ونزار قباني يسجل القصيدة في سوريا من
حفل أضواء المدينة المذاع علي الهواء من القاهرة
السبت 6 / 9 / 2008
حكايات فنية
يكتبها ـ مصطفي الضمراني
الاهرام العربي
رسالة من تحت الماء تعيد عبدالحليم
إلي الموجي بعد انقطاع خمس سنوات
عبدالحليم يسقط في غيبوبة أثناء البروفات
ويستكمل حفظ القصيدة بمستشفي لندن كلينك
تعليقات الصور
ـ عبدالحليم أثناء حفظ القصيدة مع الموجي ارسلت مع الموضوع
ـ عبدالحليم يسقط في غيبوبة أثناء البروفات
ـ صورة شخصية لنزار قباني ـ ومع الموجي وعبدالحليم
ـ صورة لعمر خورشيد والحفناوي
لم يخطر علي باب الموسيقار محمد الموجي أو يتوقع بأن يأتي اليوم الذي يختلف فيه مع رفيق مشواره الفني عبدالحليم حافظ وأن يدب بينهما خصام يستمر لعدة سنوات وهو الذي تبني عبدالحليم فنيا ووهب له كل إبداعاته اللحنية, وكان بيت الموجي هو بيته الذي انطلقت منه أجمل الألحان التي تغني بها علي مدي مشواره الطويل.. كان عبدالحليم مدرسا للموسيقي في بنها وبعد أن ينهي يومه المدرسي يستقل القطار من بنها إلي القاهرة ويتوجه إلي حارة قطاوي في العباسية حيث منزل الموجي فيجده لايزال نائما ولم يستيقظ بعد, فلم يكن أمامه سوي النوم والانتظار علي الكنبة الموجودة في الصالة لحين صحيان الموجي ليستمع منه إلي ألحانه التي كان يلحنها لكبار المطربين من أمثال عبدالمطلب وكارم محمود وغيرهم ويتناولان معا طعام الغداء ثم يبدآن جلستهما الفنية ليعود بعد ذلك عبدالحليم إلي بنها مرة أخري في المساء ثم يتجه إلي قريته الحلوات في الزقازيق, وهكذا يتكرر جدول عبدالحليم والموجي كل يوم, وذات مرة يستمع عبدالحليم إلي لحن جديد وضعه له الموجي خصيصا كلمات سمير محبوب ـ صافيني مرة وجافيني مرة ولا تنسانيش كده بالمرة ـ فيعجبه هذا اللحن ويعده الموجي بأن يقدمه به في إحدي حفلاته الفنية وتأتي المصادفة علي طبق من ذهب لعبدالحليم حين يستمع إليه رائد المسرح العربي يوسف وهبي في هذا اللحن ويعده بأن يقدمه في إحدي حفلاته المسرحية التي كانت تتضمن فقرة غنائية لعدد من المطربين من أمثال عبدالمطلب وكارم محمود وينفذ يوسف وهبي وعده لحليم ذات ليلة عندما يأخذ عبدالحليم والموجي ويقدمهما معا إلي الجمهور الذي زف إليهم في هذه الليلة نبأ إعلان جمهورية مصر العربية وانتهاء النظام الملكي علي يد رجال الثورة وكان عبدالمطلب قد تأخر عن موعد فقرته الغنائية في هذه الليلة لأكثر من ساعة ليكون عبدالحليم هو البديل الذي يملأ هذه الفقرة بأغنيته الجديدة صافيني مرة التي استقبلها الجمهور باستحسان وإعجاب شديدين وتصفيق حاد استمر فترة للمطرب الشاب عبدالحليم حافظ, وكانت هذه الأغنية أول أغنية يغنيها عبدالحليم في حفل فني كبير ويلمع فيها اسمه, وهكذا كان الموجي يقدم عبدالحليم بألحان أخري في عديد من الحفلات والكازينوهات مثل كازينو البوسفور في باب الحديد وكازينو صفية حلمي بميدان الأوبرا, ويتواصل نجم عبدالحليم في اللمعان إلي أن يصبح مطرب ثورة23 يوليو الذي غني لها أجمل الألحان التي وضعها له رفيقا مشواره الفني محمد الموجي وكمال الطويل, بالإضافة إلي أغنيات أخري عاطفية لحنها له الموجي مثل ظالم وكمان رايح تشتكي لأ دانت كان أنت كان حقك تبكي, ويامواعدني بكره وغيرها وبذلك لم يكن يتصور الموجي أن يأتي اليوم الذي تتأزم فيه الأمور بينه وبين عبدالحليم الذي كان يعتبره ثمرة مشوار كفاحه الفني الطويل, وهو الذي تبناه من البداية ولم يكن يتوقع أن ينتهي بهما الأمر إلي هذا الحد الذي يختلفان فيه ويحدث بينهما مثل هذا الخصام الطويل.
أمل مصر في الموسيقي
وتزداد الفجوة بين الموجي وعبدالحليم لأسباب كثيرة, منها اتجاه عبدالحليم إلي أكثر من ملحن وتأجيل عبدالحليم بعض ألحان الموجي التي كان مقررا أن يغنيها في إحدي حفلات أضواء المدينة إلي حفلات أخري في الوقت الذي يتغني فيه بألحان آخرين بعد أن وعد الموجي بذلك وربما يكون قد أجري بروفات لبعض ألحانه الجديدة, ولكنها لم تجد طريقها إلي الظهور, وكتبت عنها الصحف والمجلات, علما بأن الموجي كان يرحب بأي لحن جديد يلحنه أحد زملائه الملحنين لعبدالحليم, خصوصا عبدالوهاب والسنباطي عمالقة الموسيقي إلي جانب كمال الطويل ومحمود الشريف الذين يكن لهم محمد الموجي كل احترام وتقدير, ولكن التصرف الذي أغضب الموجي من عبدالحليم وأغضب أيضا كثيرا من الملحنين المتعاملين مع حليم مثل عبدالوهاب والطويل وأثار كثير من الكتاب والصحفيين هو ما قاله عبدالحليم عندما أعلن في أحد حفلات أضواء المدينة وهو يقدم لحنا للموسيقيار بليغ حمدي علي الهواء مباشرة إني أقدم لكم بليغ حمدي أمل مصر في الموسيقي, وهي عبارة أغضبتهم جميعا خصوصا عبدالوهاب والسنباطي الملحنين الكبيرين اللذين يعتبر كل منهما موسيقيا كبيرا ولم يقل عن نفسه هذه العبارة ولم يصفهما عبدالحليم بالوصف الذي وصف به بليغ حمدي, ولكن الموجي كان غضبه أشد من كل هؤلاء باعتباره أول ملحن احتضن عبدالحليم في بيته في العباسية, وأول ممن غني له صافيني مرة التي كانت نقطة انطلاقته الأولي إلي عالم الشهرة, واستمرت القطيعة من الموجي وعبدالحليم خمس سنوات شعر بها النقاد والصحفيون أصدقاء الاثنين, وكان الخاسر فيها هو الجمهور الذي تعايش مع أجمل ألحان الموجي والتي تغني بها عبدالحليم بالإضافة إلي خسارة الحركة الغنائية نفسها في مصر والوطن العربي باختفاء الموجي من حياة عبدالحليم وكان لبليغ حمدي فيها نصيب الأسد في الألحان التي تغني بها عبدالحليم في حفلات أضواء المدينة.
احتفالات المملكة المغربية
وشاءت الظروف أن يتواجد كل من الموجي وعبدالحليم وعازف الكمان الأول أحمد الحفناوي والفرقة الماسية وأعضاؤها في أحد الفنادق الكبري بالمغرب ومجدي العمروسي مستشار صوت الفن وبعض الكتاب والشعراء ضيوفا علي المملكة المغربية للمشاركة في الاحتفالات التي تقام سنويا بمناسبة أعياد المملكة, وكان الحديث لا ينقطع بين الجميع في هذا الجو الجميل الرائع الذي سيقدم عبدالحليم فيه أحلي ألحان الموجي وبليغ في هذه المناسبة بعد أن أجري عليها مسبقا بروفات في القاهرة مع الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن, ونبتت في ذهن أحمد الحفناوي صديق عبدالحليم والموجي فكرة استغلال هذه المناسبة السعيدة لعقد الصلح بينهما خصوصا أن معظم الأغاني التي ستقدم في هذه المناسبة والتي سيغنيها عبدالحليم من ألحان الموجي, وكان أحمد الحفناوي قد استمع في فترة سابقة إلي قصيدة من الشعر العاطفي الرومانسي الجميل لحنها الموجي للشاعر الكبير نزار قباني أعجب بها الحفناوي كلاما ولحنا وتمني أن تكون من نصيب عبدالحليم حافظ وأنه الوحيد الذي يغنيها بهذه الكفاءة ويحقق بها نجاحا مدويا لنفسه, وهكذا كان الحفناوي يتحيز لعبدالحليم حافظ لدرجة التعصب.
رسالة من تحت الماء
وكان عنوان هذه القصيدة رسالة من تحت الماء اختارها محمد الموجي من أحد دواوين نزار قباني وأصر الحفناوي علي حجزها لحليم وكان يري أنها ستكون فاتحة خير وحمامة سلام يتم بسببها الصلح بين حليم والموجي أثناء حفل العشاء الذي يتواجد فيه الاثنان معا علي مائدة واحدة وعرض الحفناوي الفكرة علي جميع الحاضرين منتهزا هذا الجو البديع فرحبوا بها ووقف الحفناوي يعلن أمام الحاضرين أن هذه الليلة هي ليلة الصلح بين عبدالحليم والموجي فصفق الجميع له وشعروا بسعادة بالغة لهذه المفاجأة التي ستتم بين النجمين الكبيرين وأن المناسبة ستكون رسالة من تحت الماء لنزار, واستقبل الحاضرون هذا الخبر بارتياح شديد وقبل أن ينتهي حفل العشاء تقدم الفنان الحفناوي وأمسك بيد الموجي ويد عبدالحليم وطلب من الجميع قراءة الفاتحة وفي نهايتها احتضن الاثنان كلا منهما الآخر وسط تهاني أعضاء الفرقة والضيوف وتعانقا طويلا ثم جلسا ليكملا عشاءهما معا. وتمت عملية الصلح في هذا الجو الجميل, ولم يهدأ الحفناوي في حفل العشاء حتي زف إلي عبدالحليم نبأ قصيدة نزار وأصر أن يأخذ الموجي وحليم في غرفة مجاورة ومعهم أحمد فؤاد حسن وطلب من الموجي أن يغني مذهب رسالة من تحت الماء بصوته علي العود وانبهر عبدالحليم بالمذهب وصوت الموجي الذي كان قد توقف عن سماعه لخمس سنوات, وغني مع الموجي المذهب عدة مرات وردده عبدالحليم أكثر من مرة لدرجة جعلت الحفناوي يسحب الكمان ويعزف مع الموجي مذهب قصيدة نزار الذي يقول:
إن كنت حبيبي ساعدني.. كي أرحل عنك
إن كنت طبيبي ساعدني.. كي أشفي منك
وغناها معه الحاضرون في هذه الليلة وحفظ عبدالحليم هذا المقطع الذي كان يردده بينه وبين نفسه كلما اجتمع الاثنان معا في هذه المناسبة الجميلة التي عاد بعدها عبدالحليم والموجي والفرقة الماسية ومجدي العمروسي إلي القاهرة ولم يسترح عبدالحليم سوي يوم واحد ليطلب ويقول للموجي أنا جاي بكرة البيت عندك لأسمع باقي اللحن وأسلم علي أم أمين زوجة الموجي المشهورة بهذا اللقب, وأسلم أيضا علي أبناء وبنات الموجي في شقته الجديدة التي انتقل إليها في شارع البراد بالعباسية, وهكذا تم اللقاء بالفعل وقام الموجي بإحضار العود وغني مذهب القصيدة الذي كان عبدالحليم قد حفظه عن ظهر قلب وطلب منه الانتقال إلي الكوبليه الأول الذي يقول:
لو أني أعرف أن الحب خطير جدا.. ما أحببت
لو أني أعرف أن الموج عميق جدا.. ما أبحرت
لو أني أعرف خاتمتي.. ما كنت بدأت
طلب عبدالحليم من الموجي إعادة غناء هذا الكوبليه أكثر من مرة وبدأ يحفظه منه ويغنيه كما يغنيه الموجي بالضبط والأداء السليم الذي اشتهر به عبدالحليم منذ أن كان مدرسا للموسيقي في بنها.
واستمر عبد الحليم علي هذا النحو ثم أعاد حفظ المذهب والكوبليه معا في بيت الموجي حتي ساعة متأخرة من الليل, وفجأة وجد الموجي عبد الحليم في حالة إرهاق وإعياء شديد فقال له إيه يا حليم تشعر بحاجة قال عبد الحليم مفيش حاجة يا محمد وطلب منه أن يصحبه إلي منزله لأنه يشعر بأن حالته غير طبيعية واتصل الموجي بمجدي العمروسي يفيده بظروف عبد الحليم المرضية وبعد أن انتقل إلي منزله جاءه العمروسي ومعه طبيب عبد الحليم الخاص هشام عيسي وكشف عليه وكانت حالته خطيرة.
عبد الحليم في مستشفي لندن كلينك
واتخذت الإجراءات فورا بسفر عبد الحليم وعلاجه في مستشفي لندن كلينيك ومعه هشام عيسي ومجدي العمروسي وبرفقتهم محمد الموجي ودخل عبد الحليم المستشفي, حيث تم عمل الفحوصات اللازمة والتحاليل المطلوبة وتقرر إبقاء واستمرار عبد الحليم تحت العلاج من آثار البلهارسيا التي تمكنت منه وهو صغير وتراجعت حالته الصحية وظل بالمستشفي وتمت عمليات نقل دم إليه وعاد الموجي إلي القاهرة واستمر علاج عبد الحليم لفترة طويلة وبدأت حالته في التحسن بعض الشيء وطلب من العمروسي في المستشفي الاتصال بمحمد الموجي لكي يرسل له القصيدة بصوته مسجلا علي آلة العود ليحفظها عبد الحليم في المستشفي كسبا للوقت وتم ذلك بالفعل عن طريق مجدي العمروسي الذي ظل يتردد بين القاهرة ولندن ومعه شريط القصيدة بصوت الموجي ليضعه في جهاز التسجيل علي الكوميدينو القريب من سرير مرضه, وظل يردد الشريط مرات ومرات ليحفظ القصيدة وهو في أشد المرض ولم يفلح العمروسي في أن يطلب منه أن يستريح ويتفرغ للعلاج ويؤجل حفظ القصيدة واندمج حليم مع كلمات نزار ويتوقف عند المقطع الذي يقول:
الموج الأزرق في عينيك.. يناديني نحو الأعمق
وأنا ما عندي تجربة.. من الحب. ولا عندي زورق
إن كنت أعز عليك فخذ.. بيدي
فأنا عاشقه من رأسي.. حتي قدمي.. إني أغرق أغرق أغرق
فطلب عبد الحليم الموجي بالتليفون من المستشفي وطمأنه علي حالته رغم اشتداد مرضه يطلب منه تغيير كلمة عاشقه لأن الكلمة نسائية والذي يغني القصيدة رجل فاتصل الموجي بنزار وتم تعديل الكلمة واستبدالها بكلمة فأنا مشتاق من رأسي حتي قدمي وتحسنت حالة عبد الحليم بعض الشيء وعاد مع مجدي وهشام عيسي إلي القاهرة, وبعد عدة أيام من وصوله زاره في بيته الموسيقار محمد عبد الحليم والموسيقار كمال الطويل والموجي نفسه وبعض أصدقائه من الكتاب والصحفيين المقربين إليه من أمثال مصطفي أمين وأنيس منصور ومصطفي محمود وكمال الملاخ وغيرهم, وطلبوا منه أن يستريح ويواصل العلاج ولكن عبد الحليم رغم كل هذه النصائح لم يتوقف عن حفظ القصيدة.
غيبوبة عبد الحليم
وطلب عبد الحليم من أحمد فؤاد حسن الذي لم يفارقه لحظة منذ وصوله إلي القاهرة إلا بعد أن يستغرق في النوم تماما أن يستعد لبدء البروفات علي القصيدة مع الفرقة الماسية بعد أن تتم كتابة النوتة الموسيقية لجميع أعضاء الفرقة والتنبيه عليهم بالالتزام, وتحدد يوم17 إبريل لتقديم القصيدة في حفل شم النسيم من قاعة جمال عبد الناصر بجامعة القاهرة واستمرت البروفات وكان عبد الحليم قد طلب من الموجي تليفونيا من لندن كلينك أن يجري تعديلا آخر في اللحن وبالذات في المقطع الذي يقول, إني أتنفس تحت الماء إني أغرق أغرق بحيث يستخدم الموجي الآلات الموسيقية والأنغام التي تجسد حالة الغرق نفسها وهو ما فعله الموجي بالضبط عندما ربط بحنكته بعض الآلات الموسيقية مع جيتارين مختلفي الأداء يعزف عليهما عمر خورشيد الذي نجح في اختيار نغمة من الجيتارين معا تشعرك وأنت تسمعها أنها منبعثة من قاع البحر, وهكذا استطاع الموجي أن يعبر موسيقيا عن كلمة إني أغرق أغرق وأداها عبد الحليم ببراعة متناهية وأعادها عدة مرات لدرجة أنهكته تماما وكان يكرر الإعادة من تلقاء نفسه في هذا اليوم واستمر في أدائه للقصيدة لمدة ساعتين متواصلتين سقط بعدها وهو يترنم في غيبوبة تامة كان مجدي الحسيني عازف الأورج الموهوب أول من شعر بها واستنجد بفؤاد حسن ومجدي العمروسي والموجي الذين قاموا بنقل حليم فورا إلي منزله وتأجلت البروفة ليوم آخر.
تأجيل حفل الربيع
ويشتد المرض علي عبد الحليم حافظ بعد حالة الغييوبة التي داهمته وسقط بسببها مغشيا عليه في البروفة التي شهدها الراحل كمال الملاخ وكنت معه في هذه اللحظة التي التقط منها مصور الأهرام صورة لعبد الحليم يسقط من فوق الكرسي مغمي عليه ونشرها كمال الملاخ في صدر الصفحة الأخيرة في هذا اليوم مع تعليق من جانبه علي حالة المرض التي تسببت في تأجيل حفل الربيع لمدة ثلاثة أشهر أخري لحين إتمام شفائه, وهو ما ذكره كمال الملاخ في هذا التعليق الذي جعل التليفونات لا تنقطع في بيت عبد الحليم للسؤال عن صحة من الكتاب والصحفيين والشعراء والملحنين ومعجبيه الذين يعشقون أغانيه, ويعود عبد الحليم بعد ثلاثة أسابيع من العلاج الذي كان يشرف عليه طبيبه الخاص هشام عيسي إلي البروفات مرة أخري استعداد للحفل الذي تقرر أن يقام يوم5 أغسطس73 بدلا من17 أبريل ويحضر الموجي بروفات القصيدة من جديد مع الفرقة الماسية ومعه طيبيه الخاص الذي كان يواظب علي الحضور خشية أن يحدث لعبد الحليم ما حدث في البروفات السابقة ومعه حقيبة الأدوية والأجهزة الطبية لإسعاف عبد الحليم في حالة ما إذا داهمته الحالة مرة أخري ولكن استمرت والحمد لله بروفات القصيدة مرة أخري ومرت بسلام دون حدوث أية مشاكل مرضية لعبد الحليم باستثناء إجهاد بسيط من جانبيه من كثرة إعادة بعض مقاطع القصيدة واقفا وكأنه يغني في الحفل وأمام الجمهور وهكذا كان يفعل عبد الحليم في أدائه المخلص بكل أغنية يؤديها ويحفظها عن ظهر قلب, الأمر الذي جعل أغانيه تعيش في وجدان الجماهير حتي الآن, وتنتهي البروفات في ساعة متأخرة من الليل ويتوقع الجميع أن يستعدوا للانصراف إلي بيوتهم لأن الساعة اقتربت من الثالثة صباحا وإذا بعبد الحليم يفاجئهم بطلب آخر غريب لم يتوقعه أحد منهم وهو إجراء البروفة النهائية للقصيدة وقال له الموجي وفؤاد حسن كفاية النهاردة كده يا حليم أنت تعبت وخلي البروفة النهائية بكره ولكن عبد الحليم أصر علي ذلك وجلست الفرقة بأكملها مرة أخري وابتسم الموجي لعبد الحليم وقال له طيب يا حليم ربنا يوفق وطلب عبد الحليم من مهندس التسجيل تسجيل البروفة كاملة علي الريكوردر, وتم ذلك بالفعل وانتهي الكوبليه الأخير وقفلة القصيدة مع صوت أذان الفجر وشكر عبد الحليم الفرقة وأعضاءها وانصرف الجميع إلي بيوتهم واستقل عبد الحليم سيارته عائدا إلي منزله ومعه طبيبه الخاص ومجدي العمروسي اللذان ودعاه عند باب العمارة عائدين إلي بيوتهم أيضا بعد أن طلبا منه النوم فورا استعدادا ليوم الحفل.
نزار قباني يستمع من سوريا
وفي صباح اليوم الثاني تلقي عبد الحليم اتصالا هاتفيا من الشاعر الكبير نزار قباني يسأل عن صحته وما إذا كان الحفل سيقام في موعده أم أن في الأمر شيئا آخر وطمأنه عبد الحليم بأن كل شيء تم وأن الإذاعة ستنقل الحفل علي الهواء مباشرة وأنه غدا سيذهب مع الفرقة لإجراء بروفة نهائية علي المسرح قبل الحفل بساعتين وكان عبد الحليم طوال اليومين السابقين يحفظ القصيدة من جهاز التسجيل إلي أن جاء موعد الحفل, وكانت قاعة مسرح جامعة القاهرة قد اكتظت بالجمهور, حيث لا مكان لقدم في القاعة وبعد فتح الستار ظهرت الفرقة وقرأ المذيع القصيدة كاملة وظهر حليم ويستقبله الجمهور بحفاوة بالغة, وأشار أحمد فؤاد للفرقة وكان الجمهور في قمة الإنصات إلي حليم ليبدأ دخول المذهب إن كنت حبيبي ساعدني كي أرحل عنك أن كنت طبيبي ساعدني كي أشفي منك مع روعة لحن الموجي إلي أن انتهت قصيدة نزار التي كان يستمع إليها ويسجلها من منزله في سوريا من خلال الحفل المذاع علي الهواء ليجري اتصالا هاتفيا بعبد الحليم بعد انتهاء الحفل يهنئه بنجاح القصيدة ويشكره عبد الحليم ويطلب منه أن يستمع إلي مجدي العمروسي في نفس وقت المكالمة الذي أبلغه بأن الحفل تم تسجيله بالكامل, وأن قصيدته ستطرح في الأسواق للجمهور في جميع الأقطار العربية بأداء عبد الحليم كما هو ومن الحفل مباشرة مع تصفيق الجمهور, بالإضافة إلي موشح آخر غناه عبد الحليم في نفس الحفل وهو موشح يا مالكا قلبي وأغنية عاطفية أخري لتصبح رسالة من تحت الماء حديث المثقفين والكتاب والشعراء ورجال الفكر والسياسة وبسببها نفدت كل دواوين نزار بل إن طبعات جديدة من دواوينه كانت في طريقها إلي الطبع بناء علي رغبات الجماهير في الوطن العربي بعد أن استمعوا لها بصوت عبد الحليم وتلحين الموجي, الأمر الذي أثار انتباه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة للبحث عن قصيدة أخري لنزار قباني لتكون من نصيب نجاة, وهذا ما حدث بافعل وسنتحدث عنه في حلقة أخري من حكايات فنية.