مذكرات «حليم» بخط يده: «نعم أحببت سعاد حسني.. ولكن» (ح 7)
أحمد مجاهداكسترا 8 / 23,مارس,2016
57
حليم وسعاد
ذات ليلة، وفي الصباح، امتدت يد حليم إلى الجرائد كعادته، ليجد صورة فتاة جميلة اسمها سعاد حسني، عملت في السينما في فيلم واحد اسمه «حسن ونعيمة»، وعندما حاول أن يعرف عنها أكثر أخبره صديق أنها أخت نجاة الصغيرة، فسأل: «لماذا لا تعمل في السينما؟»، ورد الصديق بسيل من الاتهامات: «إنها تحتاج إلى إعادة تصوير المشهد أكثر من مرة، إنها لا تجيد الوقوف أمام الكاميرا، إنها.. إنها».
أحس العندليب أن هذا كله مجرد حواجز لابد من إزالتها، ينحصر أغلبها في كسل المخرج، وعدم صبر المنتج، والرغبة في سلق كل شيء، تلك الرغبة التي تنتاب السينما المصرية كثيرًا –على حد تعبيره- فلا يفكر من يعمل في السينما في الإنسان الذي سيشاهد، إنما يفكر في شكل الأوراق المالية وحركتها، يظل يجمع ويطرح ويضرب ويحسب ما مكسبه أو خسارته، لذلك يفقد الرغبة في الإجادة.
دخل حليم مجال الانتاج السينمائي، وأخذ على نفسه عهدًا ألا يكون مثل هؤلاء، مؤكدًا أنه دخله لا رغبة في مزيد من النقود، فالغناء وحده يكفيه، لكن كان يريد التحرر من سجن عمليات الحساب هذه، لذلك أسس شركة «صوت الفن» وقرر إنتاج أول فيلم «البنات والصيف»، ورشح المخرج الممثلة الشابة زيزي البدراوي للبطولة، وكان الدور الثاني هو الذي رشح فيه سعاد حسني.
بدأ التصوير، زيزي البدراوي تمثل بسهولة، ويصفقون لها، وسعاد حسني يعيدون لها المشهد أكثر من مرة، بالإجبار، لدرجة أن حليم استشعر الغيظ وبدأ يصفق لها عندما تمثل، ومن يومها ولدت صداقة جمعت بينهما، إلا أن الجميع استغل كلمة صداقة وأعلنوا ملكيته لها، بينما حليم لا يرى الصداقة بهذا المنظار، وكذلك سعاد ابنة الظروف القاسية التي جعلتها تشعر بالوحدة وتسعى لإنقاذ نفسها منها.
كانت صداقة حليم بسعاد منبعها ثقته الكبيرة في موهبتها، وأنها ذات ذكاء فطري مطلوب فقط صيانته من كل ما يحيط به، كذلك وعيه الكامل بحال الشخص الذي يعاني من عدم وجود استقرار في بيت واحد، ويعرف معنى التشتت في الطفولة، فالأب طلق الأم، والأم لها زوج قاس، والأب له أبناء صغار، الكل يبحث لنفسه عن نجاة، بينما سعاد طيبة وتتعرض للاستغلال، مع ذلك ابتسامتها تضي وجهها وعيونها تبرق بالأمل وتمثل بإنطلاق، «موهبة حقيقية» على حد وصف حليم.
بدأ العندليب يدير دفة الصداقة في طريق مواجهة المشاكل التي تتعرض لها سعاد، فقدم لها الكتب، أولها سلامة موسى، الرجل العاشق البسيط، فكان أول نافذة فتحتها في تفكيرها لتطل على العالم، وبدأت تقرأ بشهوة المعرفة، لأنها تريد أن تصقل نفسها، وانتقلت من سلامة موسى إلى مصطفى محمود، وعندما يستعصي عليها شيء تسأل ولا تدعي التعالي ومعرفة كل شيء، تسأل كامل الشناوي وإحسان عبدالقدوس، وتسأل حليم، وكانوا جميعًا يقولون لها ما تريد أن تعرفه.
لاحظ حليم وسط كل هذا أنها تعيش في فوضى، والفوضى في حياة الفنان يمكن أن تنعكس على عمله، فكان يحاول معها ويختار معها ألوان الفساتين، وبدأ يناقش معها الموضة، ما يناسبها وما لا يناسبها، وكانت ميزة سعاد أنها لا ترفض ما تحس أنه يفيدها، على حد قول العندليب.
كانت السندريلا تتصرف بتلقائية، وهذا يسيء لها أحيانًا، لذلك كان يضطر حليم إلى التدخل في حياتها بالقدر الذي تسمح به الظروف، رغبة منه في حمايتها من نفسها، وأحيانًا كان ينجح في ذلك، وأحيانًا يفشل، إلا أن شكواها الدائمة كانت من الخوف، خائفة من الفشل، الوحدة، لهذا كان تليفونها دائمًا مشغولا، تحاول أن تتصل بالعالم، أن تقطع الوقت وتقتل الوحدة، وكان حليم يزورها أحيانا في منتصف الليل، الرابعة صباحًا، لأن هناك مشكلة تريد أن تناقشها، وكان يزعجها دائمًا الشرور التي يطلقها الآخرون حولها في شكل شائعات، ومحاولة لقتلها فنيًا.
بين الشائعات الكثيرة كانت قصة الحب التي تجمعهما، وهنا يقول حليم: «كلمة الحب لم تأت سيرتها بيننا، لم تدخل حتى حوارنا»، إلا أن الوسط الفني بدأ يشغي بدبابير الكلام، فحاول بكل قوته أن يصد الكلمات حماية لسعاد لأنها تتأثر بسرعة، تفرح بسرعة، وتغضب بسرعة، وكل ذلك بسبب ما مرت به في حياتها الأسرية.
كانت صغيرة تضطر أن تذهب إلى المحكمة لحضور جلسات القضايا المرفوعة بين الأب والأم، يطلب منها الأول أن تشهد لصالحه، وتطلب منها الثانية نفس الطلب، فتذهب للمحكمة، وتقف أمام القاضي تقول ما يدور في خاطرها، بتلقائية، وتكون النتيجة «علقة ساخنة»، وغيرها من المشاكل، كأن تجلس هي وإخوتها في المنزل حتى تعود أمها «الخياطة» من عملها، أو أن يحصل الأب على حكم قضائي بضم الأبناء إلى حضانته، وتبتعد عن أمها لتحيا رجل يضربها على أي خطأ يقع منها.
فجأة، وفي أحد أيام شهر أغسطس عام 1965، خرجت أختها صباح لتسافر إلى الإسكندرية، ووقع لها حادث في الطريق، ماتت، وبكت سعاد، وأصبحت تكره الموت وتخاف من المنزل، وبدأت تتجه لتنام مع بنات أسرة حليم، لتزداد الشائعات أكثر بوجود قصة حب بينهما.
يقول حليم: «لحظات فكرت فعلاً في سعاد حسني، كزوجة، أنا أحتاج إلى إنسانة كسعاد»، لكنه لم يستطع أن يصدر قرارا لقلبه بتحويل صداقته منها إلى قصة حب، وعلى الجانب الآخر قررت سعاد أن تبتعد تدريجيًا، وتقلل من اتصالاتها به، حتى أن حليم أحس أنها تتمرد على صداقتهما.
مرت 8 سنوات لم ير فيها سعاد حسني، ثم حدث ورآها أثناء تسجيل إحدى أغنيات وردة، لكنه أحس بأنها تغيرت، بدأ يشوبها بعض التكلف، شيء من عدم البساطة، ليختتم الفصل الذي أسماه «نعم أحببت سعاد حسني ولكن..» قائلا: «حزنت، وتمنيت ألا يكون لقاؤنا في ذلك اليوم قد تم».