كتب الدكتور مرسى سعد الدين كلمة فى ذكرى اخوه عبقرى الموسيقى بليغ حمدى وكانت عناوين المقال-بليغ اخى-ولد لام تكتب الشعر00واب عالم فى الطبيعة-عشنا فى بيت يحتضن الموسيقى-المرارة00الحزن00الانطواء00حصاد غربة بليغ-بليغ(الطفل)كان حلمه ان يكون (مزيكاتى)واليكم المقال------------------------------------------------------------------------لاادرى لماذا اجد صعوبة فى الكتابة عن اخى بليغ حمدى برغم اننى منذ تركنا لاانقطع عن التفكير فيه00لعل السبب انى لااريد ان اصدق انه فعلا ذهب فكيف يكون قد ذهب وانغامه تملأ الدنيا فى الراديو وفى التليفزيون وليس فى مصر وحدها وانما فى العالم العربى كله00او لعل السبب هو ذلك الشعور بالمرارة الذى ينتابنى كلما فكرت فى الظلم الذى وقع على بليغ ذلك الظلم الذى قذف به الى الغربة والذى كان السبب فى اصابته بالمرض الذى قضى عليه فى النهاية00ان ماحدث لبليغ يذكرنى برواية الدكتور احمد حسين قرية ظالمة00نعم كانت مصر التى احبها بليغ ظالمة معه وقد يقول البعض وماذنب مصر ولكن مصر هى اهلها هى هؤلاء الصحفيون ومنهم اصدقاء له ولى الذين نهشوا فى حياته وهو فى الغربة لقد سامحهم بليغ وسامحناهم ولكن لااعتقد ان الله سيسامحهم فقد كانوا دوما ظالمين00اجد صعوبة فى الكتابة ولكن لابد ان اكتب فلا يصح ان تأتى الذكرى دون ان اكتب عن بليغ اخى وقد تأتى كتاباتى مزيجا من الحبر والدموع وخليطا من الذكريات الماضية السعيدة والحاضر المبكى الحزين كانت حياتنا فى البيت سعيدة لنا اب عالم على درجة عالية من الثقافة وام تكتب الشعر فى مدح سعد زغلول فقد كانت عضوة عاملة من السيدات الوفديات00وكلاهما كان عطوفا حبيبا غمرانا بكل حب ورعاية كان ابى له فلسفة خاصة فى تربية اولاده ان يترك لهم الحرية فى اطار المقومات الخلقية والتقاليد لم يمل على احد منا رأيا او يجبر احدنا على عمل شىء لايريده لقد ترك لنا دائما اتخاذ القرار مع توصيات منه خفيفة ولازلت اذكر حين انهيت دراستى الثانوية فى القسم العلمى واراد والدى وكان استاذا للطبيعة ان ادخل كلية العلوم قسم الجولوجيا وفعلا تركت البيت مع احد اصدقاء ابى وكان طبيب الجامعة ووجهتنى كلية العلوم وفى الطريق غلب على حبى للغة الانجليزية وطلبت من صديق ابى ان نتوجه الى كلية الآداب فاعتقد انى قد جننت ولكن حين صممت ذهبنا الى كلية الآداب والتحقت بقسم اللغة الانجليزية واعتقد صديق ابى ان الويل ينتظرنى عند العودة وكانت دهشته شديدة حين وجد ابى يرحب بقرارى ويقول0حسنا اخترت مادام هذا هو ميلك00كان هذا ابى الذى لم تزعجه اهتمامات بليغ بالموسيقى ولعله هو كان سبب اهتمام بليغ واهتمامنا ايضا بها فقد فتحنا اعيننا على نغمات الموسيقى والغناء التى كانت تنساب الينا من(الفونوغراف ذى البوق الكبير)كما تفتحت اعيننا على اصدقاء لابى من الموسيقيين بعضهم جاء ومعه العود او عزف على البيانو الذى كان متصدرا(اودة المسافرين)لم يكن غريبا اذن ان يعشق بليغ الموسيقى منذ الصغر ولازلت اذكر اجابته على السؤال التقليدى الذى يوجه الى الاطفال(عايز تعمل ايه لما تكبر؟)وكانت اجابته دائما (مزيكاتى)وفعلا بليغ كان(مزيكاتيا)وليس فى حاجة هنا لأبين ماقدمه هذا المزيكاتى الى عالم الموسيقى والغناء المصرى والعربى فهناك من هم اقدر منى على ذلك00كنت اذهب لزيارة بليغ فى منفاه فى باريس حيث كان يعيش على رأس ماله بعيدا عن مصر حبه العظيم كان يبكى للعودة ويرفض العروض العديدة التى جاءته من كثير من الدول العربية ترحب به وتدعوه للاقامة فيها ولكن بليغ كان يرفض بكل ادب وكان يقول لى سأزور الدول العربية ولكن بعد عودتى الى مصر كنت فى كل زيارة اجد حالة بليغ الصحية والنفسية قد ساءت عما قبل فالوحدة قاسية لايعرف مدى قسوتها الا من عاشها00وجاء موعد النقض وسافرت الى باريس لاصحبه فى رحلة العودة كان سعيدا بالعودة برغم عدم تأكده من النتيجة لقد ضاق بالبعد عن مصر وعن الاسرة ولاادرى ان كان لى ان اقول عن الاصدقاء اذ طالما سألت نفسى اين اصدقاء بليغ الذين كانوا يملأون بيته فى مصر؟حقيقة كان هناك البعض منهم الذين ظلوا على الوفاء بعضهم زار بليغ فى باريس وبعضهم تصدى للدفاع عنه فى مصر 0كان بليغ يثق فى عدالة القضاء وحجزنا للعودة وحضرنا النقض وهنا ظهرت عظمة القضاء المصرى ولعلها اول مرة تطلب فيها النيابة البراءة لمتهم نعم كان بليغ متهما وصدر حكم بالنقض بالبراءة ونسينا ظلم السنوات الخمس00ولكن شيئا ما قد تغير فى بليغ اصبح منطويا على نفسه يرفض الدعوات والحفلات ولعله كان يشعر بمرارة تقلب الاصدقاء وظلم الصحافة الذى لااجد له حتى الآن سببا وكرس بليغ حياته اكثر من قبل للموسيقى فلحن بوابة الحلوانى وغيرها وبدأ شيئا فشيئا يستعيد حياته بعد ان فقدها ولكنه استمر فى انزوائه وفى البعد عن المجتمع الا عدد قليل من الاصدقاء الذين وقفوا معه دائما مثل محمود عوض ووجدى الحكيم وعبد الوهاب محمد ومحمد رشدى ومحمد نوح وزاد المرض على بليغ وبدا يتعلق مرة اخرى بالحياة وذهب الى باريس وبدا علاجا قاسيا واذكر كيف كان يتصل بى من باريس وكله امل فى نجاح العلاج وبعد الحقنة الاولى شعر بتحسن واتصل بى ورنة فرحة فى صوته ليقول لى(الطبيب قال لى انه بعد الحقنة الثانية ساعود سليما كما ولدت)ولكن القدر كان له رايا اخر وذهب بليغ ولكن موسيقاه واغانيه ستنبض معنا دائما