«حليم» و«فريد» وبينهما رئيس الجمهورية.. التفاصيل الكاملة للحرب الباردة
19,نوفمبر,2014
عبد الحليم وفريد
ضمن عشرات اللقاءات التي أجراها الإعلاميّ اللبناني المخضرم عادل مالك طوال مسيرته المهنية التي تزيد عن الخمسين عامًا، يظل لقاء الصُلح بين فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ عام 1970، على رأس الحلقات التي يفخر بها بين أرشيف برنامجه التلفزيوني الأول «سجل مفتوح»، بعد أن أنهى من خلالها أشهر وأطول خصام فني بين نجوم الزمن الجميل.
ورغم أن هذا اللقاء وقتها كان حكرًا على التلفزيون اللبناني؛ قبل عصر السماوات المفتوحة، إلا أن عشرات المجلات والصحف العربية أفردت صفحاتها لمتابعة تداعيات هذا الصُلح الذي جاء لينهي الخلاف الذي تصاعد بعد أن قرر العندليب الأسمر إقامة حفله في لبنان، ليجد أن فريد الأطرش حجز بالفعل أشهر مسرحين ببيروت، هما «البيسين» و«مدرّج عالية»، فأدلى بتصريحاته المعرِّضة بـ«فريد» والتي وصفه فيها بأنه خائف من حضور حليم الذي قد يسرق جمهوره منه، مشيراً إلى تقدُّم فريد في العُمر، لدرجة أنه اعتبره «أباه»، وهو ما رد عليه «الأطرش» بتصريحات مشابهة، غير أن لقاء برنامج «سجل مفتوح» اشتمل على تبريرات مناسبة من فريد وحليم هذا النوع من التصريحات على طريقة «أُسئ فهم تصريحاتي»، وركّزت على أنهما أخوة في الفن والعروبة.
حفل الربيع
لكن هذا الشكل من الشد والجذب بين النجمين لم يكُن الأول من نوعه، فمطرب الربيع الذي سافر إلي بيروت وانقطع عن إحياء حفل شم النسيم في مصر لسنوات، عاد ليجد أن حليم قد احتل مكانه في أواخر الستينات، وسوف يقوم بالغناء ليلة شم النسيم على مسرح قصر النيل الذي اعتاد هو أن يغنّي عليه، مما دفع فريد الأطرش أن يتحدث إلى الرئيس جمال عبدالناصر كيّ يفصل في أمر حفل الربيع، بين المطرب ابن ثورة 52 المدلل الذي طالما غنى في احتفالاتها، وبين المطرب المفضل عنده وعند زوجته السيدة تحيةّ ذات الأصول الشامية.
وجاء القرار الرئاسي منصفًا تمامًا لفريد، حيث أمر بأن يقام حفل فريد في مسرح قصر النيل، بينما يقام حفل حليم في سينما ريفولي، ويبث التليفزيون والإذاعة حفل فريد الذي غنى فيه ملحميته «الربيع» مباشرًا، بينما يبث حفل حليم مُسجلاً في اليوم التالي.
nasir-alatrash
ورغم أن الحديث في الأوساط الفنية وقتها كان يسري في اتجاه أن عبدالناصر لم يحابي فريدًا، إنما انتصر لتاريخه وأقدميته في الفن، والتي يشهد بها حليم نفسه، غير أن رواية شهيرة وقت العرض الأول لفيلم «عهد الهوى» الذي حضره ناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة قد تشير إلى عكس ذلك،
جاء ذلك بناءً على طلب فريد في خطاب مسجل أرسله إلى عبدالناصر من مشفاه التى احتُجز فيها إثر ذبحة صدرية أقعدته عن حضور عرض فيلمه، ونُسب لفريد تصريحًا بأن هناك فريد الأطرش واحد، تعليقًا على تشريف ناصر للعرض، غير أن هذا لم يُثر حفيظة ناصر، الذي علق «هذا ليس تقليل من السياسيين، إنما هي ثقة الفنان في نفسه»، الأمر الذي علّق عليه حليم في الصحافة بقوله: «مغرور حبيبي كتير».
سوء ظن متبادل
لكن عبدالحليم لم يكُن وحده من اعتقد أنه كان مضطهدًا مغبونًا ضمن هذا التاريخ من الغيرة الفنية، ففريد كان يشعُر بذلك أيضًا وهو القادم من جبل الدروز بسوريا وبخاطره حُلم أن يلحن لأم كلثوم وعبدالحليم الذين طالما تهربا وتعثّرت مشاريعه معهما، واعتبر فريد أن حليم قد أبى أن تنتشر ألحان فريد بصوته، كما اعتقد في أن عبدالحليم قد يكون خطط ودبّر لإفشال قصيدة «يوم بلا غد» التي كتبها كامل الشناوي ولحنها هو وغنّاها، وظهرت في نفس الوقت الذي ظهرت فيه قصيدة «لاتكذبي» لنفس الشاعر ولحنها محمد عبدالوهاب، وغناها عبدالحليم، وظن أن عبدالوهاب قد استخدم سطوته على الإذاعة كي تذيع «لا تكذبي» أكثر من «يوم بلا غد»، فتنتشر أغنية عبدالحليم أكثر، الأمر الذي علق عليه حليم بقوله: «قطبان في الشرق أقدرهما: عبد الوهاب وفريد الأطرش، لكن فريد سامحه الله لما بيتضايق من حاجة بيربُطها بحاجات كتير».
وفي إطار الحرب الباردة بين الفنانين، يؤثر أن حليم أرسل بليغ حمدي إلى محمد رشدي ذات يومٍ كي يعطيه لحنًا على سبيل الرشوة الفنية، وبالمقابل ينسحب رشدي من إحدي حفلات فريد الأطرش، غير أن رشدي رفض أن يحنث بوعده مع فريد، الأمر الذي أغضب حليم منه، تمامًا كما غضب من هند رستم لرفضها مشاركته فيلم «أبي فوق الشجرة»، وهي من شاركت فريد من قبل «أنت حبيبي»، وشاركته في نفس العام الذي رفضت فيه أبي فوق الشجرة فيلم «الخروج من الجنة».
الحفل الأخير
قبل وفاة فريد، وفي حفله الأخير للربيع، كان فريد وحليم على موعد مع جولة جديدة من صدامهما التقليديّ؛ فقد قرر حليم أن يحيي حفلاً في شم النسيم بصحبة الفرقة الماسية، في الوقت الذي قرر فيه الأطرش أن يغني بمصاحبة فرقة جديدة، بدلاً من الفرقة الماسية، يقودها الموسيقار «صلاح عرّام» الذي كان أصغر عمراً من أن يقود الأوركسترا، وكأن فريد اختار أن يتجنب الصدام الأخير مع زميله اللدود في حفله الأخير، وقبل أن يرحل في عام 1974 دون أن يلتقي بعبدالحليم فنيًا ولا مرة؛، الأمر الذي قال مقربون من حليم إنه كان فهمًا منه للون الذي يناسبه والذي أحبه الجمهور منه، والذي لا يتلاقى مع لون الموسيقار فريد الأطرش الذي لا يشبه حليم، وليس تهرُبًا من فريد أو كيدًا له كما كان يعتقد.