سمير صبري
كانت سعادتي لا توصف عندما كنت اصعد الي شقة العندليب عبدالحليم حافظ في البناية التي يسكن بها لأحضر بروفاته مع الفرقة الماسية بكامل نجومها بقيادة الفنان احمد فؤاد حسن والتي كانت تقريبا بروفات يومية من السادسة الي الحادية عشرة مساء وذلك عندما يكون موعد حفلته اقترب خاصة لو فيها اغنية جديدة من روائعه التي مازالت في احاسيسنا الي الان وفي نفس الوقت كان عبدالحليم يعقد جلسات عمل لفيلمه الاخير »أبي فوق الشجرة« مع مؤلف الفيلم الكاتب الصحفي الكبير احسان عبدالقدوس والمخرج الرائع حسين كمال والاستاذ مجدي العمروسي العقل المفكر لشركة صوت الفن وحامل مفتاح صندوق أسرار عبدالحليم.
وكانت مناقشات اختيار أبطال فيلم أبي فوق الشجرة طويلة وحادة جدا فالمخرج حسين كمال يتمسك دائما برأيه ويصر عليه ويري ان غياب عبدالحليم عن السينما 5 سنوات منذ فيلم معبودة الجماهير لابد ان تكون عودته بشيء جديد ومختلف في شكل واداء عبدالحليم نفسه وفي تنفيذه هو كمخرج للاغاني.. كان يري أنه لابد ان يتخلص عبدالحليم من الشكل التقليدي للبطل المطرب الذي يغني في مكانه بلا حركة له وبلا حركة للكاميرا.. وكان عبدالحليم مبهورا بأفكار حسين كمال المتطورة.. وكانت سعاد حسني هي المرشحة لدور حبيبة عبدالحليم في الفيلم والتي يغني لها »يا خلي القلب« و»الهوا هوايا« و»قاضي البلاج« ولكن سعاد حسني اعتذرت عن الفيلم فقد كانت تريد ان تحافظ علي نوعية مختلفة من الادوار العظيمة التي قدمتها في السينما في ذلك الوقت خاصة مع العملاق صلاح أبوسيف »القاهرة 0٣ والزوجة الثانية« وقالت انها لم تجد في دورها في هذا الفيلم ما يرضي طموحها حتي ولو كان البطل حبيب القلب ومعبود الجماهير العندليب الاسمر!
وفي نفس الوقت اعتذرت الفنانة الكبيرة هند رستم بشياكة شديدة عن تمثيل دور فردوس في الفيلم فأسرع حسين كمال بترشيح نجمته المفضلة نادية لطفي »المستحيل« خاصة أنه قد سبق نجاحها مع عبدالحليم في فيلم »الخطايا« ثم اعتذر الفنان حسن يوسف عن الاشتراك في الفيلم لانشغاله في عدة افلام كبطل مطلق ورشح المخرج حسين كمال الفنانة زيزي مصطفي الممثلة التي قامت ببطولة فيلم »البوسطجي« احد روائع حسين كمال السينمائية لتقوم بدور سعاد حسني. وجاءت زيزي مصطفي الي بيت عبدالحليم ليكتشف حسين كمال زيادة كبيرة في وزنها بعد زواجها وبالتالي طار الدور من زيزي وفجأة يتذكر عبدالحليم انه كان قد التقي في منزل أحد اصدقائه في مصر الجديدة بفتاة في السابع عشرة من عمرها تتمتع بوجه جميل وتريد ان تجرب حظها في السينما. وحضرت »زهرة« واعجب بها الكل بمن فيهم الاستاذ احسان عبدالقدوس ولكن حسين كمال همس لعبدالحليم:
طويلة عليك يا حليم مش عاوزين نكرر اللي حصل في فيلم »شارع الحب« عندما كان عزالدين ذو الفقار يحرص علي ان يجعلك تقف علي خشبة صغيرة ليتساوي طولك مع صباح في كل مشاهد الفيلم.. وانا في الفيلم ده عاوزك تبقي جديد تجري وترقص والبطلة جنبك عصفورة صغيرة لا طويلة ولا تخينة!
وهكذا طار الدور من زهرة ليكتشفها العظيم رمسيس نجيب ويقدمها بطلة في فيلم »افراح« ويغير اسمها الي نجلاء فتحي ويقدمها بعد ذلك في فيلم رومانسي أمام رشدي اباظة »روعة الحب« ثم في رائعة احسان عبدالقدوس »دمي ودموعي وابتسامتي« ومن اخراج حسين كمال ايضا والذي يعتبر من اجمل افلام السينما المصرية من حيث الانتاج والاخراج والتمثيل.
وفي احدي جلسات اختيار أبطال ابي فوق الشجرة اقترح الاستاذ مجدي العمروسي اسم »البنوتة الحلوة التي اكتشفها احمد مظهر وقدمها في فيلم من اخراجه« وهنا صرح عبدالحليم ايوه.. اسمها ميرفت وامها انجليزية ودي مش عصفورة يا حسين دي ريشة زي خيالك بالظبط.
وهكذا كان الدور من نصيب ميرفت أمين وفاتحة خير عليها كما حدث لزميلاتها آمال فريد ولبني عبدالعزيز وايمان ومريم فخر الدين فمن المعروف انه يكفي لأي ممثلة ان تقف أمام عبدالحليم ويعني لها يكفي هذا لتحجز لها مكانة كبيرة علي خريطة السينما المصرية كبطلة مطلقة!
وانتظرت عدة أيام علي أمل أن يتم ترشيحي في الدور الذي اعتذر عنه النجم حسن يوسف لكن ولا حد جاب سيرة الدور ده.
واخيرا قررت ان اخرج من هذا القلق وأواجه الموقف وانتهزت وجود حليم لوحده وقلت له بشجاعة:
مش ممكن أعمل دور صاحبك اللي كان هيعمله حسن يوسف؟ وفجأة دخل حسين كمال وسمع كلامي وقبل ان يرد عبدالحليم قال:
الدور ده انا خلاص تعاقدنا مع فتحي عبدالستار عليه وبعدين يا سمير مينفعش انت في الدور أنا مش عاوز حد اطول من عبدالحليم جنبه في الفيلم لا اطول ولا اتخن!.. وكانت صدمة وخيبة أمل واحباط شديد لي ولاحظ عبدالحليم ذلك بذكائه وقال:
جري ايه يا حسين منا ليه صحاب طوال وتخان اطول مني واتخن مني يا سيدي انا موافق ان يكون في حد اطول مني جنبي خلي سمير يعمل دور زعيم الشلة اللي بياخدني ويعرفني علي نادية لطفي.
فنظرت الي حليم شاكرا والدموع في عيني في انتظار قرار الدكتاتور حسين كمال الذي نظر اليّ طويلا وبعد فترة صمت قال: o.k!
وكانت فرحتي لا توصف ونحن نصور الفيلم في الاسكندرية في سبتمبر اجمل شهور الصيف وخلال 3 أسابيع تم فيها تصوير استعراض دقوا الشماسي بالنهار علي بلاج عايدة بالمنتزه واغنية احضان الحبايب كل يوم عند الغروب كل يوم لمدة اسبوع كامل الصبح تصوير وبالليل تصوير! خلاف مشاهد الكباريه الذي ترقص فيه نادية لطفي.
وانتهي تصوير ابي فوق الشجرة في 6 اسابيع واستمر عرضه في السينما سنة كاملة ففي هذا الفيلم استطاع حسين كمال ان يقدم شكلا جديدا للاغنية السينمائية المصورة أو الفيديو كليب الراقي واستطاع ان يقدم عبدالحليم في صورة شبابية مختلفة عن كل افلامه السابقة بدون النشا بدون البدلة والكرافتة.
وكان الفيلم وش السعد وفاتحة خير علي ميرفت أمين وبعد الفيلم انطلقنا سينمائيا وتحمس عبدالحليم للعمل السينمائي واخذ يحضر لفيلمين مرة واحدة فيلم ليوسف شاهين وفيلم عن قصة لا للكاتب الكبير الاستاذ مصطفي أمين وبرضه في الفيلمين رشح البطلة امامه سعاد حسني وهو للاسف حلم لم يتحقق للعندليب فقد كان ابي فوق الشجرة اخر افلامه بينما كان الفيلم النقلة الكبري التي حققت كثيرا من احلامي واحلام ميرفت أمين في السينما
المصدر جريدة اخبار اليوم