ذهب ابنه الدكتور فتحي لترشيح نفسه للانتخابات البرلمانية في دورة سابقة.
اذا كان الفنان عبده موسى ابدع في العزف على الربابة ، فان حفيده محمد صبحي صار احد امهر العازفين على الكمان ، في حالة من التزاوج بين الاصالة والمعاصرة ، التي نجح الفنان الراحل في تكريسها ليس في محيطه فقط ، بل في الفضاء الاكثر اتساعا.
ربابته ما تزال تبكي غياب فارسها ، ويرى عشاق اغنياته ان وزارة الثقافة مطالبة بابراز مقتنيات الفنان الراحل في متحف خاص يليق بسيرته الرائدة ، ليتسنى للجيل الجديد التعرف على بعض محطات حياة فنان متميز ظل اردنيا كبيرا حتى يومه الاخير.
بعد عشرين عاما على رحيله منحته وزارة الثقافة جائزة الدولة التقديرية ، فيما حصل عام 1971 على جائزة افضل مطرب وعازف على الربابة في تونس وغيرها من الجوائز التي يستحقها.
Date : 01-07-2009