تعرفت على حليم فى قهوة بعابدين على مقربة من نقابة الموسيقيين وكان يرافقه شاب اسمر اسمه سمير محبوب وهو الذى كتب له اغنية صافينى مرة وهى الاغنية التى كانت بمثابة الصاروخ الذى انطلق به حليم على الفضاء ولكن فى الوقت الذى توثقت فيه الصلة بيننا لم يكن فى حياته اى خيط يبشر بالخير وكان يدعى فى هذا الوقت عبد الحليم شبانة وكان قد درس الوسيقى ولكنه قرر فجاة ان يتفرغ للغناء ولو يكن فى صوته قوة كصوت عبد المطلب ولايثير الاعجاب لعشاق الطرب فى ذلك الزمان وكان له صوت دافى وهامس ويحتاج الى سميعة من طراز خاص ولذلك فى اول مواجهة له مع الجمهور على احد مسارح الاسكندرية قذفوه بالطوب والطماطم وكانت الفترة التى قضاها فى ملجا الايتام قد تركت فيه حساسية شديدة جعلته يفضل العزلة والانطواء وحولته البلهارسيا التى نشبت اظافرها فى امعائه الى عود نحيل ووجه يميل الى الاصفرار واستطاع ان يفسح لنفسه مكانا ليصبح فى النهاية على قدم المساواة مع ام كلثوم وعبد الوهاب وفريد الاطرش واستمرت العلاقة بينى وبينه من البداية وحتى مات وتخللتها فترات قطيعة ومشاحنات من النوع الذى يقع عادة بين الاصدقاء وعاصرت فترة نموه الاجتماعى منذ كان يسكن فى المنيل حتى انتقل الى عمارة السعوديين بالعجوزة وحتى استقر اخيرا فى شقته امام نادى الجزيرة بالزمالك ولكنه فى كل الاحوال ظل هو نفسه حليم الذى تعرفت عليه فى قهوة حى عابدين وكنت انا العبد لله الواسطة فى العلاقة التى نشات بين المريض حليم والطبيب ياسين عبد الغفار والحق اقول اننى عندما عرضت الامر على الدكتور ياسين عبد الغفار لم يفكر الدكتور ياسين لحظة ولكنه اسرع معى الى شقة حليم الذى كان يعانى الاما شديدة واطمان حليم الى طبيبه الجديد ووضع ثقته فيه ومات بين يديه فى مستشفى بلندن وقبل موته بيوم واحد رفض اقتراحا باجراء عملية زرع كبد بدلا من كبده المقروحة التى تحولت الى غربال ولست اسفا على شى قدر اسفى على عدم ذهابى الى المستشفى قبل موته بايام فقد اتصلت به تليفونيا لاطمئن عليه وجاءنى صوته مرتعشا وعندما سالته عن العنوان اكتشفت ان المستشفى يقع على بعد مائة كيلو خارج لندن ولما كنت بصحبة ابنتى هالة المريضة وموعد سفرى على الابواب فقد قررت تاجيل زيارته الى العام القادم على اساس انه يحضر كل عام الى لندن والعبد لله يحضر كل عام ايضا وعلى اساس فكرة استبدت بى وهى ان مرض حليم ليس مرضا قاتلا فهو نتيجة من اصابة قديمة بالبلهارسيا ولما كان العبد لله من ضحاياها ولم استطع التخلص منها الافى سن السابعة والعشرين ولما كانت اغلبية شعب مصر مصابين بها وبالرغم من ذلك يعملون ويكدحون حتى سن الثمانين فقد اخذت مرض حليم على انه شى عادى ولا يدعو الى القلق وهوعيب من عيوبى اننى اصل الى النتائج قبل احاطة كاملة بالاسباب والتفاصيل وهكذا تركت لندن وعدت الى بغداد حيث كنت اقيم وبعد يومين من وصولى استمعت الى نبا وفاته من الاذاعة
فرحم الله الولد الاسم النحيل الذى توطدت الصلة بينى وبينه ذات يوم بعيد على قهوة فى حى عابدين ثم عاصرت قصة بزوغه وصعوده حتى صار احب المطربين الى قلوب الشعب العربى لا اقول حتى مات ولكن اقول حتى يومنا هذا
هذا المقال ماخوذ من مجلة صباح الخير سنة 2005 فى العدد الخاص عن حليم واحمد زكى