[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]اعترافات طبيب عبدالحليم حافظ في كتاب جديد ناصر للصحفيين: عبدالحليم حافظ جهاز إعلامي وسفارة متنقلة لمصر وللقومية العربية ورمز من رموز الوطنية.
على الرغم من أن الكثير من المطربين والمطربات غنوا لثورة 23 يوليو/تموز 1952، وللقومية العربية والاشتراكية اللتين كان الرئيس جمال عبدالناصر يحمل لواءهما، لكن عبدالحليم حافظ ظل صوتها الأقوى والأبرز، فهو صاحب النصيب الأوفر من الأغاني الوطنية التي قدمت للثورة وأهدافها وقائدها، وقد احتضنته الثورة منذ عيدها الأول 23 يوليو/تموز 1953 ليغني جنبا إلى جنب مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وعندما هاجمته الصحافة المصرية بعد ذلك بسنوات، انبرى قائد الثورة والرئيس عبدالناصر بالدفاع عنه.
خاطب عبدالناصر الصحفيين قائلا: إنه يعتبر حليم جهازا إعلاميا وسفارة متنقلة لمصر وللقومية العربية التي يدعو إليها، وانتقد الإساءات الشخصية له، واعتبره رمزا من الرموز الوطنية.
هكذا لم يكن عبدالحليم حافظ مجرد مطرب، تتهافت الأذان والقلوب على صوته، هو يغني الأغاني العاطفية والوطنية على السواء، بل كان جزءا من ثورة يوليو، وهو الأمر الذي لم يعط العناية الكافية، فكل عام في ذكراه تخرج الصحف المصرية اليومية والأسبوعية بملفات تحفل بالعديد من أسرار المطرب، لكن دون أن يتطرق أحدها أو يكشف عن علاقته بالثورة وضباطها وأجهزتها.
إن كتاب الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص بعبدالحليم "حليم وأنا" الصادر عن دار الشروق هذا الأسبوع يضئ الكثير من علاقات حليم، وعلى الرغم من أن الكاتب لم يفرد فصلا أو مقالا عن علاقة حليم بالثورة، ونفى ما روج له بعض من كتبوا عن حليم بعد وفاته من إشاعات تقول إنه كان يقوم بدور سياسي نشط، وكان ينقل بعض الرسائل الديبلوماسية بين القيادة المصرية وبعض ملوك ورؤساء الدول العربية، لكن ذلك لم يعدم وجود ما يشي، وعموما لا يكاد يخلو مقالا في الكتاب من إشارة للثورة وعلاقة حليم بها.
يذكر عيسى أنه عندما شاعت قصة حب حليم وسعاد حسني وتباينت الأخبار عن الزواج المرتقب، تلقى حليم مكالمة تليفونية من رئيس جهاز المخابرات وقتئذ صلاح نصر، قال له فيها إن سعاد متورطة "عملت مع الجهاز" وأنه يأبى عليه أن يتزوج منها لأنه يحبه ويقدره، وتضايق حليم واتصل بسعاد ونصحها بالتمرد على صلاح نصر وأن توقف تعامله معه، وتم تسجيل المكالمة وأخذ صلاح نصر يعاتب حليم على ذلك ويهدده، فاتصل حليم بالمشير عبدالحكيم عامر الذي طمأنه وطلب إليه أن يتجاهل ما قاله له صلاح نصر وأنه سوف يتولى الأمر بنفسه، وحين عاد صلاح نصر لمخاطبة حليم قائلا: لقد أنقذك المشير هذه المرة، رد عليه حليم بغلظة طالبا منه ألا يعود لمكالمته أبدا بعد ذلك.
يقول عيسى "وهكذا مدت عليه الثورة حمايتها حتى من أخطاء بعض رجالها"، لكنه يعود ويؤكد أن "حليم اقترب من السلطة ولكنه ابتعد عن دهاليز السياسة وصاحب ذوي النفوذ، فكان ذلك نعمة على أصدقائه في محنتهم".
كان حليم يرفض اليسار المصري، وتجلى هذا الرفض في رفضه لعمل كل من أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ومزق سيناريو فيلم "وتمضي الأيام" الذي كتب له السيناريو يوسف شاهين، لمجرد أن قام الأخير بإضافة شخصيتين هما أصدقاء البطل، ولهم تأثير كبير عليه أحدهما شاعر شعبي اسمه أحمد فؤاد نجم والآخر مغن أعمى اسمه الشيخ إمام. انطلق حليم يمزق السيناريو "قائلا: المجنون ـ يقصد يوسف شاهين ـ جايب لي اتنين شيوعيين يعلموني الوطنية".
مرة أخرى حين رفض كمال الطويل تلحين أغنية محمد حمزة "عاش اللي قال" والتي كانت موجهة لتحية الرئيس السادات بمناسبة العبور وانتصار 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث قال الطويل لحليم "لن ألحن أغنية بعد ذلك أبدا لمدح شخص مهما كانت عظمته، وإذا أردت أغنية ألحنها فلتكن تحية للشعب المصري"، واقترح الطويل على حليم أغنية "الباقي هو الشعب" كلمات سيد حجاب، لكن حليم رفض لأن الأغنية من تأليف شاعر شيوعي، وأن الأغنية كتبت وقت حدوث الثغرة.
لقد كان رحيل عبدالناصر من أكبر الصدمات التي أصابت حليم، فعند سماعه الخبر تعرض للنزيف وخرجت من فمه كمية من الدماء مصدرها دوالي المريء، وكما هو معروف كان حليم قد أصيب بالبلهارسيا المعوية منذ طفولته، وسبب له ذلك تليفاً كبدياً.
و"باستثناء أغنية "عاش اللي قال" و"النجمة مالت على القمر" لم يغن عبد الحليم أي أغان وطنية بعد وفاة عبد الناصر".
ويفرد الكتاب أكثر من مقال لعلاقة حليم الخاصة بالملك الحسن الخامس وعدد من القيادات المغربية، ومعايشته لكثير من الأحداث التي أحاطت بملكه ومحاولات الانقلاب عليه، كما يتوقف عند علاقاته بأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وسعاد حسني التي أكد الكاتب على أنها حب عبدالحليم الحقيقي، وأن المغرب هو البلد الذي شهد بداية هذا الحب، حين قامت إذاعة "صوت العرب"عام 1961 بتنظيم رحلة إلى المغرب تقام خلالها حفلات غنائية عدة يخصص دخلها لضحايا الزلزال المدمر، الذي وقع في مدينة أغادير المغربية يوم 29 فبراير/شباط 1960.